• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الأول) ، تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي .
                    • الموضوع : سورة البقرة من آية 25 ـ 43 ( من ص 130 ـ ص 191) .

سورة البقرة من آية 25 ـ 43 ( من ص 130 ـ ص 191)

الآية

وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَـتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّـت تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَـرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِنْ ثَمَرَة رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَـبِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَ اجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَـلِدُونَ(25)

التّفسير

خصائص نِعَم الجنّة:

آخر آية في بحثنا السابق تحدثت عن مصير الكافرين، وهذه الآية تتحدث عن مصير المؤمنين، كي تتضح الحقيقة أكثر بالمقارنة بين الصورتين، على الطريقة القرآنية في التوضيح.

المقطع الأوّل في الآية يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات، بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار.

نعلم أن البساتين التي تفتقد الماء الدائم، وتسقى بين حين و حين ليس لها حظ كبير من النظارة، فالنظارة تطفح على البساتين التي تمتلك ماء سقي دائم مستمر لا ينقطع أبداً. ومثل هذه البساتين لا يعتريها جفاف ولا تهددها شحة ماء. وهذه هي بساتين الجنّة.

(130)

وبعد الإِشارة إلى ثمار الجنّة المتنوعة تقول الآية: (كُلَّما رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَة رِزْقاً قَالُوا هَذَا الّذي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ).

ذكر المفسرون لهذا المقطع من الآية تفاسير متعددة:

قال بعضهم: المقصود من قولهم: (هَذَ الَّذي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ) هو أن هذه النعم أغدقت علينا بسبب ما أنجزناه من عمل في الحياة الدنيا، وغرسنا بذوره من قبل.

وقال بعض آخر: عندما يؤتى بالثمار إلى أهل الجنّة ثانية يقولون: هذا الذي تناولناه من قبل، ولكنهم حين يأكلون هذه الثمار يجدون فيها طعماً جديداً ولذّة اُخرى، فالعنب أو التفاح الذي نتناوله في هذه الحياة الدنيا مثلا له في كل مرّة نأكله نفس طعم المرّة السابقة، أمّا ثمار الجنّة فلها في كلّ مرّة طعم وإن تشابهت أشكالها، وهذه من إمتيازات ذلك العالم الذي يبدو أنه خال من كل تكرار!

وقال آخرون: المقصود من ذلك أنهم حين يرون ثمار الجنّة يلقونها شبيهة بثمار هذه الدنيا، فيأنسون بها ولا تكون غريبة عليهم، ولكنهم حين يتناولونها يجدون فيها طعماً جديداً لذيذاً.

ويجوز أن تكون عبارة الآية متضمنة لكل هذه المفاهيم والتفاسير، لأن ألفاظ القرآن تنطوي أحياناً على معان(1).

ثم تقول الآية: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً)، أي متشابهاً في الجودة والجمال. فهذه الثمار بأجمعها فاخرة بحيث لا يمكن ترجيح إحداها على الاُخرى، خلافاً لثمار هذا العالم المختلفة في درجة النضج والرائحة واللون والطعم.

وآخر نعمة تذكرها الآية هي نعمة (الأزواج المطهرة) من كل أدران الروح والقلب والجسد.

أحد منغّصات نعم الدنيا زوالها، فصاحب النعمة يقلقه زوال هذه النعمة، ومن

___________________________

1 ـ في بحث «استعمال اللفظ في أكثر من معنى» أثبتنا إمكان هذه الأمر.

(131)

هنا فلا تكون هذه النعم عادة باعثة على السعادة والإطمئنان. أمّا نِعم الجنّة ففيها السعادة والطمأنينة لأنها خالدة لا يعتريها الزوال والفناء. وإلى هذه الحقيقة تشير الآية في خاتمتها وتقول: (وَهُمْ فَيهَا خَالِدُونَ).

* * *

1 ـ «الإيمان» و«العمل»:

في كثير من الآيات القرآنية يقترن ذكر الإيمان بذكر العمل الصالح، حتى كان الاثنين متلازمان دونما افتراق. والحق كذلك، لأن الإيمان والعمل يكمل بعضها الآخر.

لو نفذ الإيمان إلى أعماق النفس لتجلت آثاره في الأعمال حتماً، مثله كمثل مصباح لو أضاء في غرفة لشع نوره من كل نوافذ الغرقة. ومصباح الإيمان كذلك لو شعّ في قلب إنسان، لسطع شعاعه من عين ذلك الإنسان وأُذنه ولسانه ويده ورجله.

يقول تعالى في الآية الحادية عشرة من سورة الطلاق: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهِارُ خَالِدينَ فِيهَا أَبَداً).

ويقول في الآية الخامسة والخمسين من سورة النور:

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ).

فالإِيمان بمثابة جذر شجرة والعمل الصالح ثمرتها. ووجود الثمر السليم دليل على سلامة الجذر. ووجود الجذر السليم يؤدي إلى نموّ الثمر الطيب.

من الممكن أن يصدر عمل صالح أحياناً عن أفراد ليس لهم إيمان، ولكن ذلك لا يحدث باستمرار حتماً. فالذي يضمن بقاء العمل الصالح هو الإِيمان المتغلغل في أعماق وجود الإنسان، الإِيمان الذي يضع الإِنسان دوماً أمام مسؤولياته.

(132)

2 ـ الأزواج المطهّرة:

ممّا يلفت النظر في هذه الآية أن الوصف الوحيد الذي استعمله القرآن لمدح الأزواج في جنّات النعيم هو أنّها «مطهرة». وهي إشارة إلى أول شرط في الزوجة هو «الطهر». وكل ما سواه من الشروط والأوصاف ثانوي.

روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنْ. قَيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا خَضْرَاءُ الدّمَنْ؟ قَال: الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ في مَنْبَتِ السُّوءِ»(1).

3 ـ النِعم المادية والمعنوية في الجنّة:

ذكر القرآن الكريم أنواع النعم المادية في الجنة مثل: جنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة، وأزواج مطهرة، وثمار متنوعة، وخلاّن متحابين. ولكنه ذكر إلى جانب هذه النعم المادية نعماً أهم منها هي النعم المعنوية التي لا نستطيع أن نفهم عظمتها بمقاييسنا، كقوله: (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّات تَجري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْن وَرَضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العَظِيمُ)(2).

وفي آية اُخرى يقول سبحانه بعد ذكر النعم المادية: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(3).

لو بلغ الإنسان هذه المرتبة حيث يرضى الله عنه ويرضى عن الله لأَحسّ بلذّة لا ترقى إليها لذّة، ولهانت في نظر هذا الإنسان سائر اللذات، عندها يرتبط هذا الإنسان بالله ولا يفكر بما سواه، وهي مرتبة يعجز القلم واللسان عن وصف سموّها وأبعادها.

بعبارة موجزة: كما أن للمعاد جانباً روحياً جسمياً، كذلك نِعم الجنة ذات

___________________________

1 ـ وسائل الشيعة، ج 14، ص 19.

2 ـ التوبة، 72.

3 ـ البيّنة، 8.

(133)

جانبين أيضاً، كي تكون جامعة وقابلة لاستفادة أهل الجنة جميعاً، كلٌّ على قَدَر كفاءته ولياقته.

* * *

(134)

الآية

إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحِى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونْ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذآ أَرَادَ اللهُ بِهَـذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّالْفَـسِقِينَ(26)

سبب النّزول

ذكر جمع من المفسرين عن ابن عباس أن سبب نزول هذه الآية هو اعتراض المنافقين على ما ورد من أمثلة في الآيات السابقة (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوقَدَ نَاراً ... أَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّمَاءِ ...)، وقالوا إن الله أسمى من أن يضرب مِثلَ هذه الأمثال، وبذلك راحوا يشككون في الرسالة وفي القرآن. وفي هذه الظروف نزلت الآية الكريمة المذكورة.

قال آخرون: عند نزول الآيات التي تضرب الأمثال بالذباب والعنكبوت، بدأ المشركون ينتقدون ويسخرون.

(135)

التّفسير

هل الله يضرب المثل؟!

الفقرة الاُولى من الآية تقول: (إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها).

ذلك لأن المثال يجب أن ينسجم مع المقصود، بعبارة اُخرى، المثال وسيلة لتجسيد الحقيقة حين يقصد المتحدث بيان ضعف المدّعي وتحقيره فإنّ بلاغة الحديث تستوجب انتخاب موجود ضعيف للتمثيل به، كيما يتضح ضعف أُولئك.

في الآية (73) من سورة الحج مثلا يقول سبحانه: (اِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).

يلاحظ في هذا المثال أن الذباب وأمثاله أحسن وسيلة لتجسيد ضعف هؤلاء.

وهكذا في الآية (41) من سورة العنكبوت، حين يريد القرآن أن يجسد ضعف المشركين في انتخابهم أولياء من دون الله، يشبههم بالعنكبوت التي تتخذ لنفسها بيتاً، وهو أضعف البيوت وأوهنها: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).

من المؤكد أن القرآن لو ساقَ الأمثلة في هذه المجالات على الكواكب والسماوات لما أدّى الغرض في التصغير والتحقير، ولما كانت أمثلته متناسبة مع أصول الفصاحة والبلاغة، فكأن الله تعالى يريد بهذه الامثلة القول: بأنه لا مانع من التمثيل بالبعوضة أو غيرها لتجسيد الحقائق العقلية في ثياب حسّيّة وتقديمها للناس.

الهدف هو إيصال الفكرة، والأمثلة يجب أن تتناسب مع موضوع الفكرة، ولذلك فهو سبحانه يضرب الأمثلة بالبعوضة فما فوقها.

(136)

وما المقصود من (فَمَا فَوْقَهَا) للمفسرين في هذه رأيان:

الأوّل: «فوقها» في الصغر، لأن المقام مقام بيان صغر المثال. وهذا مستعمل في الحوار اليومي، نسمع مثلا رجل يقول لآخر: ألا تستحي أن تبذل كل هذا الجهد من أجل دينار واحد؟! فيجيب الآخر: لا، بل أكثر من ذلك أنا مستعد لأبذل هذا الجهد من أجل نصف دينار! فالزيادة هنا في الصغر.

الثّاني: «فوقها» في الكبر. أي إن الله يضرب الأمثال بالصغير وبالكبير، حسب مقتضى الحال.

لكن الرأي الأوّل يبدو أنسب.

ثم تقول الآية: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ). فهؤلاء، بإيمانهم وتقواهم، بعيدون عن اللجاجة والعناد والحقد للحقيقة. ويستطيعون أن يروا الحق بجلاء ويدركوا أمثلة الله بوضوح.

(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثيِراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً).

هؤلاء يعترضون على هذه الأمثلة لأنّها لا تهدي الجميع، ويزعمون أنها لو كانت من عندالله لاهتدى بها النّاس جميعاً، ولما أدّت الى ضلال أحد!

فيجيبهم الله بعبارة قصيرة تحسم الموقف وتقول: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ).

فكل هذه الأمثلة من الله، وكلها نور وهداية، لكنها تحتاج إلى عين البصيرة التي تستفيد منها، ومخالفة المخالفين تنطلق من نقص فيهم، لا من نقص في الآيات الإِلهية(1).

___________________________

1 ـ جمع من المفسرين قالوا: إن عبارة (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ...) ليس حكاية عن لسان المشركين، بل هو حديث الله. ويكون المعنى بذلك «أن الله يجيب على هؤلاء المعترضين الذين قالوا: (مَاذَا أَرادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلا)؟ ويقول سبحانه: إن الله يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً، ولكن لا يضل إلا الفاسقين». (أما التّفسير الأول فيبدو أنه أصح).

(137)

1 ـ أهمية المثال في بيان الحقائق:

الأمثلة المناسبة لها دور حساس: وعظيم في التوضيح والإقناع والإِفهام.

المثال المناسب قد يقرّب طريق الفهم إلى الأذهان بحيث نستعيض به عن الاقتحام في الاستدلالات الفلسفية المعقدة.

وأهم من ذلك، نحن لا نستطيع أن نستغني عن الأمثلة المناسبة في تعميم ونشر الموضوعات العلمية الصعبة بين عامة النّاس.

ولا يمكننا أن ننكر دور المثال في إسكات الأفراد المعاندين اللجوجين المتعنّتين.

على كل حال، تشبيه «المعقول» بــ «المحسوس» أحد الطرق المؤثرة في تفهيم المسائل العقلية، على أن يكون المثال ـ كما قلنا ـ مناسباً، وإلاّ فهو مضلّ وخطر.

من هنا نجد في القرآن أمثلة كثيرة رائعة شيقة مؤثّرة، ذلك لأنه كتاب لجميع البشر على إختلاف عصورهم ومستوياتهم الفكرية، إنه كتاب في غاية الفصاحة والبلاغة(1).

* * *

2 ـ لماذا التمثيل بالبعوضة؟

المعاندون اتخذوا من صِغَر البعوضة والذبابة ذريعة للإستهزاء بالأمثلة القرآنية.

لكنّهم لو أنصفوا وأمعنوا النظر في هذا الجسم الصغير، لرأوا فيه من عجائب

___________________________

1 ـ حول دور الأمثال في حياة البشر، راجع الآية 17 من سورة الرعد في المجلد السابع من هذا التّفسير.

