• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تدوين القرآن ، تأليف : الشيخ علي الكوراني .
                    • الموضوع : 2 ـ محاولة تحريف آية نزلت في علي .

2 ـ محاولة تحريف آية نزلت في علي

2 ـ محاولة تحريف آية نزلت في علي

آية : ومن عنده علم الكتاب

في القرآن الكريم عدة تعبيرات عن العلم بالكتاب الإلهي .. منها تعبير : إيتاء الكتاب ، ويستعمل بمعنى الإيتاء العام للأمم ، حتى لأولئك الذين انحرفوا عن الكتاب الإلهي وضيعوه ولم يعرفوا منه إلا أماني .. قال الله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ـ آل عمران 19

ويستعمل بمعنى الإيتاء الخاص للأنبياء وأوصيائهم ، قال تعالى : أولئك الذين آتينا هم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين . أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ، قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين ـ الأنعام 90

ومنها تعبير : توريث الكتاب ، ويستعمل أيضاً بمعنى عام وخاص ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ـ فاطر 32

ومنها تعبير : الراسخون في العلم ، قال تعالى : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ـ آل عمران 7

ومنها تعبير : الذي عنده علم من الكتاب ، قال تعالى : قال يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين . قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين . قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ـ النمل 38 ـ 40

ومنها تعبير : الذي عنده علم الكتاب ، قال تعالى : ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب . يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب . أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب . وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعاً يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار . ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ـ الرعد ـ43

وقد وردت الروايات الصحيحة عندنا أن الراسخين في العلم ، والذين عندهم علم الكتاب ، هم بعد النبي أهل بيته(ص) .

ويدل عليه قول النبي(ص) : إني أوشك إن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما ، الذي رواه أحمد في مسنده ج 3 ص 17 وغيره ، وغيره .. بأسانيد صحيحة عند إخواننا ، فإنه لا معنى لإخبار الله تعالى لرسوله أنهما لن يفترقا الى يوم القيامة ، إلا أنه سيكون منهم إمام في كل عصر ، وأن علم الكتاب عنده ، فيكون أفضل من وزير سليمان ووصيه آصف بن برخيا الذي عنده علم من الكتاب .

وبما أن نص الآية الموجود في القرآن وَمَنْ عِنْدَهُ علم الكتاب فتكون من موصولة بمعنى الذي ..

لكن يطالعك في مصادر إخواننا أن الخليفة عمر حاول إبعاد الآية عن علي(ع) فقرأها ( وَمِنْ عِنْدِهِ ) فكسر مَنْ وكسر عِنْدَه ! وأراد بهاتين الكسرتين أن يغير معنى الآية من أساسه ليصير : قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عند الله علم الكتاب . وهذه القراءة لا معنى لها لأنها تقطع الربط بين الفقرتين ، وتجعل مِنْ عنده ابتداء بجملة جديدة بعيدة عن الموضوع ، مع أن الآية آخر آية في سورة الرعد ! والعجيب أن عمر نسب ذلك الى النبي(ص) !!

قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 69 ( وأخرج تمام في فوائده وابن مردويه عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومن عنده علم الكتاب ، قال : من عند الله علم الكتاب ) .

وفي كنز العمال ج 2 ص 593 ( عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : وَمِنْ عِنْدِهِ عِلمُ الكتاب ـ قط في الافراد وتمام وابن مردويه ) .

وفي ج12 ص589 (عن ابن عمر قال: قال عمر وذكر إسلامه فذكر أنه حيث أتى الدار ليسلم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: ومن عنده علم الكتاب ـ ابن مردويه ).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 155 ( وعن ابن عمر قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمِنْ عِنْدِهِ عِلمُ الكتاب ـ رواه أبو يعلى وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك ) انتهى .

والحمد لله أن إخواننا السنة لم يطيعوا هذه الروايات ، فالموجود في مصحف الجميع ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكتاب ) !

