• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : المثل الرابع: الكفار .

المثل الرابع: الكفار

يقول الله في الآية 171 من سورة البقرة:

(وَمَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إلاّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) .

العقبة الكبرى امام دعوة الانبياء هو التقليد الأعمى

إنّ تقليد الآباء والاسلاف كان مانعاً مهما ومتواصلا امام دعوة الأنبياء. عندما كان الانبياء يدعون اممهم للتوحيد والدين كانوا يسمعون الجواب التالي: (بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَائَنا).(1)

وفي الحقيقة، إنَّ سبب رد دعوة الانبياء هو عبادة الاصنام من قبل الاسلاف، والتقليد الأعمى للمعاصرين والأنبياء. وعندما دعى رسول الإسلام(صلى الله عليه وآله) الناس إلى الإسلام وعبادة الله الواحد كان رد فعلهم هو التعجب مما يدعو اليه الرسول من عقائد مخالفة لسننهم وتقاليدهم وكان وتبريرهم لرد دعوته هو اتباعهم لما كان عليه اسلافهم من عبادة اصنام كانوا يصنعونها بايديهم من التمر، ويأكلونها عند شعورهم بالجوع.

يقول الله في هذا المجال حكاية عن لسان الكافرين: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهاً واحداً إنّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ).(2)

جاء في بعض كتب التاريخ أنّ أبا طالب (عليه السلام) مرض يوماً وكان محمد ابن أخيه منشغلا بالتبليغ خارج البيت فاتى اشراف قريش ابا طالب بحجة العيادة له وقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا وقد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن اخيك فانه سفّه احلامنا وشتم الهتنا.

فدعا ابو طالب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال: يا بن أخي ! هؤلاء قومك يسألونك فقال: «ماذا يسألونني»؟ قالوا: دعنا وآلهتنا ندعك وإلهك. فقال(صلى الله عليه وآله): «اتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب والعجم»؟ فقال ابو جهل: لله أبوك نعطيك ذلك عشر أمثالها. فقال: «قولوا لا إله الا الله». فقاموا وقالوا: أجعل الالهة الهاً واحداً.(3)

وهو يدعوهم للتوحيد في عبارته الأخيرة.

 الشرح والتفسير

شُبِّه الكفار في هذا المثل القرآني بالحيوانات; ولاجل تبرير هذا التمثيل اكد على تقليدهم التام والأعمى لأسلافهم.

يقول الله في الآية 170 من سورة البقرة: (وَإذَا قِيْلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا ألفَيْنَا عَلَيْهِ آبائَنا أوَلَو كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) .

وكأنّه يَقول: يا جهّال! هل أنَّ اتباعكم للاسلاف الذين لا يعقلون شيئاً اتّباع عن بصيرة؟! ثم يمثل الرسول (عندما يقرأ الآيات على هذا القوم المشرك) بالراعي الذي ينادي رعيته بالأصوات لتوجيه حركتها، إلاّ أنَّ هذه البهائم لا تعقل من كلامه شيئاً إلاَّ الأصوات التي تتأثر بها، فإذا كانت أصوات الراعي شديدة وذات إيقاع قوي أثرت في البهائم وإلاّ فلا. إنّ مثل المشركين كمثل هذه البهائم لا تفهم ما تقرأه عليهم من المعاني والمفاهيم الرفيعة لكنهم يفهمون الأصوات وموسيقى كلامك فحسب لذا يستمرون في تقليدهم الأعمى للاسلاف.

  خطابات الآية

الأول: إن الآية جواب لائق للسؤال التالي: إذا كان القرآن المجيد وحياً الهياً فينبغي أن ينفذ في القلوب ويترك اثره فيها، فلماذا لا نشاهد هذا الأمر في بعض المشركين الذين ظلّت قلوبهم نائمة دون يقظة إلى أخر عمرها؟

إنَّ التأثير على أي شيء يستدعي وجود عاملين:

1- فاعلية الفاعل.

2- قابلية القابل.

