• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : العفو .

العفو

قال تعالى:(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) النور : 22.

اعداد دار السيدة رقية علهيا السلام للقرآن الكريم _ القسم الثقافي

قال المفسرون: إنّ العفو قد يکون بعد عتاب وتعفيف وتقريع، أي:  قد يعفو الإنسان عن إساءة تستحقّ الضرب، فلا يضرب المسيء ويکتفي بتوبيخه، وهذا غير الصفح الذي يخلو من العتاب وغيره. فالصفح هو العفو بأعلی صوره؛  ذلک لأنّ العتاب عقوبة.

     وعلی کل حال فإنّ العفو ضدّ الانتقام وهو إسقاط ما يستحقّه وترک عقوبة الذنب،  ولا يکون العفو عند المقدرة علی العقوبة والانتقام،  أما إذا  أصفح عنه لأنّه لم يقدر عليه فلا يُسمّی ترکه له عفواً کما لا يصلح العفو علی کلّ حال، فإنّه مقيَّد بالشرع وليس تابعاً للمزاج،  فيجوز فيما إذا کان الأمر خارجاً عن إطار القصاص والحدّ الشرعي، مثل أن يساء إلينا بکلمة نابية، أمّا حين يكون سرقة مال أو قتلاً متعمَّداً أو غير ذلك مما يهتمّ به الإسلام والمذاهب، فلا.

 وکذلک لا بدّ من کون الأمر  بالعفو متعلّقاً بنا لا بالآخرين، فلا يصحّ العفو عن ظلم الآخرين والتجاوز عليهم، فيختصّ فيما کانت الإساءة مع النفس لا مع الغير، ويشترط في العفو- أيضاً-کونه لا يؤدي إلی مفسدة أو إسراف المذنب علی ارتکاب الأفضع، ويفسح المجال للتجاوز أکثر فأکثر، ويزيد في الاعتداء ويغتّر بقدرته، فإنّ العفو يحمل حِکَماً ومصالح ويعود علينا بالخيرات والمنافع، وممّا يوجب سعادة الدنيا والآخرة، ويختصّ بخصائص کريمة، ويمتاز بممّيزات شريفة جليلة، منها: أنّه من أخلاق الله سبحانه وتعالی؛ فهو العفوّ الغفور، الرؤوف العطوف الودود، ومن سنن الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين، وهو ممّا أمرنا به القرآن الکريم مضافاً إلی أنّه سجية وخُلُق شريف، فإنّ المرءَ العفوَّ عزيزٌ ذو شخصية عالية يحّبه الناس؛ لأنّه يستر على المسيئين ويصلحهم، ويزرع الأمل والرجاء فيهم و هو ممّا يخلف صلاحاً أو إصلاحاً، وهي فرصة جديدة لتعديل الأخطاء والتراجع عن الخطايا.

    فلا ينبغي التسرّع في العقوبة إذا کان هناک مجال للعفو وفسحة للمعذرة، فربما ترکت العقوبة أثراً سّيئاً، وربّما کان العفو مرّبياً وعطاءً وصلة وخُلُقاً ورفقاً ومعروفاً وخيراً وعطفاً، فهو خير أخلاق الدنيا؛ لأنّه يبعد الضغائن والأحقاد ويقبر الفتن والمعضلات، ويخلق أجواء المحبة والصفاء،  ويزرع بذور الأخوّة والألفة والمودّة، ويصلح النفوس المريضة ويربّي القلوب السقيمة علی الخير، مضافاً إلی الأجر والثواب.

      أمّا في الآخرة فهو يرفع الدرجات ويمهَّد للدخول إلی رحمة الله، وقد ذکرت الآيات والروايات للعفو ثماراً کثيرة دنيوية وأخروية لا مجال لسردها هنا،و کما أشارت الآية: (أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) النور:22،  فهي تشجَّع وترغَّب في العفو والصفح عن الآخرين، وتقول: فإنّکم مثلما تأملون من الله العفو عنکم وأن يغفر خطاياکم يجب عليکم العفو والصفح عن الآخرين.

    فهي تحمل درساً کبيراً لحاضر المسلمين ومستقبلهم وتذکَّرهم بأن لا يتجاوزوا الحدّ المقرَّر في معاقبة المذنبين، ولا ينبغي طردهم من المجتمع الإسلامي أو إغلاق  باب المساعدة في وجوههم، ذلک من أجل المحافظة عليهم کي لا يزدادوا انحرافاً فيقعوا في أحضان العدو أو ينحازوا إلی جانبه، فإنّ العفو عن الآخرين سبب لعفو الله سبحانه عن ذنوب العافي نفسه، وأيّ عاقل لا يحبّ أن يغفر الله له، وفي الحديث الشريف: (ثلاث من مکارم الدنيا والآخرة: تعفو  عمَّن ظلمک، وتصل من قطعک، وتحلم إذا جهل عليک). ومن الکلمات الموجزة للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (عفو المَلِک أبقی للمُلک)، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا قدرت علی عدوّک فاجعل العفو عنه شکراً للقدرة عليه)، وغيرها الکثير.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1049
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 06 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29