وبعد فشل محاولة قراءة ( وَمِنْ عِنْدِهِ ) بكسر ( مِن ) يبقى السؤال عن هذا الذي جعله الله شاهداً في الأمة على نبوة النبي(ص) ؟

أما أهل البيت وشيعتهم فقد رووا أن هذا الشاهد عليٌّ(ع) .. قال الحويزي في تفسير نور الثقلين ج 2 ص 523 ( في أمالي الصدوق رحمه الله بإسناده الى أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول الله(ص) عن قول الله جل ثناؤه قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ؟ قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب ) .

وقال العياشي في تفسيره ج 2 ص 220 ( عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر(ع) في قوله ومن عنده علم الكتاب ، قال : نزلت في علي(ع) ، إنه عالم هذه الأمة بعد النبي صلوات الله عليه وآله .

عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لأبي جعفر(ع) قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال : إيانا عني ، وعليٌّ أفضلنا وأولنا وخيرنا بعد النبي(ص) .

عن عبدالله بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر(ع): هذا ابن عبدالله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب قال : كذب .. هو علي بن أبي طالب !

عن عبدالله بن عجلان عن أبي جعفر(ع) قال : سألته عن قوله قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ، فقال : نزلت في علي بعد رسول الله(ص) وفي الأئمة بعده ، وعلي عنده علم الكتاب ) انتهى .

وقال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ج 1 ص 367 ( .. فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبدالله(ع) قال : الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين(ع) . وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم أم الذي عنده علم الكتاب ؟ فقال : ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر .. فقال أمير المؤمنين(ع): ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء الى الأرض وجميع ما فضلت به النبيون الى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين(ص) ) انتهى ، ولا نطيل بإيراد الروايات الدالة على ذلك من مصادرنا .

أما مفسروا إخواننا السنة فمنهم من تحير في تفسيرها ، ومنهم من فسرها برجل يهودي أسلم ! وكأن المهم عندهم إبعاد الآية عن علي ولو بتلبيسها ليهودي ، ولو لزم منها أن لا يكون في الأمة الإسلامية شخص عنده علم القرآن !!

قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 69 ( قوله تعالى ويقول الذين كفروا ... الآية . أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقف من اليمن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجدني في الإنجيل رسولاً ؟ قال لا ، فأنزل الله قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب يقول عبدالله بن سلام ! ) انتهى .

وحادثة أسقف اليمن كانت في المدينة ، لكن واضع الحديث لم يلتفت الى أن الآية نزلت في مكة قبل الهجرة !

ثم قال السيوطي ( وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق عبدالملك بن عمير أن محمد بن يوسف بن عبدالله بن سلام قال قال عبدالله بن سلام : قد أنزل الله فيَّ القرآن : قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب !

وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الملك بن عمير عن جندب رضي الله عنه قال جاء عبد الله بن سلام رضي الله عنه حتى أخذ بعضادتي باب المسجد ثم قال أنشدكم بالله أتعلمون أني أنا الذي أنزلت فيه ومن عنده علم الكتاب ؟ قالوا اللهم نعم !

وأخرج ابن مردويه من طريق عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه أنه لقي الذين أرادوا قتل عثمان رضي الله عنه فناشدهم بالله فيمن تعلمون نزل قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عند علم الكتاب ؟ قالوا فيك .

وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه أنه كان يقرأ ومن عنده علم الكتاب ، قال هو عبدالله بن سلام ) انتهى .

ثم روى السيوطي روايتين تكذبان أن يكون المقصود بالآية ابن سلام ، قال ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه سئل عن قوله ومن عنده علم الكتاب أهو عبد الله بن سلام رضي الله عنه ؟ قال وكيف وهذه السورة مكية ؟! )

وأخرج ابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال : ما نزل في عبدالله ابن سلام رضي الله عنه شئ من القرآن ) !

ثم روى تفسيراً آخر وسع فيه من عنده علم الكتاب ليشمل عدة أشخاص مع ابن سلام ، قال ( وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال كان من أهل الكتاب قوم يشهدون بالحق ويعرفونه منهم عبدالله بن سلام والجارود وتميم الداري وسلمان الفارسي ) .