ومما لا شك فيه أنَّ القرآن فاعل وذات تأثير ونفوذ، إلاّ أنَّ الكافرين ليست لهم القابلية لاستقبال مفاهيم القرآن واستقطابها. لا خلاف في لطافة طبع الغيث لكنه إذا هبط على الحجر فانا لا نتوقع منه انبات الشجر؛ وذلك لان الحجر ليست له قابلية على تنمية البذور، وكذلك هو شأن الكافرين. فإنَّ كلام الله بروعة قطرات المطر وقلوب الكافرين بقسوة وشدة الحجر ولا تؤثر هذه القطرات اللطيفة في الحجر، لكن بمجرد أن تحصل ادنى قابلية لهذه الأحجار على الانبات نرى الغيث يؤثر فيها. وقلوب الكافرين المتحجرة إذا تبلورت فيها أي قابلية على التأثر كان كلام الله نافذاً فيها وتاركاً اثره.

وعلى هذا فتأثير المؤثر غير كافية بل قابلية القابل مهمة أيضاً، والكافرين ما كانت لهم تلك القابلية.

الثاني: افادة الناس من المعارف القرآنية يتوقف على مستوى لياقتهم وقدرتهم على الافادة.

القرآن حديقة يستطيع أنْ يتمتع بها كل شخص بمستوى ذوقه، أو هو ينبوع من الماء الزلال يستطيع كل واحد أنْ ينهل منه ماء الحياة ويروي عطشه. والاختلاف بين الجميع في مقدار ما ينهلون منه.

إنّ هؤلاء الكفار لا هم يملكون الإناء للنهل من هذا الينبوع، ولا هم قادرون على تجرع الفيض والرحمة الإلهية؛ وذلك لأنّ تقليدهم الأعمى لدين آبائهم يمنعهم من النهل من زلال المعرفة الربانية.

وبتعبير آخر: إنَّ إتباعهم لدين آبائهم ضرب حجاباً ضخماً على وسائل معرفتهم حال دون سمعهم أو أبصارهم أو نطقهم فأصبحوا عمياً بكماً صماً لا يفقهون شيئاً.

وقد فسرت الآية المذكورة بشكل آخر، هو: أيُّها المشركين! إنَّكم تركعون لأصنام تعبدونها وتناجونها وهي لا تسمع حاجاتكم ولا ترى أعمالكم ولا تستطيع النطق والكلام معكم، فهي بكم وعمي وصم كالبهائم. أيُّها الإنسان! إنَّك قد كسرت شخصيتك بنفسك من خلال العبادة والخضوع لهذه الأصنام الجامدة.

بما أنَّ ضمير (هم) في (فهم) والضمير الذي في (لا يعقلون) يشيران إلى العقلاء لذا كان التفسير الأول اقرب للمنطق والعقل.

على أي حال، فإنَّ الخطاب الرئيسي للآية هو رفض التقليد الاعمى للاسلاف والآباء.

  التقليد في القرآن

تحدثت آيات كثيرة عن التقليد، ومن الآيات ما تذم التقليد وتعتبره عملا مضاداً للقيم، ونموذج ذلك الآية 170 من سورة البقرة.(4)

لكن بعض الآيات التي وردت في التقليد لا أنّها لم تذمه فحسب، بل دعت له وشجعت الناس عليه، كما في الآية 7 من سورة الأنبياء: (فاسْئَلُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) .

ومع الالتفات إلى التضاد الظاهري بين هذين الطائفتين من الآيات، ما هي وظيفة المسلم المؤمن؟ هل التقليد أمر مستحسن أم ممنوع ومحرم؟ وهل يتمكن المؤمن من تقليد أهل العلم؟

  أقسام التقليد

لأجل إيضاح الموضوع من الأفضل إن ندرس أقسام التقليد.

1- تقليد الجاهل للجاهل: ومثل هذا هو تقليد الكفار والمشركين الجهال لابائهم الجهال.

وهذا النوع من التقليد ممنوع وغير صحيح حسب الموازين الشرعية والعقلية.