(138)

الخلقة وعظيم الصنع والدّقة ما يحيّر العقول والألباب.

يقول الإِمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) بشأن خلقة هذا الحيوان الصغير:

«اِنّما ضَرَبَ اللهُ الْمَثَلَ بِالْبِعُوضَةِ لاَِنَّ الْبَعُوضَةَ عَلى صِغَر حَجْمِهَا خَلَقَ اللهُ فِيهَا جَمِيعَ مَا خَلَقَ فِي الْفَيلِ مَعَ كِبَرِهِ وَزِيَادَةَ عُضْوَيْنِ آخَرَيْنِ فَأَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُنَبِّهَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنينَ عَلى لُطْفِ (لَطِيفِ) خَلْقِهِ وَعَجيبِ صَنْعَتِهِ»(1).

يريد الله سبحانه بهذا المثال أن يبين للمؤمنين دقّة الصنع في الخلق، التفكير في هذا الموجود الضعيف على الظاهر، والشبيه بالفيل في الواقع، يبيّن للإِنسان عظمة الخالق.

خرطوم هذا الحيوان الصغير يشبه خرطوم الفيل، أجوف، ذو فتحة دقيقة جداً، وله قوّة ماصة تسحب الدم.

منح الله هذا الحيوان قوة هضم وتمثيل ودفع، كما منحه أطرافاً وأُذناً وأجنحة تتناسب تماماً مع وضع معيشته. هذه الحشرة تتمتع بحساسية تشعر فيها بالخطر بسرعة فائقة وتفرّ عندما يداهمها عدوّ بمهارة عجيبة، وهي مع صغرها وضعفها يعجز عن دفعها كبار الحيوانات.

أمير المؤمنين علي(عليه السلام) يقول في هذا الصدد:

«كَيْفَ وَلَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ حَيَوَانِهَا مِنْ طَيْرِهَا وَبَهَائِمِهَا وَمَا كَانَ مِنْ مُرَحِهَا وَسَائِمِهَا، وَأَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا وَأَجْنَاسِهَا، وَمُتَبَلِدَةِ أُمَمِهَا وَأَكْيَاسِهَا، عَلى إِحْدَاثِ بَعُوضَة مَا قَدَرَتْ عَلى إِحْدَاثِهَا، وَلاَ عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلى إِيجَادِهَا، وَلَتَحيَّرَتْ عُقُولُهَا فِي عِلْمِ ذَلِكَ وَتَاهَتْ، وَعَجَزَتْ قُوَاهَا وَتَنَاهَتْ، وَرَجَعَتْ خَاسِئَةً حَسِيرَة، عَارِفَةً بأَنَّهَا مَقْهُورَة، مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا، مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا»(2).

___________________________

1 ـ تفسير البرهان، ج 1، ص 72.

2 ـ نهج البلاغة، شرح محمّد عبده، الخطبة 186، ص 275.

(139)

3 ـ هداية الله وإضلاله:

ظاهر عبارة الآية المذكورة يوحي بأن الهداية والضلال جبريان ومرتبطان بإرادة الله تعالى. بينما العبارة الأخيرة من الآية توضح أن الهداية والضلال مترتبان على أعمال الإنسان نفسه.

ولمزيد من التوضيح نقول: إن أعمال الإِنسان وتصرفاته لها نتائج وثمار معيّنة. لو كان العمل صالحاً فنتيجته مزيد من التوفيق والهداية في السير نحو الله ومزيد من أداء الأعمال الصالحة. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فَرْقَاناً)(1).

وإن جنح الإنسان نحو المنكرات، فان الظلمات تتراكم على قلبه، ويزداد نهماً لارتكاب المحرمات، وقد يبلغ به الأمر إلى أن ينكر خالقه، قال تعالى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أسَاؤُوا الْسُّوآى أَنّ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤونَ)(2). وقال أيضاً: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)(3).

والآية التي يدور حولها بحثنا شاهد آخر على ذلك حيث يقول تعالى: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ).

ممّا تقدم يتضح أن الإنسان حُرّ في انتخاب الطريق في بداية الأمر، وهذه حقيقة يقبلها ضمير كل إنسان، ثم على الإنسان بعد ذلك أن ينتظر النتائج الحتمية لأعماله.

بعبارة موجزة: الهداية والضلالة ـ في المفهوم القرآني ـ لايعنيان الإجبار على انتخاب الطريق الصحيح أو الخاطىء، بل إن الهداية ـ المفهومة من الآيات المتعدّدة ـ تعني توفّر سبل السعادة، والإِضلال: يعني زوال الأرضية المساعدة للهداية، دون أن يكون هناك إجبار في المسألة.

___________________________

1 ـ الأنفال، 29.

2 ـ الروم، 10.

3 ـ الصف، 5.

(140)

توفّر السبل (الذي نسميه التوفيق)، وزوال هذه السبل (الذي نسميه سلب التوفيق)، هما نتيجة أعمال الإنسان نفسه. فلو منح الله فرداً توفيق الهداية، أو سلب من أحد هذا التوفيق، فإنما ذلك نتيجة الأعمال المباشرة لهذا الفرد أو ذاك.

ويمكن التمثيل لهذه الحقيقة بمثال بسيط: حين يمرّ الإنسان قرب هاوية خطرة، فإنه يتعرّض لخطر الإِنزلاق والسقوط فيها كلّما اقترب منها أكثر.

كما أن إحتمال سقوطه في الهاوية يقلّ كلما ابتعد عنها أكثر، والحالة الاُولى هداية والثانية ضلال.

من مجموع ما ذكرنا يتضح الجواب على ما يثار من أسئلة في حقل الهداية والضلال.

4 ـ <«الفاسقون»: هم المنحرفون عن طريق العبودية، لأن الفسق في اللغة إخراج النوى من التمر، ثم انتقل إلى الخروج عن طريق الله.

* * *

(141)

الآية

الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَـقِهِ وَيَقْـطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الاَْرْضِ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَـسِرُونَ(27)

التّفسير

الخاسرون الحقيقيون:

هذه الآية الكريمة توضح مواصفات الفاسقين بعد أن تحدثت الآية السابقة عن ضلال هذه الفئة، وتذكر لهم ثلاث صفات:

1 ـ إنهم (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ).

هؤلاء لهم مع الله عهود ومواثيق، مثل عهد التوحيد، وعهد الرّبوبية، وعهد عدم اتّباع الشيطان وهوى النفس. لكنهم نقضوا كل هذه العهود، وتمرّدوا على أوامر الله، واتّبعوا أهواءهم وما أراده الشيطان لهم.

طبيعة هذا العهد: يثار سؤال حول العهد المبرم بين الله والإنسان، فالعهد عقد ذو جانبين، وقد يقول قائل: متى أبرمت مع الله عهداً من العهود المَذكورة؟

الجواب على هذا السؤال يتضح لو عرفنا أن الله سبحانه أودع في أعماق النفس الإنسانية شعوراً خاصاً وقوى خاصة يستطيع بها أن يهتدي إلى الطريق

(142)

الصحيح، ويتجنب مزالق الشيطان وأهواء النفس، ويستجيب لداعي الله.

هذه القوى الفطرية يعبّر عنها القرآن بالعهد الإلهي، وهو في الحقيقة «عهد تكويني» لا تشريعي أو قانوني. يقول تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)؟!(1).

وواضح أنّ الآية تشير إلى فطرة التوحيد العبودية والميل إلى الإِتجاه نحو التكامل في النفس الإنسانية.

الدليل الآخر على هذا الإِتجاه في فهم العهد الإِلهي ما جاء في أول خطب نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام): حيث قال: «فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ».

بتعبير آخر: كل موهبة يمنحها الله للإِنسان يصحبها عهد طبيعي بين الله والإِنسان، موهبة العين يصحبها عهد يفرض على الإِنسان أى يرى الحقائق، وموهبة الاُذن تنطوي على عهد مدوّن في ذات الخلقة يفرض الاستماع إلى نداء الحق ... وبهذا يكون الإنسان قد نقض العهد متى ما غفل عن استثمار القوى الفطرية المودعة في نفسه، أو استخدم الطاقات الموهبة له في مسير منحرف.

الفاسقون: ينقضون بعض هذه العهود الفطرية الإلهية، أو جميعها.

2 ـ الصفة الاُخرى لهؤلاء الفاسقين هي أنهم (... يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ...).

أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن القطع المذكور في الآية يعني قطع الرحم، لكن مفهوم الآية ـ في نظرة أعمق ـ أعم من ذلك، وما قطع الرحم إلاّ أحد مصاديقها، لأن الآية تتحدث عن قطع الفاسقين لِكل إرتباط أمر الله به أن يوصل، بما في ذلك رابطة الرحم، رابطة الصداقة، والروابط الاجتماعية، والرابطة بهداة البشرية إلى

___________________________

1 ـ يس، 60 و 61.

(143)

الله، والإِرتباط بالله. ولا دليل على حصر الآية برابطة الرحم.

بعض المفسرين ذهبوا إلى أن الآية تشير إلى قطع الإرتباط بالأنبياء والمؤمنين، وبعضهم فسّرها بالإرتباط بأئمة أهل البيت(عليهم السلام)(1). وواضح أن هذه التفاسير تبيّن جزءً من المفهوم الكلي للآية.

3 ـ علامة الفاسقين الثالثة هي الفساد: (... وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ).

ومن الواضح أن يكون هؤلاء مفسدين، لأنهم نسوا الله وعصوه، وخلت نفوسهم من كل عاطفة إنسانية حتى تجاه أرحامهم، هؤلاء لايتحركون إلاّ على خط مصالحهم وأهدافهم الذاتية الدنيّة، ولا يهمّهم على هذا الطريق أن يعيثوا في الأرض فساداً، ويرتكبوا كل لون من الإِنحراف.

وتؤكد الآية في الخاتمة أن (أُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

وأي خسران أكبر من تبديد كل القوى المادية والمعنوية المودعة في الأنسان الرّاميّة لإسعاده، وإهدارها على طريق الشقاوة والتعاسة والإنحراف؟! نعم، هؤلاء الفاسقون الذين خرجوا عن خط إطاعة الله ليس لهم مصير سوى الخسران.

* * *

بحثان

1 ـ أهمية صلة الرحم في الإِسلام:

الآية المذكورة أعلاه، وإن تحدثت عن كل إرتباط أمر الله به أن يوصل، إلاّ أن الإِرتباط الرحمي دون شك أحد مصاديقها البارزة.

لقد أعار الإسلام اهتماماً بالغاً بصلة الرحم وبالتودّد إلى الأهل والأقارب. ونهى بشدّة عن قطع الارتباط بالرحم.

___________________________

1 ـ نور الثقلين، ج 1، ص 45، لمزيد من التوضيح في هذا المجال راجع المجلد السابع من هذا التّفسير ذيل الآية 21 من سورة الرعد.

(144)

رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يصوّر أهمية صلة الرحم بقوله: «صِلَةُ الرَّحِمِ تَعْمُرُ الدِّيارَ وَتَزِيدُ فِي الأَعْمَارِ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهَا غَيْرَ أَخْيَارِ»(1).

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال: «صِلْ رَحِمَكَ وَلَوْ بِشَرْبَةِ مَاء، وَأَفْضَلُ مَا يُوصَلُ بِهِ الرَّحِمُ كَفُّ الأَذى عَنْهَا» (2).

الإِمام علي بن الحسين السّجاد(عليه السلام) يحذّر ولده من صحبة خمس مجموعات، إحداها قطاع الرحم، ويقول: «... وَإِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةً الْقَاطِعِ لِرَحِمِهِ فَإِنّي وَجَدْتُهُ مَلْعُوناً في كِتَابِ اللهِ»(3).

ويقول سبحانه: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنهُمُ اللهُ)(4).

السبب في كل هذا التأكيد الإِسلامي على الرحم هو أن عملية إصلاح المجتمع وتقوية بنيته وصيانة مسيرة تكامله وعظمته في الحقول المادية والمعنوية، تفرض البدء بتقوية اللَّبنات الأساسية التي يتكون منها البناء الإِجتماعي، وعند استحكام اللَّبنات وتقويتها يتم إصلاح المجتمع تلقائيّاً.

الإِسلام مارس هذه العملية على النحو الأكمل في بناء المجتمع الإِسلامي القوي الشامخ، وأمر بإِصلاح الوحدات الإِجتماعية. والكائن الإِنساني لا يأبى عادة أن ينصاع إلى مثل هذه الأوامر اللازمة لتقوية إرتباط أفراد الأُسرة، لاشتراك هؤلاء الأفراد في الرحم والدم.

وواضح أن المجتمع يزداد قوةً وعظمةً كلّما ازداد التماسك والتعاون والتعاضد في الوحدات الإِجتماعية الصغيرة المتمثلة بالأُسرة. وإلى هذه الحقيقة قد يشير الحديث الشريف: «صلة الرحم تعمر الديار».

* * *

___________________________

1 ـ سفينة البحار (مادة رحم).

2 ـ سفينة البحار (مادة رحم).

4 ـ محمّد، 22.