ثم روى تفسيراً آخر جعل الشهداء على الأمة الإسلامية كل أهل الكتاب ! ـ الذين يشهدون ضدها ! قال ( وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومن عنده علم الكتاب قال هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ! ) .

وتفسيراً آخر جعله جبرئيل ، قال ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ومن عنده علم الكتاب قال : جبريل ) .

وتفسيراً آخر جعله الله عز وجل ، قال ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه ومن عنده علم الكتاب قال : هو الله عز وجل ) .

أما الطبري فخلاصة ما قاله في تفسيره ج 7 ص 118 أن في الآية قراءتين ، قراءة بالفتح فتكون من إسماً موصولاً ، وعليه فسروها بابن سلام واليهود والنصارى ، وروى في ذلك روايات ، ومن طريف ما رواه فيما بينها ( ... عن أبي صالح في قوله وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكتاب قال رجل من الإنس ولم يسمه ) وكأن أبا صالح خاف أن يقول إنه علي(ع) !

ثم ذكر الطبري أن في الآية قراءة بالكسر وأنه كان يقرؤها المتقدمون ، وكأنها عاشت مدة بعد عمر ثم تلاشت ! ثم روى روايات هذه القراءة عن مجاهد والحسن البصري وشعبة وقتادة وهارون والضحاك بن مزاحم .. وكلهم يبغضون علياً .. ! ثم قال ( وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بتصحيح هذه القراءة وهذا التأويل غير أن في إسناده نظراً ، وذلك ما حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثنى عباد بن العوام عن هرون الأعور عن الزهري عن سالم بن عبدالله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ وَمِنْ عِنْدِهِ عِلم الكتاب ، عند الله علم الكتاب ، وهذا خبر ليس له أصل عند الثقات من أصحاب الزهري . فإذا كان ذلك كذلك وكانت قراء الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق على القراءة الأخرى وهي وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكتاب كان التأويل الذي على المعنى الذي عليه قراء الأمصار أولى بالصواب ممن خالفه ، إذ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أحق بالصواب ) انتهى .

يقصد الطبري أن قراءة الفتح على الموصولية أصح من قراءة الجر . وقراءة قراء الأمصار أصح من قراءة الخليفة عمر ومن تبعه من كبار القراء والمفسرين القدماء .. والخبر الذي نفاه الطبري وقال لا أصل له عند الثقات من أصحاب الزهري هو الخبر المروي عن الخليفة عمر ، ولكن رواية القراءة بالكسر عن عمر ليست محصورة بطريق الزهري ، مع أنه يكفي أن أول من اخترع الكسر في الآية هو رواية الخليفة عمر !

أما الفخر الرازي فقد عجز عن تفسير الآية أو هرب من معركتها ! فاكتفى في تفسيره ج 19 ص 69 بذكر الأقوال في تفسيرها بناء على قراءة الفتح وبناء على قراءة الكسر ، ولم يستطع ترجيح أي قول منها ، فقال ( والله تعالى أعلم بالصواب ) .

وهكذا فرض مفسروا إخواننا السنة أن المقصود بالكتاب في الآية التوراة والإنجيل ، ودارت أقوالهم بين أن يكون الذي عنده علم الكتاب عبدالله بن سلام أو غيره من أمثاله ! وتركز جهدهم على إبعاد ( الكتاب ) عن القرآن !

وإن سألتهم : حسناً هذا عن علم التوراة والإنجيل ، فأين الذي عنده علم القرآن ؟ لقالوا : لا يوجد بعد النبي عند أحد ! أو يوجد عند الأمة كلها ! أو يوجد عند فلان وفلان الصحابي الذي يتحير في قراءة آية ، وفي معنى مفرداتها !

