• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : اللقاءات والأخبار .
              • القسم الفرعي : لقاء مع حملة القرآن الكريم .
                    • الموضوع : أجري قسم الثقافة والإعلام في الدار لقاءً مع القارئ الأستاذ السيد مهدي الحسيني .

أجري قسم الثقافة والإعلام في الدار لقاءً مع القارئ الأستاذ السيد مهدي الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾

دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم

يواصل الموقع الالكتروني التابع لدار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم إجراء سلسلة من الحوارات القرآنية مع أساتذة الدار وطلبتها ومع نخبة من قرّاء وحفاظ العالم الإسلامي.

وتبرز أهميّة هذه الحوارات القرآنية في أنّها تقدم إضاءات وافية على تجارب الحفّاظ وتقرّب مسيرتهم القرآنية للقارئ الكريم، والذي سيجد فيها نماذج جديرة بالاقتداء، خاصّة وأنّ الجيل القرآني المنشود قد يرى في تجارب هؤلاء الحفّاظ والقرّاء ما يشجّعه على الانضمام إلى هذه المسيرة القرآنية المباركة.

كما أنّ الحوارات المخصّصة لأساتذة الدار من شأنها أن تسهم ـ بلا أدنى شك ـ في الكشف عمّا تراكم من خبرة في أساليب التحفيظ والمناهج الدراسية المعتمدة في دار السيدة رقية (عليها السلام) للقرآن الكريم والتي بدأت تسجّل حضوراً ملفتاً على الساحة القرآنية، سواءً من خلال الدور التأطيري الذي تضطلع به، أو من خلال الإنجاز المشرّف الذي يحرزه طلابها في مختلف المسابقات القرآنية.

وفي هذا السياق أجرت الدار حواراً مع الأستاذ الحافظ والقارئ الدولي السيّد مهدي الحسيني الذي كان و ما زال يمتع القرآنيّين بجمال صوته وتلاوته، وهو من كبار القرّاء و الحفّاظ.

 

س. حبذا لو تذكر لنا نبذة عن مسيرتكم الشخصية من البداية لو سمحتم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

أنا سيّد مهدي الحسيني من مواليد عام 1975م، ولدت في العراق في مدينة البصرة، والحمد لله نشأت في عائلة دينية، والدي كان من علماء الدين في حوزة النجف الأشرف وكان من وكلاء السيّد الشهيد الصدر الأول، ترعرعت بحمد لله على يد السيّد الوالد، وبعد ضغوط النظام الطاغية في العراق هاجرنا إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية, وبدأت نشاطاتي القرآنية من سنّ الطفولة، تحديداً كان عمري 10 أو 12 سنة، دخلت في بعض الدورات القرآنية مثل: القراءة الصحيحة، التجويد، وكنت أقرأ القرآن في المدارس في الصباح، وخلال هذه الفترة  كنت أحضر جلسات القرآن لكن ليس بصورة محترفة ودائمة. أمّا بداية عملي بصورة احترافية، فكان تقريباً في عام 1997م، فمنذ ذلك الوقت بدأت الحضور في الجلسات، خصوصاً جلسة الأستاذ محمّد علي الدهدشتي ,كنّا نستفيد منه كثيراً, وهو كان المشجّع الأوّل في الجلسات، وكانت هذه الجلسات في مدينة قم المقدسة، وبعض الجلسات تُقام في حرم السيّدة المعصومة (عليها السلام) أو في مسجد (محمّدية). كنّا دائماً نواظب على الحضور في هذه الجلسات، وكان الأستاذ أبو حيدر الدهدشتي أستاذنا الأوّل، وهذا محلّ فخر وشرف لنا. دخلنا بعد ذلك في معهد القرآن، والذي كان يديره الأستاذ أبو إحسان البصري، وخضعت كذلك لعدةّ دورات في هذا المجال.

أمّا بدايتي في الحفظ، فكان في سنة 1994م، وكان عمري آنذاك قرابة 19 سنة، ودخلت في مجال الحفظ وحفظت في تلك الفترة نصف القرآن تقريباً خلال ستّة أشهر، وكان حفظاً متقناً؛ لأنّه كان لدينا دافع وكان الشيخ أبو إحسان هو أحد أسباب التوفيق للحفاظ، لأنه كان يجلس من الصباح إلى المساء بلا جزاء ومقابل وإنما لحبه للقرآن وتربية الحفاظ, وكنت في الصباح أدرس في الحوزة العلمية، وأمّا المساء فكنت أخصّصه للمشاركة في الجلسات القرآنية فقط، فالحمد لله حفظت نصف القرآن تقريباً، وشاركت في مسابقات كثيرة، وحصلت على المرتبة الأولى في مسابقة الأوقاف على مستوى مدينة قم، بعد ذلك ذهبت إلى المسابقات الوطنية، وشاركت في مسابقات كثيرة في مدينة قم التي شارك فيها العراقيّون المهجّرون، حيث حصلت على المرتبة الثانية في هذه المسابقة.