(145)

2 ـ القطع بدل الوصل:

ذكرت الآية الكريمة: أَنَّ الْفَاسِقينَ. (يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) وفي هذا الصدد يثار سؤال يقول: هل القطع ممكن قبل الوصل؟

والجواب: إن المقصود بالوصل استمرار الروابط التي أقرّها الله سبحانه بينه وبين عباده، أو بين عباده مع بعضهم بشكل طبيعي وفطري.

بعبارة اُخرى، إن الله سبحانه أمر بالحفاظ على هذه الروابط الفطرية والطبيعية وبصيانتها، لكنّ المذنبين يقطعونها (تأمّل بدقة).

* * *

(146)

الآيتان

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَـكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(28) هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الاَْرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّيـهُنَّ سَبْعَ سَمَـو ت وَهُوَ بِكُلِّ شَىء عَلِيمٌ(29)

التّفسير

نعمةُ الحياة:

القرآن في الآيتين يلفت أنظار البشر إلى عظمة الخالق عن طريق ذكر بعض النعم الإِلهية وبعض المظاهر المدهشة للخلقة. وبذلك يكمل الأدلة التي أوردها في الآيتين (21 و 22) من هذه السّورة حول معرفة الله.

القرآن يبدأ في أدلته من نقطة لا تقبل الإنكار، ويركز على مسألة (الحياة) بكل ما فيها من تعقيد وغموض، ويقول: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ).

وفي هذه العبارة تذكير للإِنسان بما كان عليه قبل الحياة ... لقد كان ميتاً تماماً مثل الأحجار والأخشاب ولم يكن فيه أي أثر للحياة، لكنه الآن يتمتع بنعمة الحياة، وبنعمة الشعور والإِدراك.

(147)

من الذي منح الإنسان نعمة الحياة؟ هل أن الكائن البشري هو الذي منح نفسه الحياة؟! كل إنسان منصف لا يتردد أن يجيب: أن هذه الحياة موهوبة للإِنسان من لدن عالم قادر ... عالم برموز الحياة وقوانينها المعقدة ... وقادر على تنظيمها. إذن كيف يكفر هذا الإِنسان بمن أحياه بعد موته؟!

أجمعت العلماء اليوم أن مسألة الحياة أعقد مسألة في عالمنا هذا، لأن لغز الحياة لم ينحل حتى اليوم على الرغم من كل ما حققه البشر من تقدّم هائل في حقل العلم والمعرقة. قد يستطيع العلم في المستقبل أن يكتشف بعض أسرار الحياة ... لكن السؤال يبقى قائماً بحاله: كيف يكفر الإِنسان بالله وينسب هذه الحياة بتعقيداتها وغموضها وأسرارها إلى صنع الطبيعة العمياء الصّماء الفاقدة لكل شعور وإدراك؟!

من هنا نقول إن ظاهرة الحياة في عالم الطبيعة أعظم سند لإثبات وجود الله تعالى. والقرآن يركز في الآية المذكورة على هذه المسألة بالذات، وهي مسألة تحتاج إلى مزيد من الدراسة و التعمق، لكننا نكتفي هنا بهذه الإشارة.

بعد التذكير بهذه النعمة، تؤكد الآية على دليل واضح آخر وهو «الموت» (ثم يميتكم).

ظاهرة «الموت» يراها الإِنسان في حياته اليومية، من خلال وفاة من يعرفهم ومن لا يعرفهم، وهذه الظاهرة تبعث أيضاً على التفكير، من الذي قبض أرواحهم؟ ألا يدلّ سلبُ الحياة منهم على أن هناك من منحهم هذه الحياة؟

نعم ... إن خالق الحياة هو خالق الموت أيضاً، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا)(1).

بعد أن ذكرت الآية هذين الدليلين الواضحين على وجود الله، تناولت المعاد

___________________________

1 ـ الملك، 2.

(148)

والحياة بعد الموت: (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ).

ويأتي ذكر المعاد في سياق هذه الآية ليبين أن مسألة الحياة بعد الموت (المعاد) مسألة طبيعية جداً لا تختلف عن مسألة إحياء الإِنسان في هذه الدنيا بل إنها أيسر من الخلق الاول (مع أن السهل والصعب ليس لها مفهوم بالنسبة للقادر المطلق). وهل بمقدور إنسان أن ينكر إمكان المعاد وهو يرى أنه خلق من عناصر ميتة؟!

وهكذا، وبعبارة موجزة رائعة يفتح القرآن أمام الإنسان سجل حياته منذ ولادته وحتى بعثه.

وفي نهاية الآية يقول تعالى: (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرجَعُونَ). والمقصود بالرجوع هو الرجوع إلى نعم الله تعالى يوم القيامة. والرجوع غير البعث. والقرآن يفصل بين الاثنين كما في قوله تعالى: (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمْ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُون)(1).

قد يكون الرجوع في الآية الكريمة إشارة إلى معنى أدقّ، هو إن جميع الموجودات تبدأ مسيرة تكاملها من نقطة العدم التي هي نقطة «الصفر» وتواصل السير نحو «اللانهاية» التي هي ذات الله سبحانه وتعالى. من هنا فإن هذه المسيرة لا تتوقف لدى الموت، بل تستمر في الحياة الاُخرى على مستوى أسمى.

بعد ذكر نعمة الحياة والإِشارة إلى مسألة المبدأ والمعاد، تشير الآية إلى واحدة اُخرى من النعمّ الإِلهية السابقة وتقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَميِعاً).

وبهذا تعيّن الآية قيمة الإِنسان في هذه الأرض، وسيادته على ما فيها من موجودات. ومنها نستطيع أن نفهم المهمّة العظيمة الثقلية الموكولة إلى هذا

___________________________

1 ـ الأنعام، 36.

(149)

المخلوق في ساحة الوجود.

وفي القرآن آيات اُخرى تؤكد على مكانة الإِنسان السامية، وتوضّح أن هذا الكائن هو الهدف النهائي من خلق كل موجودات الكون.

(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)(1)

وثمة آيات اُخرى تحدثت عن هذا المفهوم بالتفصيل كقوله تعالى(2).

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ ...)(3).

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ...)(4).

(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ...)(5).

(وَسَخَّرَ لَكْمُ الْبَحْرَ ...)(6).

(وَسَخَرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ ...)(7).

وتعود الآية إلى ذكر أدلة التوحيد وتقول: (ثُمَّ استَوى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوات وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ).

الفعل «استوى» من «الاستواء» وهو التسلط والإِحاطة الكاملة والقدرة على الخلق والتدبير، وكلمة «ثم» في الآية لا تعني لزاماً التأخير الزماني، بل تعني أيضاً التأخير في البيان وتوالي في ذكر الحقائق.

* * *

___________________________

1 ـ الجاثية، 13.

2 ـ هناك دراسة أوفى لهذا المفهوم في الجزء السابع من هذا التّفسير، ذيل الآية 2 من سورة الرعد، وذيل الآيتين 32 و 33 من سورة إبراهيم.

3 ـ إبراهيم، 32.

4 ـ إبراهيم، 32.

5 ـ إبراهيم، 33.

6 ـ الجاثية، 12.

7 ـ إبراهيم، 33.

(150)

1 ـ التناسخ أو عودة الأرواح:

الآية المذكورة أعلاه من الآيات التي ترفض بوضوح فكرة التناسخ، فالمعتقدون بالتناسخ يؤمنون بأن الإِنسان يعود بعد الموت ثانية إلى هذه الحياة، بعد أن تحلّ روحه في جسم آخر (ونطفة اُخرى)، ويحيا في هذه الدنيا حياة اُخرى، وقد تتكرر هذه العودة مرات، وتكرر هذه الحياة يسمى بالتناسخ أو عودة الأرواح.

الآية تصرح بعدم وجود أكثر من حياة واحدة بعد الموت، هي حياة البعث والنشور. وبعبارة اُخرى توضح الآية أن للإنسان حياتين ومماتين لا أكثر، وكان الإنسان ميتاً يوم كان جزءاً من الطبيعة غير الحيّة، ثم أحياه الله يوم ولد، ثم يميته، ثم يعيده. ولو كان التناسخ صحيحاً لكان للإِنسان أكثر من مماتين وحياتين.

هذا المفهوم مذكور في آيات اُخرى أيضاً، سنشير إليه في موضعه(1).

فكرة التناسخ إذن مرفوضة قرآنياً، كما أنّه مرفرضة عقلياً، وهي نوع من الرجعية والإِنتكاس في قانون التكامل(2).

جدير بالذكر أنّ هذه الآية لا تشير إلى الحياة البرزخية (الحياة بين الموت والنشور) كما توهم البعض، بل إلى الحياة بعد الموت في هذه الدنيا (إحياء الإِنسان بعد تكونه من مواد طبيعيّة ميتة)، ثم الموت بعد هذه الحياة الدنيوية، ثم الحياة الاُخرى، واستمرار المسيرة التكاملية نحو الله.

___________________________

1 ـ موضوع «الرجعة» لا يعارض هذا المفهوم، لأنه محدود بعدد خاص من الأشخاص، وليس بقانون عام. والآية المذكورة تتحدث عن قضية عامة.

2 ـ درسنا هذه المسألة في «عود الأرواح والإِرتباط بالأرواح».

(151)

2 ـ السّماوات السّبع

كلمة «سماء» تشير إلى جهة عليا، ولها مفهوم واسع ذو مصاديق مختلفة. ولذلك كان لها استعمالات عديدة في القرآن الكريم:

1 ـ أطلقت أحياناً على «الجهة العليا» المجاورة للأرض كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَكَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَة أصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(1).

2 ـ وعنى بها القرآن تارة المنطقة البعيدة عن سطح الأرض: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً)(2).

3 ـ عبّر القرآن بها في موضع آخر عن (الغلاف الجوي) المحيط بالأرض: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً)(3). لأن هذا الغلاف يقي الكرة الأرضية من الصخور السماوية (النيازك) التي تتجه إلى الأرض ليلا ونهاراً بفعل جاذبية الأرض، لكن اصطدام هذه الصخور بجوّ الأرض يؤدي إلى اشتعالها ومن ثم تحوّلها إلى رماد.

4 ـ وأراد القرآن بالسماء في موضع آخر (الكرات العليا): (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)(4).

نعود الآن إلى «السماوات السبع» لنرى ما المقصود من هذا العدد. تعددت آراء المفسرين والعلماء المسلمين في ذلك.

1 ـ منهم من قال إنها السّيارات السّبع(5) في اصطلاح الفلكيين القدماء: أي

___________________________

1 ـ إبراهيم، 24.

2 ـ ق، 9.

3 ـ الإنبياء، 32.

4 ـ فصلت، 11.

5 ـ منهم من قسّم كرات المنظومة الشمسية العشر (تسع سيارات معروفة إضافة سيارة كانت موجودة بين المريخ والمشتري، ثم تهشمت وظلت بقاياها تدور في نفس المدار) إلى مجموعتين: مجموعة تحت مدار الأرض (عطارد والزهرة) ومجموعة خارج مدار الأرض وفوقه، وهي سبع سيارات. ولعلهم بهذا أرادوا تفسير السماوات السبع بالكرات السبع الخارجية. (تأمل بدقة).

(152)

عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل والقمر والشمس.

2 ـ ومنهم من قال إن المقصود بها هو الطبقات المتراكمة للغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.

3 ـ ومنهم من قال إن العدد (سبعة) لا يراد به هذا العدد المعروف، بل يراد به الكثرة، أي أن معنى «السماوات السبع» هو السماوات والكرات الكثيرة في الكون.

ولهذا نظير في كلام العرب وفي القرآن، كقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَة أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ)(1).

وواضح أن المقصود بالسبعة في هذه الآية ليس العدد المعروف، لأن علم الله لا ينتهي حتى ولو أن البحر يمده من بعده الآلاف المؤلفة من الأبحر.

4 ـ الأصح في رأينا أن المقصود بالسماوات السبع، هو وجود سبع سماوات بهذا العدد. وتكرر هذه العبارة في آيات الذكر الحكيم يدل على أن العدد المذكور في هذا الآيات لا يعني الكثرة، بل يعني العدد الخاص بالذات.

ويستفاد من آيات اُخرى أن كل الكرات والسيّارات المشهودة هي جزء من السماء الاُولى، وثمة ستة عوالم اُخرى خارجة عن نطاق رؤيتنا ووسائلنا العلمية اليوم. وهذه العوالم السبعة هي التي عبّر عنها القرآن بالسماوات السبع.

يقول تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابيحَ)(2).

ويقول أيضاً: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَة الْكَوَاكِبِ)(3).

ويتضح من هاتين الآيتين أن ما نراه وما يتكون منه عالم الأفلاك هو جزء من السماء الاُولى، وما وراء هذه السماء ست سماوات اُخرى ليس لدينا اليوم معلومات عن تفاصيلها.

___________________________

1 ـ لقمان، 27.

2 ـ فصلت، 12.

3 ـ الصافات، 6.

(153)

نحن نرى اليوم أنه كلما تقدمت العلوم الناقصة للبشر اكتشفت عجائب ومجاهيل عظيمة. علم الفلك تقدّم إلى مرحلة بعيدة جداً في الرصد عن طريق التلسكوبات، ثم توقفت قدرة الرؤية إلى أكثر من ذلك.

