• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : علم التفسير .
                    • الموضوع : تفسير القرآن الكريم ومناهجه .

تفسير القرآن الكريم ومناهجه

الشيخ صادق محمد علي*

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلی الله علی محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

المعنی اللغوي للتفسير

قال الراغب الاصفهاني في معجمه (ألفاظ القرآن)، مادة فسر (الفَسْرُ: إظهار المعنی المعقول.. وقد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها وفيما  يختص بالتأويل، ولهذا يقال: تفسير الرؤيا. قال تعالی: (وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)  الفرقان: 33 .

أما الشيخ الطريحي في كتابه (مجمع البحرين) قال: «التفسير في اللغة كشف معنی اللفظ وإظهاره، مأخوذ من الفَسْر وهو مقلوب السفر، يقال أسفرت المرأة عن وجهها، إذا كشفته، وأسفر الصبح: إذا ظهر».

المعنی الاصطلاحي للتفسير

قال الشيخ الطريحي: «وفي الاصطلاح علم يبحث فيه عن كلام الله تعالی المنزل للاعجاز، من حيث الدلالة علی مراده تعالی،.. والفرق بين التفسير والتأويل هو التفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل، والتأويل ردّ أحد المحتملات  إلی ما يطابق الظاهر».

وعرّفه السيد العلامة الطباطبائي (قدس) في الجزء الأول من الميزان قال: (هو بيان معاني الآيات القرآنية والكشف عن مقاصدها ومدا ليلها).

الأطوار التي مر بها التفسير

ذكر الدكتور صبحي صالح في (مباحث علوم القرآن) أنّ التفسير مرّ بأطوار عديدة منذ عصر النبي (صلى الله عليه وآله)  حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله)  أول من شرح القرآن،  ثم الصحابة علي بن أبي طالب (عليه السلام)  وابن مسعود وابن عباس وغيرهم، وذكر قول ابن تيمية: « أعلم الناس بالتفسير أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء بن أبي رياح وعكرمة.. وسعيد بن جبير وطاووس وغيرهم، وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود وعلماء أهل المدينة كزيد بن أسلم وابنه.. ومالك بن أنس وابن جرير والطبري بعد ذلك ».

الأنماط المطروحة في التفسير

جاء في (نفحات القرآن) للعلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (دام ظله) (ج 1 / ص 7 طبعة إيران) أنّ هناك خمسة أنماط للتفسير، تفسير مفردات القرآن، التفسير الترتيبي، التفسير الموضوعي، التفسير الارتباطي، التفسير العام،  أو النظرة الكونية للقرآن، فالأول: يبحث عن كلمات القرآن حسب التسلسل لحروف الهجاء كما عليه (كتاب مفردات القرآن للراغب الأصفهاني)، والترتيبي: توضيح مضمون وماهيات الآيات حسب ترتيبها الموضوعي: يبحث في الآيات علی أساس تبويب مواضيع تتعلق بأصول الإسلام وفروعه وقضاياه، والاستنباطي: يتناول المواضع المختلفة التي لها ارتباط مع بعض كالإيمان والتقوى والعمل الصالح وغيرها. والخامس وهو التفسير العام: يبحث عن التكوين في عالم الخلق وارتباطها مع بعضها كالشمس والقمر والأرض والإنسان في مواضيع مترابطة.

مصادر التفسير

هناك ثلاثة مصادر  للتفسير: 1-المصدر النقلي 2 – المصدر العقلي 3- المصدر اللغوي.

وذكر الدكتور محمد حسين الصغير في كتابه (دراسات قرآنية) المصدر النقلي: هو التفسير بالمأثور ويكون إما قطعي كتفسير القرآن بالقرآن وهو أرقی المصادر أو الروائي (ظني وقطعي)، وذكر للمصدر العقلي ثلاث اتجاهات، الاتجاه الأول منسوب للمعتزلة حيث يرون العقل هو الحاكم فهم يقدرون حكم العقل  علی حكم الشرع. بيد أن التحقيق علی خلاف ما نسب إليهم، وإن الأولی عندهم أن العقل طريق إلی العلم.

الاتجاه الثاني: للإمامة: يعتبرون العقل طريقاً إلی العلم القطعي، ويشاركهم المعتزلة. الاتجاه الثالث: الأشاعرة: يقولون: إنّ التكليف ينشأ من حكم الشارع فحسب  لا العقل وقال مثل قولهم جملة من الاخباريين من الإمامية.

