• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : صفة الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر .

صفة الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر

بسم الله الرحمن الرحيم

   قال تعالى: (إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)(1)، الفحشاء هي البذاءة الأخلاقية والبخل، والمنكر هو كل شيء من المحرّمات التي تنهى عنها الشريعة المقدّسة.

   أي صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

   وسؤالنا: كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر، بينما نجد كثيراً من الناس يؤدون الصلاة لكنّهم يتورّطون في الفحشاء والمنكر؟

   وقد ذكرنا في الجواب عن ذلك: أنّ الصلاة دورها في النهي عن الفحشاء والمنكر دور المقتضي، والمقتضي لا يؤثر إلاّ إذا تحقق له أمران وهما: الشرط وعدم المانع.

   قلنا: العلّة التامة تتكون من عناصر ثلاثة هي: المقتضي والشرط وعدم المانع، ومثّلنا بالنار؛ فإنّها تنطوي على خاصية الإحراق لكن إحراقها يتوقف على أمرين:

   الأول: أن تُقرّب لها الجسم القابل للاحتراق، كالورق والخشب.

   الثاني: ألاّ يكون هناك مانع يمنع من تأثير النار، كالماء مثلاً.

   فالصلاة بذاتها صالحة لأن تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن لابدّ من تحقق مطلبين هما: الشرط وعدم المانع؛ لتؤثر الصلاة أثرها.

   فلو وجدنا إنساناً يصلّي وهو متورّط بالفحشاء، كأن يكون لسانه بذيء مع عائلته، أو يشرب الخمر، أو يستغيب المؤمنين، أو ينطوي على بخل بحيث يمنع أهله من قوتهم، حينئذ هل نقول: إنّ الصلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر؟

   الجواب: إنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر إلاّ أنّه لم يتوفر في المصلّي الشرطان أو أحدهما، واليوم نتحدث عن الشرط.

   الشرط يتمثل في أمر واحد وهو: أن يقبِل الإنسان على صلاته بقلبه حين يؤديها.

   متى تؤثر الصلاة في الفرد

   هناك عناصر خمسة ينبغي أن يحصل عليها الإنسان إذا أراد الإقبال للصلاة، وهو بحصوله عليها يكون قد حقّق الشرط من جهة ومنعَ المانع من جهة أخرى، وهذه العناصر ذكرها علماء الأخلاق، وتوجد في بعض التعليقات على بعض كتب الإمام الراحل الخميني (قد)، وهي: الحضور القلبي، التفهّم، التعظيم، الهيبة، الرجاء (رجاء ثواب الله تعالى)، الحياء.

   نتحدّث الآن عن هذه العناصر باختصار:

   1) الحضور القلبي: هناك روايات تشير إلى أنّ الإنسان لا تُقبل من صلاته إلاّ ما أقبل به على ربه، ففي بعض الروايات يعطى الإنسان نصف الثواب، وفي بعضٍ الثلث أو الربع، وفي بعضٍ العشر، والسبب في تفاوت الروايات هو كون الإنسان يعطى من الثواب في صلاته على قدر إقباله بالعمل على الله تعالى.

   الإقبال يتطلّب حضور القلب، كالتلميذ الجالس عند أستاذه فهو يحصل من المعرفة بمقدار حضور ذهنه عند شرح الأستاذ للدرس.

   ومجموعة التلاميذ الذين يحضرون عند أستاذهم يحصلون على المعرفة بشكل متفاوت، فالأكثر إقبالاً يحصل على أكبر قدر من المعرفة ممّا يحصل عليه التلاميذ، والأقل إقبالاً يحصل على أقل، والذي لا يقبِل بعقله على الدرس لا يحصل على شيء وإن كان حاضراً بجسده.

   وتلميذ واحد يحضر دروس متعددة قد يحصل على درجات متفاوتة من المعرفة تعتمد على درجة إقباله في كل درس.

   هذه الصورة والمثال يمكن أن نضيفها بذاتها إلى المصلّي، فالإنسان المستفيد بصلاته هو الحاضر القلب حينها، وليس في ذهنه أمر يشغله عن الصلاة.

   نحن نصلّي لله تعالى ونعبده وهو الذي رسم العبادة لنا بهذا الشكل الحسي، فمضافاً إلى أنّها تقوم بدور روحي ومعنوي فهي تشكل وجود حسّي يقود الإنسان ويربطه إلى جهة من الحس، فالإنسان إذا أراد التوجه إلى الله تعالى لابدّ أن يفرّغ قلبه من كل الأشياء التي لا ترتبط بالله تعالى.