أبعد ما اكتشفته دوائر الأرصاد الفلكي العالمية حتى الآن مسافة في الكون تعادل ألف مليون (مليار) سنة ضوئية. والراصدون يعترفون أن أقصى ما اكتشفوه هو بداية الكون لا نهايته. وما يدريك أن العلم سيكتشف في المستقبل سماوات وعوامل اُخرى!

من الأفضل أن نسمع هذا الحديث عن لسان مرصد عالمي كبير.

3 ـ عظمة الكائنات

المرصد لـ «بالومر» يصف عظمة الكون كالآتي:

«... قبل نصب مرصد بالومر، كان العالم في نظرنا لا يزيد على خمسمائة سنة ضوئية. لكن هذا الناظور وسّع عالمنا إلى ألف مليون سنة ضوئية. واكتشف على أثر ذلك ملايين المجرات الجديدة التي يبعد بعضها عنا ألف مليون سنة ضوئية. أما بعد هذه المسافة فيتراءى لنا فضاء عظيم مهيب مظلم لا نبصر فيه شيئاً، أي أن النور لا ينفذ إليه كي يؤثر على صفحة التصوير في المرصد.

ومن دون شك أن هذا الفضاء المهيب المظلم يحتوي على مئات الملايين من المجرات التي تحافظ بجاذبيّتها على هذا العالم المرئي.

كل هذا العالم العظيم المرئي الحاوي على مئات آلاف الملايين من المجرات ليس إلا جزءاً صغيراً جداً من عالم أعظم. ولسنا واثقين من عدم وجود عالم آخر غير هذا العالم الأعظم»(1).

* * *

___________________________

1 ـ نقلا عن مجلة «فضاء» العدد 56، فروردين 1351.

(154)

الآيات

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـئِكَةِ إِنّى جَاعِلٌ فِى الاَْرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(30) وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاَْسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَـئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَآءِ هَـؤُلاَ ءِ إِن كُنْتُمْ صَـدِقِينَ(31) قَالُواْ سُبْحَـنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32) قَالَ يَــادَمُ أَنْبِئْهُمِ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنبَأَهُم بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَـوَ تِ وَالاَْرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ(33)

التّفسير

الإِنسان خليفة الله في الأرض

الآيات السابقة ذكرت أن الله سبحانه خلق ما في الأرض جميعاً للإِنسان، وفي هذه الآيات تقرير صريح لخلافة الإِنسان وقيادته، وتوضيح لمكانته المعنوية التي استحق بها كل هذه المواهب.

في هذه الآيات عرض لخلقة آدم (أبوالبشر)، وفي الآيات 30 إلى 39 تركيز على ثلاث مسائل أساسية هي:

(155)

1 ـ إخبار الله ملائكته بشأن خلافة الإِنسان في الأرض، وما دار في المشهد من حوار.

2 ـ أمر الله تعالى ملائكته بإكرام وتعظيم الإِنسان الأول، وهذا ما نجده في مواضع عديدة من القرآن الكريم بمناسبات مختلفة.

3 ـ شرح وضع آدم وحياته في الجنّة، والحوادث التي أدت إلى خروجه من الفردوس، ثم توبة آدم، وحياته هو وذريته في الأرض.

الآيات المذكورة تتحدث عن المرحلة الاُولى، حين شاء الله أن يخلق على ظهر الأرض موجوداً، يكون فيها خليفته، ويحمل أشعة من صفاته، وتسمو مكانته على مكانة الملائكة، وشاء سبحانه أن تكون الأرض ونعمها وما فيها من كنوز ومعادن وإمكانات تحت تصرف هذا الإِنسان.

مثل هذا الموجود بحاجة إلى قسط وافر من العقل والشعور والإِدراك والكفاءة الخاصة، كي يستطيع أن يتولى قيادة الموجودات الأرضية.

وبهذه المناسبة تقول الآية الاُولى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، والخليفة هو النائب عن الغير. أما هذا الغير الذي ينوب الإِنسان عنه فاختلفت فيه أقوال المفسرين ... .

منهم من قال إنه خليفة الملائكة الذين كانوا يسكنون من قبل على ظهر الأرض. ومنهم من قال إنه خليفة بشر آخرين أو موجودات اُخرى كانت تعيش قبل ذلك على الأرض.

وذهب بعضهم إلى أن الخليفة إشارة إلى أن كل جيل من البشر يخلف الجيل السابق.

والحق أن المقصود بالخليفة هو خليفة الله ونائبه على ظهر الأرض، كما ذهب إلى ذلك كثير من المحققين. لأن سؤال الملائكة بشأن هذا الموجود الذي قد يفسد في الأرض ويسفك الدماء يتناسب مع هذا المعنى، لأن نيابة الله في

(156)

الأرض لا تتناسب مع الفساد وسفك الدماء.

مسألة «تعليم الأسماء» لآدم التي سيأتي شرحها، وهكذا سجود الملائكة لآدم من أدلة ما ذهبنا إليه في تفسير معنى الخليفة.

الإمام جعفر بن محمّد الصّادق(عليه السلام) يشير أيضاً إلى هذا المعنى في تفسير هذه الآيات إذ يقول: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ حُجَجِهِ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ وَهُمْ أرْواحٌ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِؤُنِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِأَنَّكُمْ أَحَقُّ بِالْخِلاَفَةِ فِي الأَرْضِ لِتَسبِيحِكُمْ وَتَقْديسِكُمْ مِنْ آدَمَ فَقَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَئَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَقَفُوا عَلَى عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللهِ عَزِّ ذِكْرُهُ فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونوا خُلَفَاءَ اللهِ في أرْضِهِ وَحُجَجَهِ عَلى بَرِيَّتِهِ ثُمَّ غَيَّبَهُمْ عَنْ أَبْصَارِهِمْ وَاسْتَعْبَدَهُمْ بِوِلاَيَتِهِمْ وَمَحبَّتِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(1).

ثم تذكر الآية سؤال الملائكة الذي وجّهوه لربّ العالمين مستفسرين لا معترضين: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ

الله سبحانه أجاب الملائكة جواباً مغلقاً اتضح في المراحل التالية: (قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلمُونَ).

الملائكة كانوا عالمين ـ كما يبدو من تساؤلهم ـ أن هذا الإنسان موجود يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فكيف عرفوا ذلك؟!

قيل إن الله سبحانه أوضح للملائكة من قبل على وجه الإِجمال مستقبل الإِنسان، وقيل إن الملائكة فهموا ذلك من خلال عبارة «في الأرض»، لأنهم علموا أن هذا الإِنسان يخلق من التراب، والمادة لمحدوديتها هي حتماً مركز

___________________________

1 ـ «الميزان» ج 1، ص 121. نقلا عن معاني الأخبار، وهذا الحديث وإن كان يوضح أكثر مكانة الأنبياء والأئمة ـ لا ينحصر بهذه الصفوة المقدسة بل إنهم المصداق الأتم والأكمل لهذا الموضوع.

(157)

للتنافس والنزاع. وهذا العالم المحدود المادي لا يستطيع أن يشبع طبيعة الحرص في الإنسان. وهذه الدنيا لو وضعت بأجمعها في فم الإنسان فقد لا تشبعه. وهذا الوضع ـ إن لم يقترن بالإِلتزام والشعور بالمسؤولية ـ يؤدي إلى الفساد وسفك الدماء.

بعض المفسرين ذهب إلى أنّ تنبؤ الملائكة يعود إلى تجربتهم السابقة مع مخلوقات سبقت آدم، وهذه المخلوقات تنازعت وسفكت الدماء وخلفت في الملائكة انطباعاً مرّاً عن موجودات الارض.

هذه التفاسير الثلاثة لا تتعارض مع بعضها. وقد يكون موقف الملائكة من استخلاف آدم ناشئاً عن هذه الأسباب الثلاثة معاً.

الملائكة بيّنوا حقيقة من الحقائق. ولذلك لم ينكر الله عليهم قولهم، بل أشار إلى أن ثمة حقائق اُخرى إلى جانب هذه الحقيقة، حقائق ترتبط بمكانة الإنسان في الوجود; وهذا ما لم تعرفه الملائكة.

الملائكة يعلمون أن الهدف من الخلقة هو العبودية والطاعة، وكانوا يرون في أنفسهم مصداقاً كاملا لذلك، فهم في العبادة غارقون. ولذلك فهم ـ أكثر من غيرهم ـ للخلافة لائقون، غير عالمين أن بين عبادة الإنسان المليء بألوان الشهوات، والمحاط بأشكال الوساوس الشيطانية والمغريات الدنيوية وبين عبادتهم، ـ وهم خالون من كل هذه المؤثرات ـ بون شاسع. فأين عبادة هذا الموجود الغارق وسط الأمواج العاتية، من عبادة تلك الموجودات التي تعيش على ساحل آمن؟!

ماذا تعرف الملائكة من ابناء آدم أمثال محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وابراهيم ونوح وموسى وعيسى والأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)وعباد الله الصالحين والشهداء والمضحّون من الرجال والنساء الذين قدّموا وجودهم على مذبح العشق الإلهي، والذين تساوي ساعة من تفكّرهم سنوات متمادية من عبادة الملائكة.

(158)

الجدير بالذكر، إن الملائكة ركنوا في بيان فضلهم إلى ثلاثة اُمور: التسبيح والحمد، والتقديس، أمّا التسبيح والحمد فمعناهما واضح. وهو تنزيه الله عزّ وجلّ من كل نقص والاعتراف له بكل كمال وجمال. أمّا ما هو معنى التقديس؟ البعض يرى أنه عبارة عن تنزيه الله عزّوجلّ عن كل نقص. وهو معنى التسبيح المتقدم. ولكن آخرين ذهبوا إلى ان التقديس من مادة «قدس» أي تطهير الارض من الفاسدين والمفسدين. او تطهير النفس من كل رذيلة. أو تطهير الجسم والروح للّه. والشاهد على ذلك كلمة «لك»، في جملة «نقدس لك» لأن الملائكة لم يقولوا «نقدسك» بل «نقدس لك»، أي تطهر المجتمع والارض لك.

وفي الحقيقة أن مرادهم هو القول بأن الهدف اذا كان هو الطاعة والعبودية فنحن على أتمّ الاستعداد. ولو كان هو العبادة فنحن في هذه الحالة دائماً، واذا كان المقصود هو تطهير النفس أو تطهير الارض فسوف ننفذ هذا الامر. في حين أن الانسان المادي مضافاً إلى فساده. فانه يفسد الارض.

ومن أجل أن تتضح الحقيقة للملائكة أقدم الله سبحانه على هذه التجربة ليعلموا الفرق الشاسع بينهم وبين آدم(عليه السلام).

الملائكة في بودقة الاختبار

كان آدم يملك ـ بفضل الله ـ قابلية خارقة لفهم الحقائق. وشاء الله أن ينقل هذه القابلية من مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعل، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا).

اختلف المفسرون في تفسير «تعليم الأسماء»، ومن المؤكد أن المقصود من ذلك ليس هو تعليم الأسماء دون المعاني. فذلك لا يكسب آدم فخراً. بل المقصود هو معاني الأسماء والمفاهيم والمسميات.

هذا العلم بالكون وبأسرار الموجودات وخواصها، كان مفخرة كبيرة لآدم

(159)

طبعاً.

عن أبي العباس قَال: سألت الإِمام الصادق(عليه السلام) عن قولِ الله: وَعلّمَ آدَمَ الأَسماءَ كلها، ماذا علّمه؟ قال: «الأَرَضِينَ وَالجبال والشعابَ والأوديةَ ثم نظر إلى بساط تحته فقال: وهذا البساط ممّا علّمهُ»(1).

علم الأسماء إذن لم يكن يشبه «علم المفردات»، بل كان يرتبط بفلسفة الأسماء وأسرارها وكيفياتها وخواصها. والله سبحانه منح آدم هذا العلم ليستطيع أن يستثمر المواهب المادية والمعنوية في الكون على طريق تكامله.

كما منح الله آدم قابلية التسمية، ليستطيع أن يضع للأشياء أسماء، وبذلك يتحدث عن هذه الأشياء بذكر اسمها لا بإحضار عينها. وهذه نعمة كبرى، نفهمها لو عرفنا أن علوم البشرية تنقل عن طريق الكتب والمدوّنات. وما كان هذا التدوين مقدوراً لولا وضع الأسماء للأشياء وخواصها.

(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ: أَنْبِؤُنِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ...)وأمام هذا الاختبار تراجع الملائكة لأنهم لم يملكوا هذه القدرة العلمية التي منحها الله لآدم، (قَالُوا: سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

وهكذا أدركت الملائكة تلك القدرة التي يحملها آدم، التي تجعله لائقاً لخلافة الله على الأرض. وفهمت مكانة هذا الكائن في الوجود.

وحان الدور لآدم كي يشرح أسماء الموجودات وأسرارها أمام الملائكة: (قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ).

وهنا اتضح للملائكة أن هذا الموجود هو وحده اللائق لاستخلاف الأرض.

___________________________

1 ـ الميزان، ج 1، ص 119.