وهكذا استطاعت السياسة المعادية لأهل بيت النبي(ص) أن تشوش معنى الآية في مصادر التفسير ، وتحول البحث فيها من معرفة المقصود بقوله تعالى وَمَنْ عِنْدَهُ عِلمُ الكتاب الى البحث في ( من ) وهل هي موصولة أو جارة ، فإن كانت جارة كما يرى الخليفة عمر فالمقصود الله تعالى ويكون معنى الآية قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ، وبالله !! وإن كانت موصولة كما اختاره الطبري فالمقصود بها عبد الله بن سلام ، فهو الشاهد الذي ارتضاه الله تعالى شاهداً على الأمة الإسلامية والعالم !! ولك الله يا علي بن أبي طالب !

وعندما نرجع الى حياة عبدالله بن سلام الذي ادعوا أنه الشاهد الرباني على الأمة ، نجد أن تعصبه اليهودي لا يجعله أهلاً لهذه المسؤولية الضخمة ، فقد روى الذهبي عنه أنه استجاز النبي(ص) في أن يقرأ القرآن ليلة والتوراة ليلة .. فأجازه النبي(ص) !!

قال في تذكرة الحفاظ ج 1 ص 27 ( .. عن يوسف بن عبدالله بن سلام عن أبيه أنه جاء الى النبي(ص) فقال إني قرأت القرآن والتوراة ، فقال : إقرأ هذا ليلة وهذا ليلة ! فهذا إن صح ففيه الرخصة في تكرير التوراة وتدبرها !! اتفقوا على موت ابن سلام في سنة ثلاث وأربعين بالمدينة رضي الله عنه ) انتهى .

وإذا جاز ذلك عند الذهبي فينبغي عملاً بفتواه أن توزع نسخ التوراة على المسلمين أو يطبعوها مع القرآن !!

ومنها ما رواه الهيثمي من أن عبدالله بن سلام وأولاده كانوا من مرتزقة بني أمية ، قال في مجمع الزوائد ج 9 ص 92 ( وعن عبد الملك بن عمير أن محمد بن يوسف بن عبدالله بن سلام استأذن على الحجاج بن يوسف فأذن له فدخل وسلم وأمر رجلين مما يلي السرير أن يوسعا له فأوسعا له فجلس ، فقال له الحجاج : لله أبوك أتعلم حديثاً حدثه أبوك عبد الملك بن مروان عن جدك عبدالله بن سلام ؟ قال فأي حديث رحمك الله ؟ قال حديث المصريين حين حصروا عثمان . قال قد علمت ذلك الحديث ، أقبل عبدالله بن سلام وعثمان محصور فانطلق فدخل عليه فوسعوا له حتى دخل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال وعليك السلام ما جاء بك يا عبدالله بن سلام ؟ قال جئت لأثبت حتى استشهد أو يفتح الله لك ... في حديث طويل قال في آخره : رواه الطبراني ورجاله ثقات ) انتهى .

ونعرف من النص التالي أنه كان يوجد اتجاه لتكبير ابن سلام حتى جعلوه بدرياً ! قال في هامش تهذيب الكمال ج 15 ص 75 ( وقال ابن حجر : ذكره أبو عروبة في البدريين وانفرد بذلك ، وأما ابن سعد فذكره في الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وما بعدها ، والله أعلم ـ تهذيب التهذيب : 5 ـ 249 ) .

وينبغي أن نشير هنا الى أن مصادر الشيعة تروي أن عدة آيات نزلت في علي(ع) ، وأن إخواننا السنة يروون في بعضها نفس روايات الشيعة ، ولكنهم يخلطونها بروايات وتفاسير أخرى تشوش الموضوع وتبعد الآية عن علي(ع) ... ونذكر فيما يلي منها آية ويتلوه شاهد منه ، لأنها تكشف عن الشاهد في قوله تعالي ( ومن عنده علم الكتاب ) .

قال الله تعالى فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل . أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين . فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون . من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون . أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون . سورة هود ـ 12 ـ 17

وقد أوردنا الآية مع سياقها ليتضح أن من معجزات القرآن ذكر الأحزاب المكذبة للنبي قبل ظهورها ، وذكر الشاهد على الأمة بعد نبيها .. فإن سورة هود نزلت بعد عشر سور من القرآن فقط كما ذكر المفسرون .