   الإنسان عنده هموم تتصل بزوجته وأبنائه، وبجوعه وشبعه ومقاولته ودراسته، ينبغي للإنسان إذا أراد الصلاة أن يخلّي قلبه من هذه الهموم، ويفرّغ القلب ولا يجعل فيه إلاّ الهم الذي يرتبط بالله سبحانه وتعالى.

   كيف تقربنا الصلاة إلى الله

   الصلاة ( بوجودها الحسّي ( تربطنا بالله تعالى؛ فإنّ الله تعالى ليس له وجود حسي يدرك بالعين أو باللمس، فنحن لا نلتقي به حسياً كما نلتقي بأنفسنا، وإن كان الله تعالى ظهوره لأنفسنا أكثر من ظهور أنفسنا لأنفسنا، ووجوده أوضح لأنفسنا من أنفسنا، وإدراكنا لله تعالى أقوى من إدراكنا لأنفسنا.

   أنا ألاحظ هذا الضوء وهو ظاهر لي، لكن ظهور الله تعالى أقوى من ظهور الضوء لي؛ لأنّ الضوء مخلوق ولابدّ له من خالق، وأنا ألاحظ كل إنسان منكم وأحس به لكن ظهور الله أقوى من ظهوركم؛ لأنّكم تعبّرون عن أثر الله تعالى الذي أبدعه في الخلق وأخرجه.

   والفرق بين الظهورين: إنّا نعيش وسط مجموعة من الحجب في هذا الوجود المحدود فإذا واجهنا الجوع والشبع والمرض انشغلت أذهاننا عن التفكير بأي شيء آخر، هذا هو الذي يسبّب لنا أن ندرك أنفسنا أكثر من إدراكنا لله تعالى، وإلاّ فإنّ الله تعالى أكثر ظهوراً لنا من أنفسنا.

   على الإنسان أن يصل خلال الأفعال الحسية في الوقت المحدود للصلاة التي يؤديها في سبع عشرة ركعة، فمن خلال هذا الوجود الحسي ينبغي أن يذهب في اتجاه الله تعالى، ولذا هذا الوجود الحسي يعين على استحضار التوجه لله في الصلاة، أنت تتجه إلى القبلة امتثالاً لأمر الله تعالى، هذا الوجود يربطنا بالله تعالى.

   نتجه إلى القبلة وهي مرتبطة بالكعبة، والكعبة مرتبطة بالبيت المعمور ومرتبطة أيضاً بأبينا إبراهيم عليه السلام الذي أقامها وإسماعيل عليه السلام الذي شارك أباه في إقامتها، ومرتبطة بالأنبياء والرسل الذين جاؤوا للتبرّك بها، بهذا العالم الديني والعقائدي والتوحيدي.

   فالإنسان - من خلال القبلة-  ينشدّ لهذا الواحد المطلق الأحد الصمد، فهذا الوجود الحسي ينبغي أن يشدّه إلى الله تعالى ويرتفع به عن زحمة الانشغال بابنه المريض في مهده، وبزوجته ومتطلبات العائلة، وبهموم التجارة والنظريات وغيرها.

   كذلك بقية أعمال الصلاة، فهي بأذكارها وهيئتها في الركوع والسجود في الأصداء التي يسمعها من إلقاء الكلمات والعبارات، فمن خلال هذه الأفعال ينبغي للإنسان أن يتجه إلى الله تعالى، فيشغل ذهنه بهذه الأمور بعد أن يفرّغ القلب عمّا لا يرتبط بهذه الجهات ويشدّ نفسه إلى حضور أكثر في صلاته.

   بهذه العملية يكون للإنسان حضور قلبي في ساحة المنعم، بحيث لا ينشغل القلب إلاّ بالمنعم تعالى ويتعامل مع الخالق من خلال هذه الأمور الحسية التي هي وجودات حسية، لكنّها طرق إلى معاني معنوية دقيقة وأمور لاهوتية دقيقة.