س‌.             قلتم أنّكم حفظتم نصف القرآن في ستّة أشهر، ماذا عن النصف الثاني من القرآن الكريم كيف حفظتموه؟

بالنسبة للنصف الثاني، فقد تأخرت في حفظه بسبب مشاغل الزواج وتشكيل الأسرة، لذا تأخّرت عن الحفظ سنتين، لكنّي بعد ذلك حفظت القرآن كاملاً، فكان حفظي للقرآن قد استمر ثلاث سنوات.

س‌.             سماحة السيّد، هل كانت لكم طريقة خاصّة في حفظ القرآن؟ وما هو الفرق بين حفظ القرآن في الأيّام السابقة (أيّام حفظكم) وحفظ القرآن حالياً؟ وإلى مَن كنت تستمع؟

 

أحسنت سؤال جيّد، الإمكانات الموجودة حالياً ما كانت متوفّرة في السابق، أوّلاً وكما تعرفون أنّ الحفظ يحتاج إلى الاستماع، يعني لابدّ للحافظ قبل أن يبدأ بحفظ الآيات أن يستمع حتى يتعلّم القراءة الصحيحة بالدرجة الأولى والتجويد العملي والصوت والنغم والوقف والإبتداء ثانياً، ومع كوني كنت أجيد القراءة، ولكن بصورة عامة لابدّ للحافظ أن يستمع، فما كانت بحوزتنا أجهزة متطورة كما في زماننا هذا, فكنت أستمع بطريقة خاصة وأنا أستبعد أن يوجد أحد في الوقت الحاضر يستخدم هذه الطريقة، وهي إنّني كنت أراجع أو أسمع الأجزاء من الإذاعة يوميّاً، أجلس في ساعة محدّدة واستمع.

وقد كنت أستمع إلى الأستاذ المنشاوي، حيث كانت تُبثّ قراءته في تمام الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة السابعة صباحاً.

فطريقتي في الاستماع هي الاصغاء إلى المذياع، أما الآن فبحمد الله كثير من الأمور متوفّرة، فجلوس ساعة كاملة أمام إذاعة طهران في تلك الفترة، والتي كان صوتها غير واضح وفيه تشويش، واستماع جزء كامل أمر متعب جداً، فهذه الأمور كنت أعاني منها ، وبالنسبة للمكان الذي كنت أجلس فيه واستمع كان صغيراً وضيّقاً، والامكانات قليلة والخدمات قليلة جداً، ولكن، كنّا نشعر بلذّةٍ معنويةٍ خاصّة وحماس واندفاع خاص، فهذا كان يشجعني أن استمر، لكن الآن ـ بحمد الله ـ أصبح هناك مؤسَّسات كثيرة ومناهج متعدّدة وختمات مرتلة موجودة في عدّة أنواع (سيديات، موبايلات، مسجلات، كاسيتات) وكلّها متوفّرة, الآن الأمور تختلف كثيراً عمّا كانت عليه في السابق، فمثلاً في تلك الفترة كان الأستاذ أبو إحسان أستاذنا في الحفظ، هو نفسه كان قد حفظ القرآن بدون أستاذ؛ حيث يقول: أنا حفظت القرآن مرّتين: المرّة الأولى حفظت القرآن في السجن عندما كنت معتقلاً من قبل أزلام النظام الفاسد في العراق، والمرّة الثانية حفظت القرآن مع أحد الأشخاص، تعرّفت عليه بشكل عفوي. وفي الزمن السابق عندما كنا نراجع المحفوظات في حرم السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) كان الناس ينظرون إلينا ويستغربون، ولم تكن هذه الحالة موجودة في تلك الفترة أن يجلس شخصان ويقرآن القرآن لبعضهما البعض، فأجواء الحفظ لم تكن موجودة في تلك الفترة، حتى إنّ بعض المساجد لم تكن تسمح لنا بالجلوس في المسجد قبل ساعتين من الأذان أو بعد الأذان، فهذه المشاكل كنّا نعاني منها، فكانت لدينا مشكلة كبيرة في تلك الفترة وهي قضية توفير "المكان".