وهذه الآيات تسلي النبي(ص) أمام استهزاء المشركين وسخريتهم وأقوالهم بأن محمداً يدعي النبوة وليس له مال وليس معه ملك يصدقه ويشهد له .. فيقول الله تعالى لنبيه : ألا يكفيهم هذا القرآن الذي أنزل عليك ؟! فادعوهم أن يأتوا بعشر سور مثله ، فإن لم يستطيعوا ذلك مع أن تأليف الكلام من أسهل الأمور عليهم وفيهم المتمكنون من أنواعه وفنونه ! فادعوهم الى الإيمان بالله الذي أنزله ، فإن لم يستجيبوا فاعلموا أنهم مكابرون يريدون الحياة الدنيا ثم مأواهم النار ..

ثم أجرى الله تعالى مقايسة بين النبي الفقير وأتباعه القلائل وبين الأحزاب المكذبة الصادة عن سبيل الله ، فقال أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه .. الى آخر الآية. فالذي على بينة من ربه هو النبي(ص) والذين آمنوا معه، أولئك يؤمنون . .

ولكن من هو هذا الشاهد الذي وعد الله تعالى بأنه يتلو نبيه ؟!

إذا رجعت الى مصادر الحديث والتفسير عند شيعة أهل البيت(ع) ، تجد أنها مجمعة على أن الشاهد الذي يتلو النبي هو عليٌّ(ع) .

قال الحويزي في تفسير نور الثقلين ج 2 ص 344 ( في أصول الكافي ... عن أحمد بن عمر الحلال قال : سألت أبا الحسن(ع) عن قول الله عزوجل : أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ؟ فقال : أمير المؤمنين الشاهد على رسول الله ، ورسول الله(ص) على بينة من ربه .

ـ في بصائر الدرجات ... عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين: والله ما نزلت آية في كتاب الله في ليل أو نهار إلا وقد علمت فيمن أنزلت ولا مر على رأسه المواسي إلا وقد أنزلت عليه آية من كتاب الله تسوقه الى الجنة أو الى النار ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما الآية التي نزلت فيك ؟ قال له : أما سمعت الله يقول أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ، فرسول الله(ص) على بينة من ربه وأنا الشاهد له فيه وأتلوه منه . ( وفي نسخة وأنا الشاهد التالي وهي أصح ) .

ـ في أمالي شيخ الطائفة (ره) بإسناده الى أمير المؤمنين(ع) أنه إذا كان يوم الجمعة يخطب على المنبر فقال : والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواثيق إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله عز وجل أعرفها كما أعرفه ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما آيتك التي نزلت فيك ؟ فقال : إذا سألت فافهم ، ولا عليك ألا تسأل عنها غيري ، أقرأت سورة هود ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين ، قال أفسمعت الله عزوجل يقول أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ؟ قال نعم ، قال : فالذي على بينة من ربه محمد(ص) والذي يتلوه شاهد منه وهو الشاهد وهو منه أنا علي بن أبي طالب أنا الشاهد ، وأنا منه(ص) .

ـ وقال سليم بن قيس : سأل رجل ، علي بن أبي طالب(ع) فقال وأنا أسمع : أخبرني بأفضل منقبة لك ؟ قال : ما أنزل الله في كتابه ، قال : وما أنزل الله فيك ؟ قال : أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ، أنا الشاهد من رسول الله(ص).. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة .

ـ في تفسير العياشي عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر(ع) قال : الذي على بينة من ربه رسول الله(ص) ، والذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين(ع) ، ثم أوصياؤه واحد بعد واحد .

ـ عن جابر عن عبدالله بن يحيى قال : سمعت عليا(ع) وهو يقول : ما من رجل من قريش إلا وقد أنزل فيه آية أو آيتان من كتاب الله ، فقال له رجل من القوم: فما نزل فيك يا أمير المؤمنين ؟ فقال أما تقرء الآية التي في هود أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه . محمد(ص) على بينة من ربه وأنا الشاهد ) انتهى .