(160)

عبارة (مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) إشارة إلى أن الملائكة كانوا يخفون شيئاً لم يظهروه في أقوالهم. قال بعض المفسرين: إنها إشارة إلى حالة استكبار إبليس الذي كان يومئذ بين الملائكة. وكان يكتم إصراره على عدم الخضوع لآدم.

ومن المحتمل أيضاً أن تكون العبارة إشارة إلى ما كان يبطنه الملائكة من اعتقاد بأنهم أليق من غيرهم للخلافة الإِلهية على الأرض. فهم أشاروا إلى مثل هذا الاعتقاد ولم يصرّحوا به.

جواب على سؤالين

ويبقى سؤالان في هذا المجال، الأوّل يدور حول تعليم الله لآدم، كيف تمّ ذلك؟ ولو قُدّر أن يكون هذا التعليم من نصيب الملائكة لنالوا نفس فضيلة آدم، فهل هناك مفخرة يمتلكها آدم ولا تمتلكها الملائكة؟

أما بشأن كيفية التعليم فالجواب هو أن هذا التعليم تكويني، أي إن الله أودع هذا العلم في وجود آدم بالقوة، ودفعه خلال مدّة قصيرة إلى المرحلة الفعلية.

إطلاق كلمة «تعليم» في القرآن على «التعليم التكويني» ورد في موضع آخر من القرآن، كقوله تعالى: (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)(1) وواضح أن الله سبحانه علّم الإِنسان البيان في مدرسة الخلقة، أي منحه الكفاءة والخصائص الفطرية اللازمة للبيان والكلام.

أما الشطر الآخر من هذا السؤال فيتبين جوابه لو علمنا أن الملائكة كانت لهم خلقة خاصة، ما كانت تؤهلهم لتلقي كل هذه العلوم. إنهم مخلوقون لهدف آخر، لا لهذا الهدف، وهذه الحقيقة فهمها الملائكة وتقبلوها بعد أن مرّوا بتلك التجربة المذكورة في الآية. ولعلهم اعتقدوا في البداية أنهم يحملون الكفاءة

1 ـ الرحمن، 4.

(161)

اللازمة لهذا الهدف، لكن الله بيّن لهم الفرق بين كفاءتهم وكفاءة آدم بتجربة تعليم الأسماء.

أمّا السّؤال الثّاني فيرتبط بالضمير «هم» في قوله تعالى: (ثم عرضهم) و أسمائهم وباسم الإشارة هؤلاء في الآية. فالمعروف أنّ «هم» و«هؤلاء» يستعملان في العاقل، وهذا لا ينسجم مع تفسير «الأسماء» بأنهم أسرار الخلقة وفهم خواص جميع الموجودات.

والجواب هو أن استعمال الضمير «هم» واسم الإِشارة «هؤلاء» لا يختص بالعاقل، بل قد يستعملان في جمع مكوّن من عاقل وغير عاقل، وقد يستعملان في جمع غير عاقل. كقوله تعالى: (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)(1) والضمير «هم» في الآية يعود على الكواكب والشمس والقمر التي رآها يوسف.

* * *

___________________________

1 ـ يوسف، 4.

(162)

الآيات

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَـفِرين(34)وَقُلْنَا يَــَادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَُما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّـلِمِينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَـنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الاَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـعٌ إِلَى حِين(36)

التّفسير

آدم(عليه السلام) في الجنّة

ينتقل القرآن إلى فصل آخر من موضوع عظمة الإِنسان، ويقول: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ، وَكَانَ مِنَ الْكَافِرينَ).

يبدو للوهلة الاُولى أن مسألة السجود لآدم جاءت بعد تجربة الملائكة المذكورة في الآيات السابقة وبعد تعليم الأسماء. ولكن لو أمعنّا النظر في آيات القرآن الكريم لألفينا أن موضوع السجود جاء بعد اكتمال خلقة الإِنسان مباشرة، وقبل امتحان الملائكة.

يقول تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ

(163)

السجود إذن جاء مباشرة بعد نفخ الروح في الإِنسان، وهذا المعنى جاء في الآية 72 من سورة (ص)(1).

ثمة دليل آخر على هذه المسألة هو أن استجابة الملائكة لأمر الله بالسجود، لو كانت بعد اتضاح مكانة آدم، لما اعتبرت مفخرة للملائكة.

على أي حال، الآية المذكورة تقرير قرآني واضح صريح لشرف الإِنسان وعظمة مكانته. فكل الملائكة يؤمرون بالسجود له بعد اكتمال خلقته.

حقاً، إن هذا الموجود، اللائق لخلافة الله على الأرض، والمؤهل لهذا الشوط الكبير من التكامل وتربية أبناء عظام كالأنبياء وخاصة النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، يستحق كل احترام.

نحن نشعر بالتعظيم والتكريم لمن حوى بعض العلوم وعلم شيئاً من القوانين والمعادلات العلمية، فكيف حال الانسان الأوّل مع كل تلك العلوم والمعارف الزاخرة عن عالم الوجود؟!

* * *

بحثان

1 ـ لماذا أبى إِبليس؟

«الشّيطان» اسم جنس شامل للشيطان الأوّل ولجميع الشّياطين. أمّا «إبليس» فاسم علم للشيطان الذي وسوس لآدم. وإبليس ـ كما صرح القرآن ـ ما كان من جنس الملائكة وإن كان في صفوفهم، بل كان من طائفة الجن، وهي مخلوقات مادية. قال تعالى: (فَسَجدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ)(2).

___________________________

1 ـ إلى هذا أشار أيضاً الآلوسي في روح المعاني، والفخر الرازي في التّفسير الكبير.

2 ـ الكهف، 50.

(164)

باعثه على الإِمتناع عن السجود كبُر وغرور وتعصب خاص استولى عليه حيث اعتقد أنه أفضل من آدم، ولا ينبغي أن يصدر له أمر بالسجود لآدم، بل ينبغي أن يؤمر آدم بالسجود له، وسيأتي شرح ذلك في تفسير الآية 12 من سورة الأعراف(1).

كفر إبليس كان يعود إلى نفس السبب أيضاً، فقد اعتقد بعدم صواب الأمر الإِلهي، وبذلك لم يعصِ فحسب، بل إنحرف عقائدياً. وهكذا ذهبت أدراج الرياح كل عباداته وطاعاته نتيجة كبره وغروره. وهكذا تكون دوماً نتيجة الكبر والغرور.

وعبارة (كَانَ مِنَ الْكَافِرينَ) تشير إلى أن إبليس كان قبل صدور الأمر الإِلهي إليه بالسجود، قد انفصل عن مسير الملائكة وطاعة الله، وأسرَّ في نفسه الإستكبار والجحود. لعله عزم في قرارة نفسه أن لا يخضع لو صدرت إليه أوامر بالخضوع والسجود. ومن المحتمل أن تكون عبارة (مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) إشارة إلى ذلك. وورد هذا المعنى في حديث عن الإِمام الحسن العسكري(عليه السلام). قال إِبْليسُ: «لَئِنْ أَمْرَنِي اللهُ بِالسُّجُودِ لِهَذَا لَعَصَيْتُهُ إِلى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالى لِلْمَلاَئِكَةِ: أُسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا فَأَخْرَجَ إِبْلِيسُ مَا كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْحَسَدِ فَأَبِى أَنْ يَسْجُدَ»(2).

* * *

2 ـ هل كان السّجود لله أم لآدم(عليه السلام)؟

لا شك أن السجود يعني «العبادة» لله، إذ لا معبود غير الله، وتوحيد العبادة يعني أن لا نعبد إلاّ الله.

من هنا فإن الملائكة لم يؤدوا لآدم يعني «سجدة عبادة» قطعاً. بل كان

___________________________

1 ـ راجع المجلد الرابع من هذا التّفسير.

2 ـ تفسير الميزان، ج 1، ص 125.

(165)

السجود لله من أجل خلق هذا الموجود العجيب. أو كان سجود الملائكة لآدم سجود «خضوع» لا عبادة.

جاء في «عيون الأخبار» عن الإِمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): «كَانَ سُجُودُهُمْ للهِ تَعَالى عُبُودِيَّةً، وَلاِدَمَ إكْراماً وَطَاعَةً، لِكَونِنَا فِي صُلْبِهِ»(1).

بعد هذا المشهد ومشهد اختبار الملائكة، أُمر آدم وزوجه أن يسكنا الجنّة، كما جاء في قوله تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ، وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَُما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ)(2).

يستفاد من آيات القرآن أن آدم خُلق للعيش على هذه الأرض. لكنّ الله شاء أن يسكنه قبل ذلك الجنّة، وهي روضة خضراء موفورة النعمة في هذا العالم، وخالية من كل ما يزعج آدم.

لعل مرحلة مكوث آدم في الجنّة كانت مرحلة تحضيرية لعدم ممارسة آدم للحياة على الارض وصعوبة تحمّل المشاكل الدنيوية بدون مقدمة، ومن أجل تأهيل آدم لتحمل مسؤوليات المستقبل، ولتفهيمه أهمية حمل هذه المسؤوليات والتكاليف الإِلهية في تحقيق سعادته، ولإِعطائه صورة عن الشقاء الذي يستتبع إهمال هذه التكاليف، ولتنبيهه بالمحظورات التي سيواجهها على ظهر الأرض.

وكان من الضروري أيضاً أن يعلم آدم بإمكان العودة إلى الله بعد المعصية. فمعصية الله ـ لا تسدّ إلى الإبد ـ أبواب السعادة أمامه، بل يستطيع أن يرجع ويعاهد الله أن لا يعود لمثلها، وعند ذاك يعود إلى النعم الإِلهية.

ينبغي أن ينضج آدم(عليه السلام) في هذا الجوّ إلى حد معيّن، وأن يعرف أصدقاءه وأعداءه، ويتعلم كيف يعيش على ظهر الأرض. نعم، كانت هذه مجموعة من

___________________________

1 ـ نور الثقلين، ج 1، ص 58.

2 ـ الرغد على وزن الصمد يعني الكثير والواسع والهنيء، وعبارة «حيث شئتما» تعني: من أي مكان شئتما في الجنّة، أو من أي نوع شئتم من فاكهة الجنّة.

(166)

التعاليم الضرورية التي تؤهله للحياة على ظهر الأرض.

كانت هذه مقدمات تأهيلية يحتاجها آدم وأبناء آدم في حياتهم الجديدة. ولعل الفترة التي قضاها آدم في الجنّة أن ينهض بمسؤولية الخلافة على الأرض كانت تدريبية أو تمرينية.

وهنا رأى «آدم» نفسه أمام أمر إلهي يقضي بعدم الاقتراب من الشجرة، لكن الشيطان أبى إلاّ أن ينفذ بقسمه في إغواء آدم وذريته، فطفق يوسوس لآدم ويعده وزوجه ـ كما يبدو من سائر آيات القرآن الكريم ـ بالخلود وباتخاذ شكل الملائكة وأقسم أنه لهما من الناصحين.(1)

تقول الآية بعد ذلك: (فَأَزَلَّهُما الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)(2).

نعم. أُخرجا من الجنة حيث الراحة والهدوءُ وعدم الألم والتعب والعناء، على أثر وسوسة الشيطان.

وصدر لهما الأمر الإِلهي بالهبوط (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوُّ، وَلَكُمْ فِي الاَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلى حِين).

وهنا، فهم آدم أنه ظلم نفسه، وأخرج من الجوّ الهادي الملي بنعم الجنّة بسبب استسلامه لوسوسة الشيطان. وهبط في جوّ مفعم بالتعب والمشقة والعناء. مع أن آدم كان نبيّاً ومعصوماً، فإن الله يؤاخذ الإنبياء بترك الأولى ـ كما سنرى ـ كما يؤاخذ باقي الأفراد على ذنوبهم. وهو عقاب شديد تلقاه آدم جرّاء عصيانه.

* * *

___________________________

1 ـ الأعراف، 20 و 21.

2 ـ مرجع الضمير في «عنها» إمّا أن يعود على «الجنّة» ويكون معنى «ممّا كانا فيه» في هذه الحالة: من مقامهما الذي كانا فيه. وإمّا أن يعود على «الشّجرة» فيكون معنى الآية: إن الشيطان أزلهما بوسيلة الشّجرة، وأخرجهما من الجنّة التي كانا فيها.

(167)

1 ـ ما هي جنّة آدم(عليه السلام)؟

يبدو أن الجنّة التي مكث فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض، لم تكن الجنّة التي وُعد بها المتقون. بل كانت من جنان الدنيا، وصقعاً منعّماً خلاّباً من أصقاع الأرض. ودليلنا على ذلك:

أوّلا: الجنّة الموعودة في القيامة نعمة خالدة، والقرآن ذكر مراراً خلودها، فلا يمكن إذن الخروج منها.

ثانياً: إبليس الملعون ليس له طريق للجنّة، وليس لوسوسته مكان هناك.

ثالثاً: وردت عن أهل البيت(عليهم السلام) روايات تصرّح بذلك.

منها ما روي عن الإِمام جعفر بن محمّد الصّادق(عليه السلام) أنه سئل عن جنّة آدم، فقال: «جَنَّةٌ مِنْ جَنَّاتِ الدُّنْيَا، يَطْلَعُ فِيهَا. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنَانِ الاْخِرَةِ مَا خَرَجَ مِنْهَا أبَداً»(1).