ثانياً: قلة الأساتذة وندرتهم، فهو من الأمور التي كنّا نعاني منها. أمّا الآن فالمؤسَّسات المختصَّة بالقرآن الكريم موجودة بكثرة، وتوجد إمكانيات، ويوجد أساتذة، ومناهج، وأساليب وتشجيع كبير لحفظ القرآن، فبإمكان الحافظ أن يستفيد من عدّة أساتذة وهي أمور تعين الحافظ في حفظه.

كانت في تلك الفترة طريقة لحفظ القرآن نسميها طريقة (أنت مع الأستاذ)، يعني كنّا نتّفق مع الأستاذ في ساعة محدّدة يستمع فيها محفوظاتنا ونراجعها معه، وكانت هناك طريقة جداً مفيدة ومهمة وهي أن  يقوم الأستاذ بكتابة ملاحظاته حول محفوظات كلّ شخص في مصحفه الخاص الذي كان يحفظ فيه، وهذه طريقة مفيدة جداً لا بأس بالحفّاظ أن يستعينوا بها، وهي أن يكون لديهم مصحف واحد في الحفظ يسجّلوا عليه الملاحظات الخاصة التي تساعدهم عند المراجعة في اتقانهم للحفظ.

س‌.                    هل كان لك من مشجّع في مرحلة حفظكم للقرآن الكريم؟

نستطيع القول إنّ المشجّعين هم المدرّسون، يعني التشجيع الأكثر كان من قبل الأساتذة؛ لأنّ الوالد والوالدة كانا أكثر ما يشجّعاننا على الدراسة ومتابعة واجبات المدرسة, لأنّه وكما قلت لكم إنّ الأجواء القرآنية لم تكن موجودة في تلك الفترة، فكان شيئاً غريباً أن يفرّغ الشخص نفسه لحفظ القرآن الكريم، فلم تكن  مسألة حفظ القرآن ضمن ثقافة العوائل آنذاك، لكن تغيّرت الأمور اليوم حتى إنّ بعض العوائل قاموا بتغيير محلّ سكنهم إلى مدينة قم المقدّسة، حتى يتمكّن أبناؤهم من حفظ القرآن الكريم. فمشجّعي الرئيسي كان الأساتذة، خاصّة سماحة الشيخ أبو إحسان.

س‌.             أنتم بدوركم الآن هل تشجّعون أبناءكم على حفظ القرآن الكريم في داخل البيت؟

طبعاً أنا أشجّعهم لكن أسلوب تشجيعي يختلف، فأنا لا أجبرهم على الحفظ إجباراً بل بطريقة اختيارية، فهم يشعرون ببركات القرآن من خلال ما يرونه في حياتي من بركات، فالجهود التي بذلناها والصعوبات التي رأيناها في طريق حفظ القرآن ثمرتها تظهر اليوم، وهم يرونها.

في تلك الفترة كان أهمّ شيء لدينا هو حفظ القرآن الكريم، والوقت كان عندنا غير مهمّ، المهمّ هو الحفظ الجيّد، ولم نكن نهتمّ لكمّية الحفظ، الآن نلاحظ بعض الحفّاظ يأتون في ساعةٍ محدَّدةٍ ويخرجون في ساعة محدّدة، وكأنّما  هي حصّة دراسية, نحن لم نكن نهتمّ بالوقت أو الكمّ, الشيء المهمّ لدينا كان هو الكيف والحفظ الجيّد والمتقن، سواء تطلّب هذا الأمر سبع ساعات، أو ست ساعات، أو أربع ساعات، أو ساعتين، ليس مهمّاً، المهمّ هو الحفظ الجيّد والمتقن.