   2) التفهّم: هو العنصر الثاني المطلوب لأجل أن يتحقق الحضور القلبي للصلاة، فهي كلّها تنطوي على معاني، وقد ذكرنا الأمور التي هي خارج الصلاة والتي تتوقف عليها مثل: الطهارة من الحدث بالوضوء أو الغُسل أو التيمم، والطهارة من الخبث في البدن واللباس، الوقوف الذي يرتبط به أداء تلك الصلاة، الساتر، ما يسجد عليه الإنسان، مكان الصلاة، جهة توجه المصلّي، هذه الأمور كلّها تعتبر خارج الصلاة وهي شروط تتوقف عليها الصلاة.

   ثم نفس الصلاة؛ فإنّ فيها هيئات وكيفيات لابدّ أن يمارسها المصلّي ببدنه، من وقوف ثم ركوع ثم سجود ثم جلوس، فهناك حركة ببدنه لابد أن تمارس في الصلاة.

   كذلك هناك أشياء ترتبط باللسان ومقولات لفظية، كقراءة القرآن وهي قسمين: ثابت كالفاتحة، والآخر الإنسان فيه حر وهو السورة، وهناك الذكر في السجود والركوع والتسبيحات الأربع والتشهد ومثل ذلك تكبيرة الإحرام، هذه عناصر داخل الصلاة.

   ويشترط في أذكار الصلاة وأفعالها الاطمئنان والمتابعة، وهناك أشياء ترتبط بعناصر داخلها، وهناك المبطلات كاستدبار القبلة والتكلّم وغيرها.

   هذه كلّها أنشطة تعتبر من الأمور المحسوسة خارجاً وهي تنطوي على معانٍ عدة.

   الإنسان لأجل أن يكون حاضر القلب عند الله تعالى في صلاته لابد أن يكون متفهّماً لهذه المعاني، وكلّما كان عميق الفهم لها فهو يعرف معنى الوضوء وماذا ينطوي عليه، ويعرف معنى الساتر وماذا ينطوي عليه، وماذا يعني التوجّه إلى القبلة، والوقت والمكان وتحديدهما؟ فعندما يكون الإنسان متفهّماً لهذه المعاني لابد أن يرتبط بها وهي كلّها مرتبطة بالله تعالى، فالقلب الذي كان منشدّاً إلى هم من هموم الدنيا عندما يفهم هذه الأمور يحصل له حضور ويقبِل على ربه تعالى.

   3) التعظيم: هو العنصر الثالث لحصول الحضور في الصلاة والاستفادة منها؛ فإنّه لمّا يكون قلب الإنسان خالٍ من غير الله تعالى، وعندما يكون متفهماً لأمر الصلاة، هذه الأمور التي يتفهّمها حينئذ توحي له التعظيم للجهة التي يرتبط بها وهي الله تعالى، عندما نقول: الله أكبر، فهذا يعني التعظيم لله فهو أكبر من كل شيء، فعندما نتوجه لهذه الجهة خضوعاً لله تعالى فلابد أن نشعر أنفسنا التعظيم له تعالى وعندها نحصل على هذه المرحلة التي هي نتيجة لإفراغ القلب من غير الله تعالى ونتيجةً أيضاً لتفهّم الصلاة.

   والتعظيم يفتح باب التأمل بالصلاة وما يرتبط بها أمام المصلّي.

   عندما نقول: الله أكبر تنفتح لنا عوالم كبيرة لعظمة الله تعالى وعظمة الكون الواسع الذي لا حدود له وما فيه من دقة الخلق وسعة المخلوقات والقدرة الإلهية التي لا حدود لها، ينفتح لنا معنى الحياة التي أعطاها الله تعالى للإنسان والوجود، والله تعالى غني بذاته عن هذه الحياة، تنفتح لنا المعرفة ونعرف عدم محدودية علم الله تعالى الذي أعطى العلم والمعرفة وأودعها في مخلوقاته وهكذا.

   وعندما نركع نحن نشير إلى هذه العظمة؛ لأنّها حالة من الخضوع، وكذلك عندما نسجد، فالتعظيم لابد منه كنتيجة لهذا الفهم.

   4) الهيبة: هي العنصر الرابع، ومعناها الخوف الناتج عن جلال وعظم الجهة التي نخشاها ونخافها، فعندما نتأمل في عظمة العظيم وجلاله تعالى لابد وأن تحصل هيبة الخالق الذي له القدرة المطلقة في أن يفصل رأس الإنسان عندما يركع، وله القدرة على أن يذيب الإنسان عندما يسجد فلا تقوم له قائمة، الخالق القادر على أن يحوّل الشُهب كلّها إلى الأرض ثم يحرقها من أولها إلى آخرها، الخالق القادر على أن يسع السماوات والأرض بمظاهر قدرته، عندما نتأمل ذلك تحصل عندنا هيبة ومعناها الخوف الناتج عن تصور جلال الجهة التي نخافها.