من هذا يتضح أن هبوط آدم ونزوله إلى الأرض لم يكن مكانياً بل مقامياً. أي أنه هبط من مكانته السامية ومن تلك الجنّة المزدانة.

من المحتمل أيضاً أن تكون هذه الجنّة غير الخالدة في إحدى الكواكب السماوية، وفي بعض الرّوايات الإِسلامية إشارة إلى أن هذه الجنّة في السماء. غير أنّ من الممكن أن يكون المقصود بالسماء في هذه الرّوايات «المقام الرفيع» لا «المكان المرتفع».

على كل حال، توجد شواهد كثيرة على أن هذه الجنّة هي غير جنّة الخلد الموعودة. لأَن جنّة آدم بداية مسير الإِنسان وجنّة الخلد نهايتها. وهذه مقدمة لأعمال الإِنسان ومراحل حياته، وتلك نتيجة أعمال الإِنسان ومسيرته.

___________________________

1 ـ كتاب الكافي، نقلا عن تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 62.

(168)

2 ـ ما هو ذنب آدم؟

المكانة التي ذكرها القرآن لآدم سامية ورفيعة، فهو خليفة الله في الأرض ومعلم الملائكة، وعلى درجة كبيرة من التقوى والمعرفة، وهو الذي سجدت له ملائكة الله المقربين. ومن المؤكد أن آدم هذا لا يصدر عنه ذنب، إضافة إلى أنه كان نبيّاً، والنّبي معصوم.

من هنا يطرح سؤال عن نوع العمل الذي صدر عن آدم. وتوجد لذلك ثلاثة تفسيرات يكمل بعضها الآخر.

1 ـ ما ارتكبه آدم كان «تركاً للأولى» أو بعبارة اُخرى كان «ذنباً نسبياً»، ولم يكن «ذنباً مطلقاً».

الذنب المطلق، وهو الذنب الذي يستحق مرتكبه العقاب أياً كان، مثل الشرك والكفر والظلم والعدوان. والذنب النسبي هو الذي لا يليق بمرتكبه أن يفعله لعلوّ منزلة ذلك الشخص، وإن كان إرتكابه مباحاً، بل مستحباً أحياناً من قبل الأفراد العاديين. على سبيل المثال، نحن نؤدي الصلاة بحضور القلب تارة، وبعدم حضور القلب تارة اُخرى. وهذه الصلاة تتناسب وشأننا، لكن مثل هذه الصلاة لا تليق بأفراد عظام مثل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). صلاة الرّسول ينبغي أن تكون بأجمعها اتصالا عميقاً بالله تعالى، وإن فعل الرّسول غير ذلك فلا يعني أنه ارتكب محرّماً، بل يعني أنه ترك الاُولى.

وآدم كان يليق به أن لا يأكل من تلك الشجرة، وإن كان الأكل منها غير محرّم بل «مكروهاً».

2 ـ نهي الله لآدم إرشادي، مثل قول الطبيب: لا تأكل الطعام الفلاني فتمرض. والله سبحانه قال لآدم: لا تقرب هذه الشجرة فتخرج من الجنّة. وآدم في أكله من الشجرة خالف نهياً إرشادياً.

3 ـ الجنّة التي مكث فيها آدم لم تكن محلا للتكليف، بل كانت دورة

(169)

إختبارية وتمهيدية لآدم كي يهبط بعدها إلى الأرض. وكان النهي ذا طابع إختياري(1).

3 ـ المقارنة بين معارف القرآن والتوراة:

أكبر مفاخر آدم وأعظم نقاط قوته التي جعلته زبدة الكون ومسجود الملائكة هي ـ كما يظهر من الآيات ـ تعليمه الأسماء وإطلاعه على حقائق الكون وأسراره.

واضح أن آدم خُلق لهذه العلوم، وأبناء آدم ـ إن أرادوا التكامل ـ عليهم أن يستزيدوا من هذه العلوم، وتكاملهم يتناسب مرادفاً مع معلوماتهم عن أسرار الخليفة.

نعم، القرآن يصرّح بأن عظمة آدم تكمن في هذه النقطة. ولكن التوراة تذهب إلى أن سبب خروج آدم من الجنّة وخطيئته الكبرى هو اتجاهه نحو العلم ومعرفة الصالح والطالح!

جاء في الفصل الثاني من «سفر التكوين» من التوراة:

«وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ ووَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْن لَيَعْلَمَهَا وَيَحْفَظَهَا. وَأَوْصَى الرَّبُ الإلَهُ آدَمَ قَائِلا مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ آكْلا. وَأَمَّا شَجَرَةٌ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا. لاَِنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ».

وجاء في الفصل الثالث من التوراة:

«وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِياً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ. فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَإمْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسْطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ أَيْنَ أَنْتَ. فَقَالَ سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لاَِنّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأَتُ. فَقَالَ مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ

___________________________

1 ـ لمزيد من التوضيح في هذا المجال، راجع المجلد الرابع من هذا التّفسير، ذيل الآيات (19 ـ 22) من سورة الأعراف، والمجلد العاشر ذيل الآية (121) من سورة طه.

(170)

عُرْيَان. هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا. فَقَالَ آدَمُ: الْمَرَأَةُ الَّتي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ. ...

وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ هُوَ ذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِد مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَ، وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرِةِ الحَيوة أَيْضاً وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْن لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتي أُخِذَ مِنْهَا. فَطَرَدَ الإِنْسَانَ وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْن الْكَرُوبيمَ وَلَهِيبَ سَيْف مُتَقَلَّب لِحَرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيوة»!!

من هذه «الأُسطورة التافهة»، التي تعرضها التوراة الحالية باعتبارها واقعاً تاريخياً يتبين لنا رأي التوراة الحالية في سبب خروج آدم من الجنّة، فهو على رأي هذه الأُسطورة معرفة آدم بالخير والشر، وذنبه الأكبر هو الإِتجاه نحو العلم والمعرفة!!

وإن لم يمدّ آدم يدَه إلى «شجرة الخير والشّر» لبقي جاهلا حتى بقبح التعرّي، ولما أُخرج من الجنّة، بل كان فيها خالداً.

فيا عجباً، لِمَ إذاً حزن آدم على خروجه من الجنّة إذا كان خروجه قد اقترن بإكتسابه العلم والمعرفة وبتمييزه بين الخير والشر، إنها صفقة رابحة تلك التي حصل عليها آدم، فلماذا ندم عليها؟!

ويتضح من ذلك أنّ أُسطورة التوراة تقع في النقطة المقابلة للإِتجاه القرآني الذي يرى أن مكانة الإِنسان ومقامه وسرّ خلقته تكمن في «تعليمه الأسماء».

أضف إلى ما سبق أن هذه الأُسطورة تتضمّن مفاهيم مشينة مخجلة بشأن الله سبحانه وبشأن المخلوقات، كل واحدة منها تثير الدهشة أكثر من غيرها، وهي عبارة عن:

1 ـ نسبة الكذب إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً (كما جاء في الجملة 17 من الاصحاح الثاني: أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها: لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)!

(171)

2 ـ نسبة البخل إلى الله سبحانه (كما جاء في الجملة 22 من الاصحاح الثالث: وقال الرب الإِله هو ذا الإِنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمدّ يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الإبد)!.

3 ـ إمكان وجود الشريك لله تعالى (كما في العبارة السابقة: قد صار كواحد منا).

4 ـ نسبة الحسد إلى الله (ويستفاد ذلك من العبارة السابقة أيضاً).

5 ـ تجسيم الله سبحانه (... وسمعا صوت الرب الإِله ماشياً في الجنّة عند هبوب ريح النهار)!

6 ـ نسبة الجهل إلى الله بالحوادث التي تقع قريباً منه (كما تقول هذه التوراة: فاختبأ آدم وامرأته من وجه الربّ الإِله في وسط شجر الجنّة. فنادى الرب الإِله آدم وقال له: أين أنت؟!).

(ولابدّ من التأكيد هنا أن هذه الخرافة لم تكن في التوراة المنزلة، بل أُضيفت فيما أضيف إلى التوراة).

4 ـ المقصود من الشّيطان في القرآن

كلمة الشيطان من مادة «شطن» و«الشاطن» هو الخبيث والوضيع. والشيطان تطلق على الموجود المتمرد العاصي، إنساناً كان أو غير إنسان، وتعني أيضاً الروح الشريرة البعيدة عن الحق. وبين كل هذه المعاني قدر مشترك.

والشّيطان اسم جنس عام، وإبليس اسم علم خاص، وبعبارة اُخرى، الشيطان كل موجود مؤذ مغو طاغ متمرّد، إنساناً كان أم غير إنسان ، وإبليس اسم الشيطان الذي أغوى آدم ويتربّص هو وجنده الدوائر بأبناء آدم دوماً.

من مواضع استعمال هذه الكلمة في القرآن يفهم أن كلمة الشيطان تطلق على الموجود المؤذي المضر المنحرف الذي يسعى إلى بث الفرقة والفساد

(172)

والاختلاف. مثل قوله تعالى:

(إِنَّما يُريدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ...)(1).

وفي استعمال فعل المضارع «يريد» دلالة على استمرار إرادة الشيطان على هذا النحو.

والاستعمال القرآني لكلمة شيطان يشمل حتى أفراد البشر المفسدين المعادين للدعوة الإِلهية، كقوله تعالى:

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الاِْنْسِ وَالْجِنِّ)(2).

كلمة الشيطان أُطلقت على إبليس أيضاً بسبب فساده وإنحرافه.

والميكروبات المضرّة تشملها كلمة الشيطان أيضاً، كما ورد عن علي أمير المؤمنين(عليه السلام): «لاَ تَشْرَبُوا الْمَاءَ مِنْ ثُلْمَةِ الاِْنَاءِ وَلاَ مِنْ عُرْوَتِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَقْعُدَ عَلَى الْعُرْوَةِ وَالثُّلْمَةِ»(3).

وروي عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): «وَلاَ يُشْرَبُ مِن أُذُنِ الْكُوْزِ، وَلاَ مِنْ كَسْرِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ، فَأِنَّهُ مَشْرَبُ الشَّيَاطِين»(4).

وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «لاَ يُطَوِّلَنَّ أَحَدُكُمْ شَارِبَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَّخِذُهُ مَخْبَئاً يَسْتَتِرُ بِهِ»(5).

ومن الواضح أننا لا نقصد أن معنى كلمة الشيطان هو الميكروب أينما وردت هذه الكلمة، بل نقصد أن الكلمة لها معان متعددة، أحد مصاديقها الواضحة «إبليس» وجنده وأعوانه. ومصداقها الآخر أفراد البشر المفسدون المنحرفون. ووردت في مواضع اُخرى بمعنى الميكروبات المؤذية (تأمل بدقّة)!

___________________________

1 ـ المائدة، 91.

2 ـ الأنعام، 112.

3 ـ كتاب الكافي، ج 6، كتاب الأطعمة والأشربة، باب الأواني.

4 ـ كتاب الكافي، ج 6، كتاب الأطعمة والأشربة، باب الأواني.

5 ـ كتاب الكافي، ج 6، ص 487، ح 11.

(173)

5 ـ لماذا خُلق الشيطان؟!

يثار أحياناً سؤال عن سبب خلق هذا الموجود المضل المغوي. وفي الجواب نقول:

أوّلا: لم يخلق الله الشيطان، شيطاناً. والدليل على ذلك وجوده بين ملائكة الله وعلى الفطرة الطاهرة. لكنه بعد تحرره أساء التصرف، وعزم على الطغيان والتمرّد. إنه إذن خلق طاهراً، وسلك طريق الإِنحراف مختاراً.

ثانياً: وجود الشيطان لا يسبب ضرراً للأفراد المؤمنين، ولطلاب طريق الحق، في منظار نظام الخليقة. بل إنه وسيلة لتقدمهم وتكاملهم، إذ إن التطوّر والتقدّم يتم من خلال صراع الأضداد.

بعبارة أوضح: قوى الإنسان وطاقاته الكامنة لا تتأهب ولا تتفجر إلاّ حينما يواجه الإِنسان عدواً قوياً. هذا العدوٌ يؤدّي إلى تحريك طاقات الإِنسان وبالتالي إلى تقدّمه وتكامله.

الفيلسوف المعاصر «توينبي» يقول: «لم تظهر في العالم حضارة راقية إلاّ بعد تعرّض شعب من الشعوب إلى هجوم خارجي قوي. وهذا الهجوم يؤدي إلى تفجير النبوغ والكفاءات، لصنع مثل هذه الحضارة».

* * *

(174)

الآيات

فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَـت فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37) قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدىً فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(38) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَايَـتِنَآ أُولَـئِكَ أَصْحَـبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـلِدوُنَ(39)

التّفسير

عودة آدم(عليه السلام) إلى الله

بعد حادثة وسوسة إبليس، وصدور الأمر الإِلهي لآدم بالخروج من الجنّة، فهم آدم أنه ظلم نفسه، وأنه أُخرج من ذلك الجوّ الهاديء المنعّم على أثر إغواء الشيطان، ليعيش في جوّ جديد مليء بالتعب والنصب. وهنا أخذ آدم يفكر في تلافي خطئه، فاتجه بكل وجوده إلى بارئه وهو نادم أشدّ الندم.