س. كيف كانت طريقة حفظكم للقرآن الكريم؟

أمّا طريقة حفظنا فكانت هكذا: أحفظ الآية وأتقنها، وإذا لم أتقن الآية لا أنتقل إلى آية أخرى، بعد ذلك نقرأ للأستاذ، وإذا كان هناك خطأ، كان الأستاذ يطلب منّا إعادة قراءتها وإذا لم نكن قد أتقنّا حفظ الآية، لا يسمح لنا بالذهاب الى آيةٍ جديدة، إلى أن نتم حفظ المقدار المطلوب، بعد ذلك كنّا نراجع عشر دروس, ونعني بها أنّنا لو كنّا نحفظ في كلّ يوم صفحة واحدة مثلاً، علينا أن نراجع عشر صفحات التي حفظناها خلال العشرة أيّام التي مضت، وهذا برنامج مهم جداً وأنا أوصي الحفّاظ أن يهتمّوا بهذا البرنامج كثيراً، لذلك قام بعض الأساتذة بتسمية هذا البرنامج بالعمود الفقري للحفظ؛ لأنّ المحفوظات عند حفظها تذهب إلى الذاكرة القصيرة المدى، فكيف تثبت وتذهب إلى الذاكرة البعيدة المدى حتماً من خلال المراجعة المستمرة, بعد التكرار المتواصل، وخلال العشرة الأيّام تنتقل من الذاكرة القصيرة الأمد إلى الذاكرة الطويلة الأمد.

 والبرنامج الثالث المباحثة وتثبيت المحفوظات السابقة. كنّا نهتم بالمحفوظات السابقة كثيراً، وكنّا نتباحث لفترات طويلة, لكن بعض الحفّاظ الآن وللأسف لا يتباحثون، بل يقرأ الآيات فقط، وحتى الأستاذ لا يستمع لمحفوظات الحافظ.

س. كيف تكون طريقة المباحثة؟

المباحثة تتكون من شخصين أو أكثر، فبعد حفظ جزء - مثلاً- من القرآن الكريم، يقرأ أحد المتباحثين الخمس صفحات الأولى وذاك الشخص يقرأ نفس الصفحات التي قرأها مباحثه إلى أن ينهوا تمام الجزء، هذه طريقة. وهناك طريقة أخرى وهي إذا كان الحافظان يحفظ كل منهما عشرين جزءاً فيقرأ الأول الأجزاء العشرة الأولى والثاني يقرأ العشرة الأجزاء الثانية حتى يكملان المراجعة خلال عشرة أيّام، وأوصي الحفاظ بهذا البرنامج، حتى إنّني قد سألت أحد الحفّاظ الدوليّين ـ وهو حاصل على رتب دولية ـ سألته عن سرّ نجاحه، فقال: السرّ هو المباحثة، شيء جيّد إذا الحافظ يقرأ لنفسه، لكنّه لا يعادل برنامج المباحثة، فإذا قرأ مع نفسه ثلاثة أجزاء وتباحث في جزء واحد، ففائدة هذا الجزء الواحد أكثر من تلك الأجزاء الثلاثة التي قرأها لوحده وهذه نقطة مهمّة؛ لأنّ فوائد المباحثة كثيرة، منها أنّها ترسّخ المطالب في الذهن.

س. للمراجعة أساليب متعددة هل لكم بيان أسلوب المراجعة الصحيح، وما هي النصيحة التي تقدّمونها للجيل الجديد من الحفّاظ؟