2- تقليد العالم للعالم: إنَّ العالم هو صاحب الرأي وليس من الصحيح أن يقلد العالم عالماً أخر؛ لأنه إذا كان صاحب رأي فعليه أن يفكر في أن يبدي رأيه ويفيد من علمه الذاتي، ولهذا قيل في الفقه (يحرم التقليد على المجتهد).

3- تقليد العالم للجاهل: بأن يترك صاحب الرأي رؤاه وأفكاره ويبحث عن رأي الجاهل ليعمل على أساسه. من المؤسف أنَّ هذا النوع من التقليد يكثر في عالمنا اليوم، ونموذج ذلك هو الديمقراطية الغربية، فإنّ أصحاب الرأي والمفكرين يتركون من خلال هذه الديمقراطية رؤاهم في مجال تخصصهم ويبحثون عن آراء الناس فيها فإذا ابدى الناس خلاف ما يمنحهم تخصصهم من أفكار طرحوا أفكارهم واخذوا بما يشاء الناس.

4- تقليد الجاهل للعالم: بأنْ يَسْأل الشخص الذي يفقد المعرفة في مجال أو تخصص ما من العالم والمتخصص في ذلك المجال، فالمريض يراجع الطبيب، والذي يريد بناء بيت يراجع المهندس، والفلاح الذي يريد حفر بئر يراجع المهندس المختص في هذا المجال و.. والناس يرجعون في مسائلهم الشرعية إلى مرجع تقليدهم. وخلاصة الكلام هنا أنَّ تقليد الجاهل للعالم يعني الرجوع إلى المتخصصين والخبراء، وهذا أمر متداول في جميع شؤون الحياة، كما أنَّه أمر معقول.

وعلى هذا، فالأنواع الثلاثة الأولى من التقليد هي الأقسام الممنوعة منه، والآيات التي تذم التقليد ناظرة إلى هذه الأقسام. أمّا القسم الرابع فهو ممدوح لا جائز فحسب، والآيات التي تشجع التقليد وتحث عليه ناظرة إلى هذا النوع منه.(5)

لكن ينبغي الالتفات هنا إلى ان التخصص والعلم في مجال ما، هو الشيء الوحيد الذي يمنح الإنسان امكانية ابداء الرأي، ولا شيء أخر يجيز للإنسان ابداء الراي في موضوع ما. ومن المؤسف أنَّا نشهد مؤخراً البعض يبدي رأيه في مواضيع مختلفة قد لا تدخل في مجال تخصصه. إنَّه يُبدي رأياً في مجال الحجاب والقصاص والعاقلة والارث وقضاء النساء واجتهادهن

والديات وغيرها، رغم أنَّه لا يملك الأرضية اللازمة في هذه المجالات. لكن يا ترى هل هؤلاء يجيزون لأنفسهم الدواء عند التمرض من دون مراجعة الطبيب؟ وهل هؤلاء يقومون بعمليات جراحية عند الابتلاء بأمراض حادة؟ بالطبع لا. إذن كيف يمكن لهم أن يسمحوا لأنفسهم في إبداء الرأي في القضايا الشرعية من دون أن يحملوا المعرفة الكافية في مجال الفقه والمسائل الشرعية؟

ـــــــــــــــــ

1. لقمان: 21، كما جاء هذا المعنى في آيات أخرى من القران، منها: المائدة: 104، الأعراف: 28، يونس: 78، الأنبياء: 53، الشعراء: 74، الزخرف: 22 و 23.

2. سورة ص: الآية 5.

3. مجمع البيان 8: 343 طبع مؤسسة الأعلمي بيروت.

4. وكذلك في الآيات 136 و 138 من سورة الشعراء والآية 104 من سورة المائدة والآية 28 من سورة الأعراف والآية 21 من سورة لقمان والآية 23 من سورة الزخرف.

5. للمزيد في هذا المجال راجع نفحات القرآن 1:340 فما بعدها.

منقول من مركز آل البيت العالمي للمعلومات


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1000
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24