وأدركته رحمة الله في هذه اللحظات كما تقول الآية (فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الْرَّحِيمُ).

«التوبة» في اللغة بمعنى «العودة»، وهي في التعبير القرآني، بمعنى العودة عن الذنب، إن نُسبت إلى المذنب. وإن نسبت كلمة التوبة إلى الله فتعني عودته سبحانه إلى الرحمة التي كانت مسلوبة عن العبد المذنب. ولذلك فهو تعالى

(175)

«توّاب» في التعبير القرآني.

بعباة اُخرى «توبة» العبد عودته إلى الله، لأن الذنب فرار من الله والتوبة رجوع إليه. وتوبة الله، إغداق رحمته على عبده الآيب(1).

صحيح أن آدم لم يرتكب محرّماً، ولكن ترك الأَولى يعتبر معصية منه. ولذلك سرعان ما تدارك الموقف، وعاد إلى خالقه.

وسنتحدث فيما بعد عن المقصود بــ «الكلمات» في الآية.

على أيّ حال، لقد حدث ما لا ينبغي أن يحدث ـ أو ما ينبغي أن يحدث ـ وقُبلت توبة آدم. لكن الأثر الوضعي للهبوط في الأرض لم يتغير، كما يذكر القرآن: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنّي هُدىً، فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

* * *

1 - الكلمات التي تلقاها آدم

تعددت الآراء في تفسير «الكلمات»، التي تلقاها آدم(عليه السلام) من ربّه.

المعروف أنها الكلمات المذكورة في الآية 23 من سورة الأعراف: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَم تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

وقال آخرون أن المقصود من الكلمات هذا الدعاء:

«اَللَّهُمَّ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ خَيْرُ الْغَافِرينَ».

___________________________

1 ـ ولذلك، توبة العبد تتعدى بحرف الجر (إلى)، وتوبة الله تتعدى بــ(على)، فيقال في الاُولى «تاب إليه» وفي الثانية «تاب عليه»، راجع التّفسير الكبير للفخر الرازي وتفسير الصافي، ذيل آيات بحثنا.

(176)

«اَللَّهُمَّ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَك وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَارْحَمْنِي إِنَّكَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ».

«اَللَّهُمَّ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».

وهذا ما نقل في رواية عن الإِمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام)(1).

مثل هذه التعابير ذكرها القرآن على لسان يونس وموسى(عليهما السلام). يونس ناجى ربّه فقال: (سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(2). وموسى أيضاً: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ)(3).

وفي روايات وردت عن طرق أهل البيت(عليهم السلام) أن المقصود من «الكلمات» أسماء أفضل مخلوقات الله وهم: محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ وآدم توسل بهذه الكلمات ليطلب العفو من ربّ العالمين فعفا عنه.

هذه التفاسير الثلاثة لا تتعارض مع بعضها، ولعلّ آدم تلقى من ربّه كل هذه الكلمات، كي يحدث فيه تغيير روحي تام بعد أن يعي حقيقة هذه الكلمات، وليشمله بعد ذلك لطف الله ورحمته.

2 ـ سبب تكرار جملة «اهْبِطُوا»

الأمر بالهبوط تكرر في الآيتين: 36 و 38 من هذه السّورة، أي قبل توبة آدم وحواء وبعدها. للمفسرين رأيان في سبب التكرار، بعضهم قالوا للتأكيد، وآخرون قالوا إن موضوع الجملة الاُولى يختلف عن موضوع الجملة الثانية.

والظاهر أن الجملة الثانية توضح لآدم مسألة عدم إنتفاء الأمر بالهبوط في

___________________________

1 ـ مجمع البيان، ذيل الآيات التي نحن بصددها.

2 ـ الأنبياء، 87.

3 ـ القصص، 16.

(177)

الأرض بعد قبول التوبة، وعدم الإِنتفاء هذا يعود إمّا إلى أن آدم قد خلق منذ البداية لهذا الهدف، أو لأن هذا الهبوط أثر وضعي لعمله. وهذا الأثر الوضعي لا يتغير بالتوبة.

3 ـ من هم المخاطبون في جملة «اهْبِطُوا»؟

الضمير في «اهبطوا» للجمع، بينما عدد المخاطبين إثنان فقط، هما آدم وزوجه. والجمع هنا ناظر إلى النتيجة التي تستتبع هبوط آدم وحواء في الأرض. فأبناؤهما وأجيال البشر بعدهما سيستقرون على هذه المعمورة.

* * *

(178)

الآية

يَـبَنِى  إِسْر ءِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِىَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّـىَ فَارْهَبُونِ(40)

التّفسير

ذكر النِّعم الإِلهية

مرّت بنا في الآيات السابقة قصّة خلافة آدم في الأرض، وموقف الملائكة منه، ثم نسيانه العهد الإِلهي وهبوطه إلى الأرض، وبعد ذلك توبته.

ومن أحداث قصّة آدم(عليه السلام)، اتضح أن الساحة الكونية تنطوي دوماً على قوتين: قوّة الحق وقوّة الباطل. وهاتان القوتان متقابلتان ومتصارعتان، ومن اتبع الشيطان في هذا الصراع فقد اختار طريق الباطل، ومصيره الابتعاد عن الجنّة والسّعادة، ومعاناة المصائب والآلام، ومن ثمّ الندم. ومن إلتزم بأوامر الله ونواهيه وتغلب على وساوس الشيطان وأتباعه، فقد سار على طريق الحق، وابتعد عن نكد العيش وضنكه وآلامه.

لما كانت قصّة بني إسرائيل ابتداءً من تحررهم من السيطرة الفرعونية واستخلافهم في الأرض، ومروراً بنسيان العهد الإِلهي، وانتهاءً بسقوطهم في حضيض الإِنحراف والعذاب والمشقة، تشبه إلى حد كبير قصة آدم، بل هي فرع

(179)

من ذلك الأصل العام، فإن الله سبحانه في آية بحثنا وعشرات الآيات الاُخرى التالية، بيّن مقاطع من حياة بني إسرائيل ومصيرهم، لإِكمال الدرس التربوي الذي بدأ بقصة آدم.

يوجه القرآن خطابه إلى بني إسرائيل ويقول: (يَا بني إسرائيل اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوفُوا بِعَهْدِي اُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبِونِ).

الأوامر الثلاثة التي تذكرها الآية الكريمة وهي: تذكّر النعم الإِلهية، والوفاء بالعهد، والخوف من الله، تشكل المنهج الإِلهي الكامل للبشرية.

تذكّر النعم الإِلهية يحفّز الإِنسان للإِتجاه نحو معرفة الله سبحانه وشكره. واستشعار العهد الإِلهي الذي يستتبع النعم الإِلهية يدفع الكائن البشري إلى النهوض بمسؤولياته وواجباته. ثم الخوف من الله وحده ـ دون سواه ـ يمنح الإِنسان العزم على تحدّي كل العقبات التي تقف بوجه تحقيق أهدافه والإِلتزام بعهده. لأن التخوف الموهوم من هذا وذاك أهم موانع الإِلتزام بالعهد الإِلهي. وظاهرة الخوف كانت متغلغلة في أعماق نفوس بني إسرائيل نتيجة السيطرة الفرعونية الطّويلة عليهم.

* * *

1 ـ اليهود في المدينة

يحتل الحديث عن اليهود قسماً هاماً من سورة البقرة، التي هي أوّل سورة نزلت في المدينة كما صرح بذلك بعض العلماء، لأنّ اليهود كانوا أشهر مجموعة من أهل الكتاب في المدينة، وكانوا قبل ظهور النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ينتظرون رسولا بشّرت به كتبهم الدينيّة، كما أنهم كانوا يتمتعون بمكانة إقتصادية مرموقة، ولذلك كله كان لليهود نفوذ عميق في المدينة.

(180)

ولمّا ظهر الإِسلام، باعتباره الرسالة التي تقف بوجه مصالحهم اللامشروعة وإنحرافاتهم وَغَطْرَسَتِهِمْ، فمضافاً إلى عدم إيمانهم به وقفوا بوجه الدعوة، وبدأوا يحوكون ضدها المؤامرات التي لا زالت مستمرة بعد أربعة عشر قرناً من البعثة النبوية المباركة.

الآية المذكورة وآيات تالية أنحت باللائمة الشديدة على اليهود، وهزت عواطفهم بذكر مقاطع حساسة من تاريخهم، بحيث لو كان لأحدهم قليل من الموضوعية لإِستيقظ واتجه نحو الإِسلام. كما إن هذا السرد لتاريخ اليهود درس مليء بالعبر للمسلمين.

وسنقف في آيات تالية بإذن الله عند دروس من تاريخ اليهود، مثل نجاتهم من فرعون، وانفلاق البحر لهم، وغرق الفرعونيين، وميعاد موسى في جبل الطور، وعبادة بني إسرائيل للعجل في غياب موسى، والأمر بالتوبة وقتل النفس، ونزول النعم الخاصة الإِلهية، وأمثالها من الدروس.

* * *

2 ـ ميثاق بني إسرائيل:

ميثاق بني إسرائيل الإِلهي يتكون من اثني عشر بنداً، عشر منها ذكرت في آيتين متواليتين من هذه السّورة.

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ، وَبِالْولِدَيْنِ إِحْسَاناً، وَذِي الْقُرْبى، وَالْيَتَامى، وَالمَسَاكِينِ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَأتُوا الزَّكَاةَ ... وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)(1).

___________________________

1 ـ البقرة، 83 و 84.

(181)

وبندان ذكرا في الآية الكريمة:

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي، وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ...)(1).

 

وهما: الإِيمان بالأنبياء ومؤازرتهم.

كانَ بنو إسرائيل قد وُعدوا بالنعيم إن وفوا بعهودهم، (وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ) لكنهم نقضوا الميثاق، ولا يزالون حتى اليوم ينقضونه.

وكان نتيجة ذلك التشتيت والتشريد، وسيبقون كذلك ما داموا ناكثين. وإذا رأينا لهم يوماً جولة وضجيجاً بفضل الدعم الإِستكباري لهم، فإن هذه الجولة سرعان ما ستخبو إن شاء الله أمام صولة أبناء الإِسلام ... وها نحن نرى في الأُفق بوادر الصحوة الإِسلامية التي تدفع بالشباب أن يتخلوا عن المدارس الفكرية المنحرفة والإِتجاهات القومية والعنصرية الكافرة ويقضوا على هذا الضجيج.

* * *

3 ـ وفاء الله بعهده

نعم الله تستتبعها دوماً قيود وشروط، وإلى جانب كل نعمة، مسؤولية و شرط.

عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) في قوله الله عزّ وجلّ: (أوفوا بعَهْدِي)قال: قال بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام)«أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أُوفِ لَكُمْ بِالْجَنَّةِ»(2).

ولا عجب إنْ ورد الإِيمان بولاية علي(عليه السلام) في هذا الحديث، باعتباره جزءاً من العهد. لأن الإِيمان بالأنبياء ومؤازرتهم، من بنود العهد مع بني إسرائيل، ويستتبع ذلك الإِيمان بخلفاء الأنبياء باعتبارهم إمتداداً لمسألة القيادة والولاية وهذه المسألة ينبغي تحققها بشكل يتناسب مع زمانها. موسى(عليه السلام) في زمانه كان

___________________________

1 ـ المائدة، 12.

2 ـ تفسير نور الثقلين، المجلد الأول الصفحة 72.

(182)

يتولى مسؤولية القيادة والولاية، والرّسول الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي كان يتولى هذه المسؤولية في عصره، ثم تولاّها في زمن تال علي بن أبي طالب(عليه السلام).

جملة (إِيّايَ فَارْهَبُونِ) تأكيد على كسر كل حواجز الخوف القائمة في طريق الوفاء بالعهد الإِلهي، وعلى الخوف من الله وحده دون سواه، وهذا الحصر يتضح من تقديم ضمير النصب المنفصل «إيّاي» على جملة «فَارْهَبُونِ».

* * *

4 ـ لماذا سمي اليهود «بني إسرائيل»؟

«إسرائيل» أحد أسماء يعقوب والد يوسف، وفي سبب تسمية يعقوب بهذا الاسم، ذكر المؤرّخون غير المسلمين عللا ممزوجة بالخرافة.

ورد في «قاموس الكتاب المقدس»: «أن إسرائيل تعني الشخص المنتصر على الله»!! ويقول: «وهذه الكلمة لُقِّبَ بها يعقوب بن إسحاق بعد أن صرع الملك الإِلهي».

ويقول تحت عنوان «يعقوب»: إنه أثبت مقاومته واستقامته وإيمانه، وفي هذه الحالة غيّر الله اسمه إلى «إسرائيل»، ووعده أن يكون أباً لكل الطوائف ... ثم مات بعد أن هرم، ودفن كما يدفن السلاطين الدنيويون وأُطلق اسم يعقوب وإسرائيل على جميع قومه».

ويقول تحت كلمة «إسرائيل»: «لهذا الاسم معان كثيرة، يقصد به أحياناً نسل إسرائيل ونسل يعقوب»(1).