بالنسبة للمراجعة، طبعاً إذا كانت طريقة حفظ الآيات طريقة صحيحة ومتقنة، سوف تكون المراجعة للحافظ سهلة وبسيطة، يعني أوّلاً لابدّ للحافظ أن يكون حفظه سليماً ومتقناً، هناك ملاحظة أودّ أن أشير إليها وهي أنّ هناك طريقة نستطيع أن نقول عنها بأنّها جديدة، وهي أنّ الحافظ في الأسبوع الأوّل لا يحفظ شيئاً، فقط يستمع إلى الآيات التي يريد أن يحفظها، يعني هو أراد وبحسب طاقته وقابليته، حدَّد بحسب قرارات نفسه أن يحفظ يوميّاً صفحة واحدة، فخلال أسبوع يكون مجموع صفحات حفظه هو ستّة صفحات، فأنا في الأسبوع الأوّل لا أحفظ؛ بل أستمع فقط إلى هذه الصفحات الستّ، ومن ثمّ، في الأسبوع الثاني أبدأ بحفظ ما سمعته في الأسبوع الأوّل، هذا الاستماع يؤدّي إلى ترسيخ الآيات في الذهن أوّلاً، وثانياً: اتقان القراءة الصحيحة والذي يؤدّي ذلك إلى حفظ الآيات بالشكل الصحيح، وهذه مسألة مهمّة جدّاً؛ لأنّ البعض يحفظون الآيات بدون الاستماع، فسوف يحفظون الآيات بشكل خاطئ، وسيعاني في المراجعة، لذلك، لابدّ أن تكون طريقة الحفظ منذ البداية طريقة سليمة وصحيحة، حتى تكون المراجعة سهلة وبسيطة، لذلك، لابدّ أن يختار الحافظ والقارئ والشخص المناسب والمتقن في القراءة كي يستمع له، ونحن سوف نتحدّث عن خصوصيّات المستمع إن شاء الله تعالى، فالاستماع أمر مهمّ جدّاً، وفي البداية يكفي أن يكون القارئ جيّداً ثمّ يبدأ بالحفظ. وطريقة الحفظ لها ثمان مراحل: المرحلة الأولى هي الاستماع، ثمّ قراءة الآية، ثمّ فهم معنى الآية ولو المعنى البسيط للآية، ثمّ تقطيع وتكرار الآية؛ أي: إنّ الآية الطويلة يتمّ تقطيعها إلى عدّة مقاطع، مثلا الآية: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [سورة النساء، 79]، نجزئ الآية إلى عدّة أجزاء، كلّ جزء أو كلّ مقطع لابدّ أن يكون معنًى مفيداً وواضحاً، فمثلاً: المقطع {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}، فيبدأ بحفظ المقطع الأوّل من خلال التكرار، ثمّ في المرحلة الخامسة: الربط بين المقاطع يعني المقطع، ثمّ أحفظ المقطع الثاني، ثمّ أراجع المقطع الأوّل والثاني، ثمّ أحفظ المقطع الثالث، فأراجع المقطع الأوّل والثاني والثالث، وهكذا المقطع الرابع، فأراجع المقطع الأوّل والثاني والثالث والرابع، وهكذا، وهذه هي المرحلة الخامسة، فإذن المرحلة الأولى هي: الاستماع، ثمّ القراءة، ثمّ فهم المعنى، ثمّ التقطيع، وخامساً: الربط بين المقاطع والآيات؛ لأنّه لابدّ لنا أيضاً أن نجعل بين الآيات ربطاً. المرحلة السادسة هي: تثبيت وإكمال الحفظ، يعني: أنا أكملت حفظ الصفحة، فأبدأ بمراجعتها، وتُسمّى مرحلة التثبيت. المرحلة السابعة هي: مراجعة الحفظ الجديد، يعني: هذا الحفظ الجديد الذي حفظته خلال 24ـ48 ساعة، لابدّ أن يُكرّر وفي عدّة أوقات، أي: في كلّ أوقات النهار بعد التثبيت، يعني أنا حفظت الصفحة، فابدأ بتثبيتها وأسمعها إلى أستاذي، ولا أكتفي بهذا، بعدها عليّ أن أكرّرها خلال 24ـ48 ساعة، وفي النهاية: كتابة المحفوظات، يعني: كتابة المحفوظات تساعد في ترسيخ المحفوظات. فهذه ثمان مراحل.

أمّا بالنسبة للمراجعة، فهناك روايات كثيرة تُشير إلى أهمّية مراجعة الآيات بعض الحفاظ مع الأسف بعدما يحفظوا الآيات يصير عندهم إهمال في المراجعة، لذلك يقال: إنّ الحفظ مرّة واحدة والتكرار ألف مرّة، فعلى الحافظ أن يكرّر، لذلك، ورد في حديث عن الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: >تعاهدوا القرآن بالتذكرة<، وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: >من نسي سورة من القرآن مثلت في صورة حسنة ودرجة رفيعة فإذا رآها قال من أنت ما أحسنك ليتك لي؟ فتقول ما تعرفني أنا سورة كذا وكذا لو لم تنسني لرفعتك إلى هذا المكان< [ثواب الأعمال للشيخ الصدوق، ص238].

فهذه الآيات وهذه السور سوف تكون درجات رفيعة في الجنة، فالإنسان الذي حفظ ثمّ نسي، يتحسّر يوم القيامة، والحفظ يحتاج إلى عزم وإرادة ويحتاج إلى نظم وتخطيط، فلابدّ أن يكون لديه نظم وتخطيط مستمرّ. المحفوظات بعد أن تكثر وتتراكم، عليه أن يقسّمها، أوّلاً مراجعة الحفظ الجديد، ثمّ مراجعة المحفوظات السابقة؛ أي: العشرة دروس أو العشرة صفحات الأخيرة، يعني: أن يقسّم الحافظ محفوظاته إلى عدّة أقسام، فيقوم بمراجعة الحفظ الجديد، ومراجعة الدروس العشرة، ومراجعة المحفوظات السابقة وهي التي تتجاوز الدروس العشرة الأخيرة، فتسمّى بالمحفوظات القديمة. فعلى الحافظ أن يقسّم محفوظاته ويلتزم بمراجعة هذه المحفوظات، فمثلاً أنا أحفظ الجزء السابع عشر، يجب عليَّ أن أراجع الصفحة الأولى من الجزء السابع عشر، ثمّ أراجع الدروس العشرة الأخيرة، فمثلاً لو كنت تحفظ نصف صفحة، فالعشرة دروس تكون: خمس صفحات، إذا كنت قد حفظت صفحة، فالعشرة دروس تكون عشر صفحات، وهكذا، يعني: أعمل برنامجاً لمراجعة الجزء السابع عشر، والأفضل أن تكون هذه المراجعة مع مباحثة أو يقرأها عند أستاذ، يعني: أنا أراجع لنفسي، بعد ذلك لابدّ أن أسمعها للأستاذ حتى يطمئنّ الحافظ من صحّة محفوظاته ويتعرّف على أخطائه.