أما المصدر اللغوي: فيرجع فيه إلی شعر العرب، كابن عباس وعكرمة والحسن البصري وآخرون رجعوا أيضاً إلی النثر والمثل كالزّجّاج، والرضي والاصبهاني. يقول الدكتور الصغير: (ومهما أوتي العربي من دقة الفهم، والإحاطة باللغة وسعة الثقافة فلن يستطيع سبر أغوار القرآن جميعها، ولا كشف أبعاده كشفاً مميزاً بحيث تبلغ بذلك الذروة، نظراً لرقي الكتاب نظماً وتأليفاً مما جعل ذلك متعسراً علی الكثيرين من القدامى والمحدثين فكيف تصح الدعوی بفهم العرب جميعاً للقرآن).

مع أن الحاجة إلی اللغة حاجة ماسة وإلا خبط المفسر خبط عشواء حيث أن فهم اللغة يرفع التدافع في الألفاظ ألمشتركة أو المختلفة أو الغريبة.

المناهج المطروحة في التفسير

هناك مناهج عديدة سلكها المفسرون حسب ما ذكره محمد حسين الصغير:

1-المنهج القرآني ، 2 – المنهج الأثري، 3- منهج الرأي، 4 – المنهج اللغوي، 5 – المنهج البياني، 6 – المنهج الصوفي أو الباطني، 7 – المنهج العملي، 8 – المنهج التاريخي، 9 – المنهج الموضوعي، 10 – مناهج احتجاجية وأدبية واجتماعية.

وتوسع في البحث فيها الدكتور محمد حسين الصغير ف وهذا موجز ومختصر منها:

-المنهج القرآني:

وهو ما يسمی بتفسير القرآن بالقرآن وهو أصح الطرق لأن الآية هنا قد تكون مجملة بما تحمله من معنی ويتم تفصيل المعنی في موضع آخر والمثال الواضح هو قصص القرآن كقصة موسی (عليه السلام)  حيث ذكرت في سور عديدة يستطيع الباحث أن يكتشف فيها بتفسيره روعة الحدث والأبعاد العميقة في شخصية النبي موسی (عليه السلام) .

وهكذا في  شخصية عيسی وآدم (عليهما السلام)، ومعالجة مواضيع عديدة، لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً. قال تعالی في سورة الفاتحة (مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بيّنت سورة الانفطار يوم الدين (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، وهذا المنهج اعتمده كثير من المفسرين.

- المنهج الأثري:

باعتبار أن السنة النبوية الشريفة هي المبينة والشارحة للكتاب العزيز، فهذا المنهج  يعني الأثر الصحيح المأخوذ عن النبي وأهل بيته (عليهم السلام) في تبيين الآيات وشرح المجمل وتوضيح الغامض منها، وخاصة آيات الأحكام وما علی المفسر إلا أن يتثبت من سند الحديث دراسة متنه أو يرجع لأهل الاختصاص حتى يتم له التفسير بهذا المنهج الأثري.

ذكر الشيخ الطوسي (قدس) في التبيان ج 1/ 4 (واعلم أن الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن الأئمة (عليهم السلام)، الذين قولهم حجة كقول النبي (صلى الله عليه وآله)  وأن القول بالرأي لا يجوز). وممن فسّر بهذا المنهج ابن عباس وابن مسعود وصاحب مجمع البيان والشيخ الطوسي، وغيرهم كالسيوطي وابن كثير.

- منهج الرأي:

والمراد به التفسير بالاستحسان والترجيح الظني، والميل النفسي لاتباع الهوى ولا يعني ذلك الاجتهاد أو الاستنباط القائم علی أساس الكتاب والسنّة النبوية، وقد روی العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله)  أنه قال: (من فسّر القرآن برأيه وأصاب الحق فقد أخطأ، وعن ابن تيمية (فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام) وروی ابن عباس (من قال في القرآن بغير علم فليبوأ مقعده من النار)، وفي الوسائل (1) (ما آمن بي من فسر كلامي برأيه) ويبدو أن من أوائل المفسرين بالرأي هو مقاتل بن سليمان البلخي صاحب (الأشباه والنظائر) في القرآن الكريم. فقد حدّث مالك بن أنس (أنه بلغه أن مقاتل جاءه إنسان فقال: أن إنساناً جاءني فسألني عن لون كلب أصحاب الكهف، فلم أدر ما أقول ؟ فقال له مقاتل: ألا قلت له أبقع؟ فلو قلته لم تجد أحداً يردّ عليك)، نقلاً عن تهذيب التهذيب لابن حجر ج 10/ 382.