   أنتم بتجربتكم الحِسّية فيكم مَن يهاب الأب ومَن يخافه لكن لا يهابه، قد يكون الأب قاسي فالابن يخافه لكن ليس في قلب الابن أي احترام، بل ليس في قلبه أي حب لهذا الأب، فهنا لا نسمي ما يحصل هيبة بل هو خوف فقط، وهناك مَن يجلّ ويحترم أباه ولأجل شرّه لا يرى فيه الكرامة والشرف والجلال، فهو عندما يكون في حضرة أبيه يهاب أن ينتقده في شيء؛ لأنّه يخافه، لكن ليس خوفاً ممزوجاً بالحقد والكراهية، فالهيبة في الحقيقة ناتجة عن الخوف وهو منشؤه جلال الجهة التي يهابها الإنسان، فالابن يقدّر الأب ويحترمه.

   يريد الإنسان أمور الدنيا للراحة فيها لكن هذه الاعتبارات في الآخرة أعظم، فالإنسان يتلذذ بالأكل في الدنيا لكن الأكل في الآخرة أعظم، وكذلك الشرب ففي الآخرة سعادة لا سعادة بعدها.

   لذائذ الدنيا تنطوي على الألم فلذا إذا أردت المنافسة على المال وتفكر في مقاولاتك عليك أن تفكر أنّ ما عند الله تعالى خير وأبقى، هذا التفكير يساعد على فراغ القلب، فالله تعالى الذي تتجه إليه هو القادر على أن يحقق أعظم سعادة وثواب للإنسان في الآخرة، على الإنسان أن يضع هذا في نفسه.

   5) الرجاء: للعبودية مظهران هما الخوف والرجاء، والعبد الراجي هو المؤمل لرحمة ربّه، فاستشعار حالة الرجاء في الصلاة تجعل من المصلي وهو في صلاته يتأمل الخير من الله ويرتجي الثواب من صلاته، فالذي يريد أن يثاب على صلاته ويرتجي حصول الفيض الرباني عليه الاعتناء بحال الصلاة، ويمتثل لما ينسجم مع روح الصلاة وينتهي عن المنافيات المعنوية للصلاة، وبذلك يكون راجياً من الله كل نعمة في الدنيا والآخرة.

   6) الحياء: لابد للإنسان أن ينطوي على حياء بأن يستصغر نفسه ويستعظم سيئاته، وإذا لم يكن له سيئات فليعتبر نفسه كالإنسان المذنب الذي دخل في ساحة هذا الخالق المنعم فيحسب نفسه أنّه مقصّر في حقّه.

   الإنسان إذا حقّق هذه العناصر الستة عند دخوله في صلاته حينئذ هذه الصلاة سوف تؤثر أثرها في النهي عن الفحشاء والمنكر، الإنسان البذيء اللسان مع زوجته أو الناس إذا أدّى مثل هذه الصلاة سوف يترك هذه البذاءة، وكذا البخيل لمّا يصلي مثل هذه الصلاة سوف يعرف أنّ الرزق من الله، وأنّ الحياة الدنيا شوط قصير سوف ينتهي، فهو سوف يقول: لماذا البخل والرزق على الله تعالى؟! ولماذا أكون حريصاً وبخيلاً؟! فهو انتزع قلبه عن هم الدنيا وحب المال.

   وهكذا الحال للمنكر، فالذي يعيش مع الله تعالى من خلال صلاته ويعيش دور الصلاة بشكل كامل، هذا الإنسان لو كان ممن يشرب الخمر سوف يقلع عنها؛ لأجل تحريم الله تعالى لها.

   وهكذا يكون للصلاة دوراً عظيماً في النهي عن الفحشاء والمنكر، ويكون لصلاة هذا الإنسان تأثيراً ودوراً جيداً لأجل تعامله مع هذا المقتضي من خلال هذه الأمور الستة التي تحقق الشرط وتمنع الموانع، ولذكر الله أكبر، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم.

__________________

(1)  العنكبوت: 29.

منقول من موقع مكتب العلامة السيد علي السيد ناصر السلمان

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1054
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 06 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24