س. سيّدنا العزيز: يُقال بأنّ هناك أوقاتاً مناسبةً لحفظ القرآن الكريم، فمن خلال تجربتكم؛ ما هي النصائح التي تقدّمونها حول هذا الموضوع؟

طبعاً بالنسبة إلى الوقت، لا نستطيع أن نحدّد وقت خاصّ لكلّ إنسان، فكلّ إنسان حسب ظروفه يختار الوقت المناسب له، ولكن ـ بصورة عامّة ـ هناك أوقات مثل آخر اللّيل قبل المنام، هو وقت مناسب للحفظ، يحفظ في اللّيل، ويُراجع في الصباح قبل الفجر أو بعد صلاة الفجر، لماذا؟ لأنّه بعد أن يحفظ سوف ينام وفي الصباح وبعد استيقاظه من النوم سيكون أوّل شيء يمرّ في ذهنه الآيات التي حفظها، فيكون هذا الوقت لمراجعة المحفوظات، وهذه الأوقات؛ أي: آخر اللّيل وأوّل الصباح، تسمّى بالأوقات الذهبية، لكن بصورة عامّة كلّ إنسان حسب ظروفه، فالبعض يجعلونه في المساء أو في الصباح، فهذه الأمور هي بيد الحافظ، وعلى الحافظ أن يغتنم كلّ فرصة لحفظ القرآن سواءً كان في وقت عمله أو في حال سفره.

أنا أتذكّر أنّي كنت في مسافراً إحدى المرّات، فحين السفر عطل القطار، عند ذلك نزلنا في الوادي، وكان معنا الأستاذ أبو إحسان، فاستثمر هذه الفرصة وراجع محفوظاته. وقد سمعنا عن بعض الحفاظ أنّه حين سفره وحين وجوده في الباص كان يُراجع كلّ القرآن، فعلى الحافظ أن يغتنم كلّ فرصة، وليس من الضرورة أن يكون الحافظ متفرّغاً دائماً، والقول بأنّ الحفّاظ متفرّغين غير صحيح، ففي النتيجة الحفّاظ بشر وعندهم مشاغل ويعيشون حياتهم الزوجية و...، لكنّهم يغتنمون كل فرصة تحصل لديهم.

س. ما هو أفضل قارئ للناشئين كي يستمعوا إلى قراءته؟ ومن ناحية طبقات الصوت؛ هل يوجد قارئ توصي الناشئين بالاستماع إلى تلاوته، لأنّه قد يكون بعض الطلاب لديهم صوت حاد أو صوت ناعم أو...؟

طبعاً كلّ القرّاء الذين لديهم ختمات هم قرّاء جيّدون، وأمّا بالنسبة إلى الصوت فليس مهمّاً؛ لأنّ الهدف ليس هو الصوت، بل الهدف هو إتقان القراءة الصحيحة. طبعاً إذا كان صوته جميلاً أو لديه تنوّع في النغمات، فهذا أفضل، ولكن الهدف من الاستماع هو تعلّم القراءة الصحيحة وتعلّم القواعد وأحكام التجويد والنغمات، ويبقى على المستمع أن يقرأ نفس اللّحن لكن بصوته.

نحن لا نحفظ الصوت بل نحفظ طريقة قراءة القارئ، ونفس الطريقة نطبّقها على صوتنا ولكن نصيحتي للحفّاظ المبتدئين أن يستفيدوا من قارئ واحد ويبقوا على قارئ واحد إلى أن يتقنوا قراءة وقالب وطريقة قراءة هذا القارئ، بعد ذلك يمكنهم تغيير القارئ. لكن الناشئ لابدّ أن يستمع إلى قارئ واحد لأنّ بعض القرّاء يسرعون في القراءة، وبعض القرّاء لا يراعون الوقف والابتداء ولا يراعون قواعد التجويد بشكل جيّد وعندهم عدم تنوّع في النغمات، فأفضل قارئ هو الأستاذ خليل الحصري والمنشاوي وپرهيزگار والعفاسي أيضاً، وهم جيّدون.