- المنهج اللغوي: وهو التفسير الذي يذكر المفسّر فيه تأييداً من كلام العرب وأول من اعتمده ابن عباس ثم أبان بن تغلب تلميذ الإمام الصادق (عليه السلام)  في تفسيره (غريب القرآن) ومعاني القرآن والقراءات. وأكبر مفسري هذا المنهج اللغوي هو الفرّاء (أبو زكريا) ومعمر بن المثنی في (مجاز القرآن) والزّجّاج في (معاني القرآن) والراغب الأصفهاني في معجمه.

- المنهج البياني:

وهو المنهج الذي تدور مباحثه حول بلاغة القرآن والعلاقات اللفظية والمعنوية وكشف الدلالات الحالية والمقالية، ومن أبرز أصحاب هذا المنهج البياني هو الشيخ عبد القاهر الجرجاني في (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة) والزمخشري في تفسيره (الكشاف)، وكما كتب حديثاً كأمين الخولي في (محاضرات في الأمثال القرآنية) والدكتورة بنت الشاطئ في (التفسير البياني للقرآن) والدكتور أحمد البدوي في كتابه (من بلاغة القرآن).

-المنهج الصوفي أو الباطني:

وهو ذلك المنهج الذي يعتمد علی الآراء الغريبة بتفسير باطني بعيداً عن ظواهر الكتاب ودلالة السنة، وليس المراد به تفسير تلك الطبقة التي بلغت من النقاء والصفاء ما امتزجت به بالحب الإلهي المطلق أو الجمال الروحي.

-المنهج العلمي:

وهو المنهج الذي يستخرج مجموعة من العلوم من القرآن. ويری هذا المنهج أن في القرآن ما يتسع للفلسفة والطب والفلك والنجوم وأصول الصناعات والكهانة والطيرة والزجر والخط علی الرمل والسحر والشعبدة.  ذكر الغزالي في (إحياء العلوم) أن كل ما شكل فهمه علی النظار واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه) واعتمد هذا المنهج أيضاً الطنطاوي المصري في تفسيره (الجواهر في تفسير القرآن الكريم) وحديثاً عبد الرزاق نوفل ومصطفی محمود من مصر.

نعم القرآن يواكب العلم ولكن هذا المنهج يحاول إخضاع التفسير للنظريات التي تعتمد التجربة وربما تبطل النظرية بنظرية أخری. وهذا يبعد عن منهج القرآن وغاياته العليا.

-المنهج التاريخي:

يدرس هذا المنهج في تفسيره مراحل النزول، فيبدأ من سورة العلق وينتهي بآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...) وهذا عمل شاق وطريق صعب ومع ذلك فهو قليل الجدوى لا ثمرة فيه إلا ضبط المكي والمدني.

-التفسير الموضوعي:

عرّفه الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) بأنه ذلك المنهج الذي يبدأ (الموضوع الخارجي وينتهي إلی القرآن الكريم... يختار – المفسّر – مجموعة من الآيات تشترك في موضوع واحد).

وصاحب (نفحات القرآن) ج 1 / 20 ذكر للتفسير الموضوعي أسلوبين:

الأول: تناول الموضوعات المختلفة كالتوحيد والمعاد والتقوى وحسن الخلق، يدخل المفسّر في بحوث كلامية وفلسفية وأخلاقية يستعرض ما يؤيد بحثه بآيات قرآنية كشواهد.

والثاني: يبدأ المفسّر بجمع الآيات التي تخص مورد بحثه حول موضوع ما من أنحاء القرآن ويفسّرها ثم بعد ذلك يطرح موضوعه المناسب فينكشف محتوی الآيات قبل التطرق للموضوع.

وقد اعتمد هذا الأسلوب في (نفحات القرآن) وأول التفاسير الموضوعية هي آيات الأحكام، مثل (أحكام  القرآن) للجصاص وكنز العرفان للمقداد السيوري وفقه القرآن للراوندي وغيرها.

إلی هنا ينتهي البحث ونختمه بما ذكره السيد العلامة الطباطبائي (قدس) في كتاب (القرآن في الإسلام) حول واجب المفسّر يقول (قدس): (تبيّن من البحوث السابقة أن واجب المفسّر هو ملاحظة الأحاديث الواردة التفسير عن النبي وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)  والغور فيها ليعرف طريقتهم، ثم يفسّر القرآن الكريم بالمنهج الذي يستفاد من الكتاب والسنة ويأخذ بالأحاديث التي توافق الكتاب ويطرح ما عداها).

والحمد لله رب العالمين وصلی الله علی محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ـــــــــــــ

*صادق محمد علي: كاتب من العراق، ماجستير في الفلسفة والإلهيات.

1ـ وسائل الشيعة ج 8، باب 13 .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1074
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 07 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24