أمّا علماؤنا كالمفسر المعروف «الطبرسي(رحمه الله)» فيقول في «مجمع البيان»: إن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم(عليه السلام) وإن «اسر» تعني «العبد» و«ئيل»

___________________________

1 ـ قاموس الكتاب المقدس، ص 53 و 957.

(183)

بمعنى الله، فيكون معنى إسرائيل عبد الله.

واضح أن ما تتحدث عنه التوراة من مصارعة بين يعقوب والملك الإِلهي، أو بين يعقوب والله، خرافة وسخافة لا تتناسب إطلاقاً مع الكتاب الإِلهي، وهي أوضح دليل على تحريف التوراة الموجودة.

* * *

(184)

الآيات

وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِـمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِر بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِـايـتِى ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّـىَ فَاتَّقُونِ(41) وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَـطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ(42)وَأَقِيمُواْ الصَّلَو ةَ وَءَاتُواْ الزَّكَو ةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّ كِعِينَ(43)

سبب النّزول

ذكر بعض المفسرين العظام رواية عن الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): في سبب نزول هذه الآية قال: «كَانَ حَيُّ بن أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ أَشْرَفَ وَآخَرُونَ مِنَ الْيَهُودِ، لَهُمْ مَأْكَلَة عَلَى الْيَهُودِ في كُلِّ سَنَة، فَكَرِهُوا بُطْلاَنَهَا بِأَمْرِ النَّبِيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فَحَرَّفُوا لِذَلِكَ آيَات مِنَ التَّوْرَاةِ فِيهَا صِفَتُهُ وَذِكْرُهُ فَذَلِكَ الَّثمَنُ الَّذي أُرِيدَ فِي الاْيَةِ»(1).

التّفسير

جشع اليهود

الآيات المذكورة أعلاه تتطرق إلى تسعة من بنود العهد الذي أخذه الله على

___________________________

1 ـ تفسير مجمع البيان، المجلد الاُول ذيل الآية.

(185)

بني إسرائيل.

يقول تعالى: (وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُم)، فالقرآن مصدق لما مع اليهود من كتاب. أي أن البشائر التي زفتها التوراة والكتب السماوية الاُخرى بشأن النّبي الخاتم، والأوصاف التي ذكرتها لهذا النّبي والكتاب السماوي تنطبق على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى القرآن المنزل عليه. فلماذا لا تؤمنون به؟!

ثمّ يقول سبحانه: (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِر بِهِ) أي ـ لا عجب أن يكون المشركون والوثنيون في مكة ـ كفّاراً بالرسالة، بل العجب في كفركم، بل في كونكم روّاداً للكفر، وسباقين للمعارضة. لأنكم أهل الكتاب، وكتابكم يحمل بشائر ظهور هذا النّبي، وكنتم لذلك تترقبون ظهوره. فما عدى ممّا بدا؟ ولماذا كنتم أول كافر به؟!.

إنه تعنتهم الذي لولاه لكانوا أول المؤمنين برسالة النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم).

المقطع الثالث من الآية يقول: (وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلا).

آيات الله، لا ينبغي ـ دون شك ـ معاوضتها، بأي ثمن، قليلا كان أم كثيراً. وفي تعبير هذه الآية إشارة إلى دناءة هذه المجموعة من اليهود، التي تنسى كل إلتزاماتها من أجل مصالحها التافهة. هذه الفئة، التي كانت قبل البعثة من المبشرين بظهور نبي الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبكتابه السماوي، أنكرت بشارات التوراة وحرفتها، حين رأت مصالحها معرضة للخطر، وعلمت أن مكانتها الإِجتماعية معرضة للإنهيار عند انكشاف الحقيقة للناس.

في الواقع، لو اُعطيت الدنيا بأجمعها لشخص ثمناً لإِنكار آية واحدة من آيات اللّه، لكان ثمناً قليلا، لأنّ هذه الحياة فانية، والحياة الاُخرى هي دار البقاء والخلود. فما بالك بإنسان يفرّط بهذه الآيات الإِلهية في سبيل مصالحه التافهة؟!

في المقطع الرابع تقول الآية: (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)، والخطاب موجّه إلى زعماء اليهود الذين يخشون أن ينقطع رزقهم، وأن يثور المتعصبون اليهود ضدّهم،

(186)

وتطلب منهم أن يخشوا الله وحده، أي أن يخشوا عصيان أوامره سبحانه.

في البند الخامس من هذه الأوامر ينهى الله سبحانه عن خلط الحق بالباطل (وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ).

وفي البند السادس ينهى عن كتمان الحق: (... وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

كتمان الحق، مثل خلط الحق بالباطل ذنب وجريمة، والآية تقول لهم: قولوا الحق ولو على أنفسكم، ولا تشوهوا وجه الحقيقة بخلطها بالباطل وإن تعرضت مصالحكم الآنية للخطر.

البند السابع والثامن والتاسع من هذه الأوامر يبينه قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).

البند الأخير يأمر بالصلاة جماعة، غير أن «الركوع» هو الذي ذكر دون غيره من أجزاء الصلاة، ولعل ذلك يعود إلى أنّ صلاة اليهود كانت خالية من الركوع، تماماً، بينما احتل الركوع مكان الرّكن الأساسي في صلاة المسلمين.

ومن الملفت للنظر أنّ الآية لم تقل «أدّوا الصلاة»، بل قالت: (أقيموا الصَّلاَةَ)، وهذا الحث يحمّل الفرد مسؤولية خلق المجتمع المصلي، ومسؤولية جذب الآخرين نحو الصلاة.

بعض المفسرين قال إن تعبير «أَقيمُوا» إشارة إلى إقامة الصلاة كاملة، وعدم الاكتفاء بالاذكار والاوراد، وأهم أركان كمال الصلاة حضور القلب والفكر لدى الله سبحانه، وتأثير الصلاة على المحتوى الداخلي للإنسان(1).

هذه الأوامر الأخيرة تتضمن في الحقيقة: أولا بيان إرتباط الفرد بخالقه (الصلاة)، ثمّ إرتباطه بالمخلوق (الزكاة)، وبعد ذلك إرتباط المجموعة البشرية مع

___________________________

1 ـ المنار، ج 2، ص 293، ومفردات الراغب، مادة «قوم».

(187)

بعضها على طريق الله!.

* * *

بحوث

هل يؤيّد القرآن ما جاء في التّوراة والإِنجيل؟!

في مواضع عديدة يصرّح القرآن بتصديقه لما جاء في الكتب الإِلهية السابقة، كما جاء في الآية المذكورة: (مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ) وكما جاء في الآيتين 89 و 101 من سورة البقرة: (مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ). وفي الآية 48 من سورة المائدة: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ).

بعض دعاة اليهودية والنصرانية. استدلوا بهذه الآيات لإِثبات عدم تحريف التوراة والإِنجيل. وقالوا: إن التوراة والإِنجيل في عصر نبي الإِسلام لا يختلفان حتماً عمّا عليه الآن. وإن أصابهما تحريف فهذا التحريف يعود إلى فترة سابقة على ذلك العصر. ولما كان القرآن قد أيّد صحة التوراة والإِنجيل الموجودين في عصر نبي الإِسلام، فعلى المسلمين أن يعترفوا بصحة هذين الكتابين الموجودين بين ظهرانينا اليوم.

الجواب

يؤكد القرآن في مواضع عديدة وجود علائم نبي الإِسلام ودينه في تلك الكتب المحرفة التي كانت موجودة في أيدي اليهود والنصارى آنذاك. وهذا يعني وجود حقائق في تلك الكتب لم تمتد إليها يد التحريف، ذلك لأنّ التحريف لا يعني تغيير كل نصوص تلك الكتب السماويّة، بل إن تلك الكتب كانت تحمل بين طياتها حقائق، ومن تلك الحقائق علامات النّبي الخاتم (ولا زالت بعض هذه

(188)

البشائر مشهودة في الكتب الموجودة الآن).

بعثة النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) وكتابه السماوي تصديق لما جاء في تلك الكتب من علامات، أي تحقيق عملي لِتلك العلامات. وكلمة التصديق بمعنى (التحقيق العملي) وردت في مواضع اُخرى من القرآن الكريم كقوله تعالى لنبيّه إبراهيم(عليه السلام): (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)(1).

أي أنك قد حققت عملياً رؤياك.

وتصرح الآية 157 من سورة الأعراف بأن الرّسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) تحقيق عملي لما يجدونه مكتوباً في التوراة والإِنجيل: (اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيِّ الاُْمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبَاً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالاَْنْجِيلِ ...)(2).

على أي حال، ليس في الآيات المذكورة دلالة على تصديق جميع محتويات التوراة والإِنجيل، بل دلالتها تقتصر على «التصديق العملي» لما جاء في الكتب الموجودة بيد اليهود والنصارى بشأن النّبي الخاتم وكتابه. هذا، إلى جانب وجود آيات عديدة في القرآن تتحدث عن تحريف اليهود والنصارى لآيات التوراة والإِنجيل، وهو شاهد حيّ صريح على مسألة التحريف.

شاهد حيّ آخر:

«فخر الإِسلام» ـ الذي كان من كبار قساوسة المسيحيين، وتتلمذ عند علمائهم حتى حاز مراتب كبيرة في الدراسات الكنيسة ـ يتحدث في مقدمة كتابه «أنيس الاعلام» عن انتقاله من المسيحية إلى الإِسلام فيقول:

«... بعد بحث طويل وعناء كبير وتجوال في المدن، عثرت على قسيس كبير متميز في زهده وتقواه، كان يرجع إليه الكاثوليك بما فيهم سلاطينهم، تعلمت

___________________________

1 ـ الصافات، 105.

2 ـ الأعراف، 157.

(189)

عليه زمناً مذاهب النصارى، وكان له طلاب كثيرون، ولكنه كان ينظر إليّ من بينهم نظرة خاصة، وكانت كل مفاتيح البيت بيدي، إلا مفتاحاً واحداً لغرفة صغيرة، احتفظ به عنده ... .

وفي يوم اعتلّت صحة القسيس، فقال لي: قل للطلاب إني لا أستطيع التدريس اليوم. حينما جئت الطلاب وجدتهم منهمكين في نقاش حول معنى «فارقليطا» في السريانية، و«پريكلتوس» في اليونانية ... واستمر بينهم النقاش، وكل كان يدلي برأيه ... .

بعد أن عدت إلى الاُستاذ سألني عما كان يدور بين الطلاب، فأخبرته، فقال لي: وما رأيك؟

قلت: اخترت الرأي الفلاني.

قال القسيس: ما قصّرت في عملك، ولكن الحقّ غير ذلك. لأن حقيقة هذا الأمر لا يعلمها إلا الراسخون في العلم، وقليل ماهم. أكثرت في الالحاح عليه أن يوضح لي معنى الكلمة. فبكى بكاءً مرّاً وقال: لم أخف عليك شيئاً ... إن لفهم معنى هذه الكلمة أثراً كبيراً، ولكنه إن انتشر فسنتعرض للقتل! فإن عاهدتني أن لا تفشيه فسأخبرك ... فأقسمت بكل المقدسات أن لا أذكر ذلك لأحد، فقال: إنه اسم من أسماء نبي المسلمين، ويعني «أحمد» و«محمّد».

ثم أعطاني مفتاح الغرفة وقال: افتح الصندوق الفلاني، وهاتِ الكتابين اللذين فيه، جئت إليه بالكتابين وكانا مكتوبين باليونانية والسريانية على جلد، ويعودان إلى عصر ما قبل الإِسلام.

الكتابان ترجما «فارقليطا» بمعنى أحمد ومحمّد، ثم أضاف الاُستاذ: علماء النصارى كانوا مجمعين قبل ظهوره أن «فارقليطا» بمعنى «أحمد ومحمّد»، ولكن بعد ظهور محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، غيّروا هذا المعنى حفظاً لمكانتهم ورئاستهم وأوّلوه، واخترعوا له معنى آخر لم يكن على الإِطلاق هدف صاحب الإِنجيل.

(190)

سألته عما يقوله بشأن دين النصارى؟ قال: لقد نسخ بمجيء الإِسلام، وكرر ذلك ثلاثاً، ثم قلت:

ما هي طريقة النجاة والصراط المستقيم في زماننا هذا؟ قال: إنما هي باتباع محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).

قلت: وهل التابعون له ناجون؟

قال: إي والله، وكرر ذلك ثلاثاً.

ثم بكى الاُستاذ وبكيت كثيراً ثم قال: إذا أردت الآخرة والنجاة فعليك بدين الحق ... وأنا أدعو لك دائماً، شرط أن تكون شاهداً لي يوم القيامة أنّي كنت في الباطن مسلماً، ومن أتباع محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ... وما من شك أن الإِسلام هو دين الله اليوم على ظهر الأرض»(1).

وكما يلاحظ فإن هذه الوثيقة الهامة تصرّح بما فعله علماء أهل الكتاب بعد ظهور نبي الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) من تحريف لتفسير اسم النّبي وعلاماته، تحقيقاً لمصالحهم الشخصية.

* * *

___________________________

1 ـ نقلا باختصار عن «الهداية الثانية» مقدمة كتاب «أنيس الأعلام».

(191)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=689
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19