س. سماحة السيّد: هل شاركتم في أمسيات قرآنية ومسابقات داخل الجمهورية وخارجها؟

كنّا بحمد الله تعالى نشارك في المسابقات وخصوصاً في البدايات، وكنّا نشارك في كثير من الأمسيات في مناطق مختلفة في إيران، وفي خارج إيران أيضاً مثل: الكويت والبحرين وأفريقيا ولبنان والعراق؛ حيث شاركت في أمسيات ومسابقات كثيرة في حرم الإمام الحسين (ع) و...

س. سيّدنا العزيز: في مجال خبرتكم في تدريس القرآن الكريم، ما هي المجالات القرآنية التي درّستم فيها؟

أنا أعتبر حفظ القرآن الكريم وتعلّمه أمانة فرضها الله علينا لكي نوصلها إلى الجيل الجديد أو المبتدئين والناشئين، وكما يقول الحديث الشريف: >خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه< [ميزان الحكمة، ج3، ص2521].

فمن هذا الباب، رأيت من الصالح أنّ هذه المعلومات التي تعلّمناها من أساتذتنا ولو أنّها كانت بسيطة، ولكن فيها فائدة؛ لأنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، فلا بأس للحافظ أو القارئ أن يدخل في مجال التعليم. طبعاً التعليم فيه فوائد وثمار للمعلّم والمتعلّم، وهناك روايات تقول: >معلم القرآن ومتعلمه، يستغفر له كل شيء، حتى الحوت في البحر< [مستدرك الوسائل، ج4، ص235]؛ أو >من علم آية في كتاب الله تعالى، كان له أجرها ما تليت< [المصدر نفسه]. فهذه الروايات شجّعتنا على أن ندخل في هذا المجال، والساحة الآن بحاجة إلى كثير من المدرّسين، وإنّني في الواقع أنزعج عندما أرى بعض الأساتذة منشغلين بأنفسهم فقط، يعني منشغلين فقط في مجال البحوث والتحقيق الشخصي أو في مجال التلاوة أو أنّهم يشاركون في أمسيات ومسابقات قرآنية على المستوى الشخصي، وتكون اهتماماتهم اهتمامات شخصية ولكن لا يهتمّون بالآخرين، وكتوصية من أخ إلى القرّاء والحفاظ أقول: إنّ عليهم أن يهتمّوا بالآخرين، فمن يرى في نفسه مؤهّلات فعليه أن يدرّس ويعمل على تخصيص وقت من الأسبوع كأن يكون يوماً أو يومين ويجعله في خدمة الآخرين. وأنا ولله الحمد لديّ تجارب أكثر من 18 أو 20 سنة تقريباً في مجال التدريس.

س. ما هي المراكز التي درّستم فيها داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو خارجها؟

هي كثيرة لا يمكن أن نعدّها، منها مثلاً: المدارس الابتدائية والمتوسّطة، والحوزات العلمية في جامعة آل البيت وجامعة المصطفى وحوزة الأطهار ومدرسة السبطين ومدرسة الشهيد الصدر ومدرسة الإمام الجواد هذه الحوزات فقط، وهناك مؤسَّسات قرآنية كجامعة القرآن الكريم ومؤسَّسة القرآن ونهج البلاغة ومؤسسة الإمام الحسين ودار السيّدة رقية وحرم السيّدة المعصومة (ع)، ومراكز حكومية، هذا فقط في داخل محافظة قم المقدّسة، أمّا غيرها من المحافظات الإيرانية فمنها مثلاً: مدينة كرمان حيث درّست فيها سنة كاملة، وفي خارج إيران: العراق في العتبة الحسينية ومؤسسة شهيد المحراب والعتبة العلوية وفي بعض محافظات العراق مثل النجف وكربلاء والبصرة. كانت هناك دورات في الكويت ثلاث سنوات، وكنت أدرّس في البحرين في جمعية الذكر الحكيم، وفي أفريقيا، وفي لبنان سنتين في جمعية القرآن الكريم، كذلك شاركت في تحكيم المسابقات الوطنية في العراق في مادّة جودة الحفظ، ومسابقات الوقف الشيعي، ومسابقات مؤسّسة شهيد المحراب الوطنية، وحكمت في مسابقات دولية في العراق، ولديّ برامج تلفزيونية، وبرامج على بعض الفضائيات.

س. سماحة السيّد: من خلال تجربتكم في الحفظ وتدريسكم في مادّة حفظ القرآن الكريم؛ أرجو منكم أن لا تبخلوا علينا بنصيحة عامّة للجميع في خصوص حفظ القرآن الكريم.

طبعاً القرآن نزل كي يكون في صدور المؤمنين ولا يكون على الرفوف أو في المكاتب، لذلك تقول الآية الكريمة: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [سورة العنكبوت، 49] فعلى كل إنسان مؤمن على قدر المستطاع أن يحفظ ولو شيئاً بسيطاً من القرآن؛ لأنّ هذه الآيات القرآنية ستكون نوراً في كيان ووجود هذا الإنسان، فلا بأس لكل شخص أن يحفظ شيئاً من القرآن الكريم ويحتفظ بحفظ هذه الآيات (أي: يحاول أن لا ينساها) وإن كان شيئاً قليلاً، وحتى كبّار السن الذين لا يستطيعون أن يحفظوا القرآن الكريم، عليهم أن يحفظوا سوراً مختارة من القرآن الكريم، هذه نصيحة، والله سبحانه وتعالى يقول: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}، وفي رواية أنّ المقصود من الذين أوتوا العلم هم أهل البيت (ع)، ونحن باعتبارنا من شيعتهم وأتباعهم علينا أن نتأسّى بهم ونحفظ القرآن الكريم.

س. قد يسأل البعض: ما هو الهدف من حفظ القرآن الكريم؟ باعتبار أنّ القرآن هو موجود بين أيدينا، فهل الهدف هو مجرّد حفظ الآيات؟ أم لأجل تطبيقه في حياتنا العملية كدستور ونتدبّر فيه ونستخلص منه العبر؟

طبعاً الهدف من حفظ القرآن الكريم هو الأنس بالآيات القرآنية، يعني: إنّ الإنسان الذي يحفظ القرآن سوف يضطرّ إلى مراجعة هذه الآيات التي حفظها ويكرّرها، فهذا التكرار المستمرّ للآيات القرآنية يسبّب الأنس بالقرآن، ويُعدُّ الحفظ مظهراً من مظاهر الاهتمام بالقرآن الكريم، يعني: الإنسان الذي يحفظ القرآن يُعدُّ هذا مظهراً لاهتمامه بالقرآن الكريم، فأوّلاً عندما يحفظ القرآن فسوف يبتعد عن هجران القرآن، ويؤدّي حفظ القرآن الكريم إلى حفظه من التحريف، كذلك التوفيق للتدبّر في آيات القرآن الكريم، يعني: عندما يحفظ ويكرّر الآيات القرآنية سوف تكون عنده حالة التدبّر في آياته، وستكون هذه الآيات شيئاً فشيئاً رادعاً للإنسان في كثير من الأمور، كذلك سوف يتوفّق في العمل بالآيات القرآنية، وسيتمكّن أيضاً من ردّ الشبهات القرآنية.

لا بأس أن أذكر هنا هذه القصة: يقول أحد الأشخاص الحفّاظ: إنّ الله وفّقني لزيارة النبي الأكرم (ص) في المدينة المنوّرة، فوقفت مقابل قبر الرسول الكريم وقلت: السلام عليك يا رسول الله. فجاء أحد الشرطة الموجودين هناك ومنعني من ذلك، وقال لي: لماذا تسلّم على الأموات! فردّ عليه هذا الحافظ بأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يسلّم على الأموات! فاستغرب الشرطي وقال: وكيف هذا؟ فقال الحافظ: إنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}؛ {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ}؛ {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}؛ {سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}؛ {سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}؛ فإذن الإنسان الحافظ يستطيع ومن خلال حفظه للقرآن الكريم أن يردّ على بعض الشبهات القرآنية. وهذه بعض الفوائد لحفظ القرآن الكريم، وهناك فوائد كثيرة أخرى.

في ختام هذا اللّقاء لا يسعنا إلا أن نقدّم لكم الشكر الجزيل على هذه النصائح المفيدة جداً.

 

لاستماع وتنـزيل تلاوات الاستاذ السيد مهدي الحسيني انقر على الرابط ادناه

  

الترتيل

 

 

التحقيق

 

 

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1022
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 05 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19