أما مصادر إخواننا السنة ففيها روايات مطابقة لرواياتنا ، لكن معها أضعافها من الأقوال والاحتمالات المتناقضة والغريبة التي تصرف الألفاظ عن ظواهرها ، وكأن الغرض تشويش الذهن بتكثير الاحتمالات !

قال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 324 ( أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن فقال له رجل ما نزل فيك ؟ قال أما تقرأ سورة هود أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه ) .

وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي رضي الله عنه في الآية قال : رسول الله صلى عليه وسلم على بينة من ربه ، وأنا شاهد منه .

وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفمن كان على بينة من ربه : أنا ويتلوه شاهد منه : قال علي ) انتهى .

ثم قال السيوطي (وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبوالشيخ عن محمد بن علي بن أبي طالب قال قلت لأبي إن الناس يزعمون في قول الله ويتلوه شاهد منه أنك أنت التالي قال وددت أني أنا هو ، ولكنه لسان محمد صلى الله عليه وسلم ! وأخرج أبوالشيخ عن محمد بن علي بن الحنفية أفمن كان على بينة من ربه قال محمد صلى الله عليه وسلم ويتلوه شاهد منه قال : لسانه ) انتهى.

ولا يمكن قبول هذه الرواية لأن راويها عن محمد بن الحنفية عروة بن الزبير وهو معروف ببغضه لعلي(ع) ، ولأنها تفسير غير منطقي حيث يصير المعنى بموجبها أن النبي على بينة من ربه ويأتي بعده لسانه وبيانه !! فهل يصح في اللغة العربية أن تقول : إن الشخص الفلاني على بصيرة من أمره ويليه لسانه ! فلو أنك قلت يتقدمه لسانه لكان له وجه ولو معلول !

ثم قال السيوطي ( وأخرج أبوالشيخ من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه أفمن كان على بينة من ربه قال هو محمد صلى الله عليه وسلم ويتلوه شاهد منه قال : أما الحسن رضي الله عنه ( البصري ) فكان يقول : اللسان . وذكر عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه جبريل(ع) ، ووافقه سعيد بن جبير رضي الله عنه قال هو جبريل . وأخرج أبو الشيخ عن عطاء رضي الله عنه ويتلوه شاهد منه قال: هو اللسان ويقال أيضاً جبريل . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما أفمن كان على بينة من ربه قال : محمد ، ويتلوه شاهد منه قال جبريل ، فهو شاهد من الله بالذي يتلو من كتاب الله الذي أنزل على محمد ) انتهى .

وجبرئيل(ع) شاهد على الأمة ولكنه مع النبي وليس يتلوه بعده ؟! وقد حاول بعضهم أن يصحح ذلك ففسر يتلوه بالقراءة وأرجع ضميره على البينة لا على النبي .. وقال كان اللازم أن يقول يتلوها ولكن تذكير الضمير باعتبار أن البينة تشتمل على القرآن ... ولكنه تمحل ، لأنه أولاً ، لا يصح تفسير ( يتلوه ) هنا بالقراءة لمقابلتها بـ ( ومن بعده) ؟! قال الراغب في المفردات ص 75 ( ويتلوه شاهد منه : أي يقتدي به ويعمل بموجب قوله ) .

وثانياً ، لأن البينة من ربه أعم من القرآن ، ولم نعهد في القرآن مورداً أرجع فيه الضمير المذكر على لفظ مؤنث بحجة اشتماله على مذكر !

وثالثاً ، لو سلمنا ، فكيف يصح وصف جبرئيل بأنه منه ؟ فهل جبرئيل من النبي أو من المتلو ؟!

ورابعاً ، لأن المعنى يكون على هذا التفسير : النبي ومن معه على بينة من ربه ، ويتلو القرآن شاهد من ربه هو جبرئيل . ولو قبلنا هذا اللعب بالضمائر ، فما هو الربط بين المعنيين ؟!

ثم قال السيوطي ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد أفمن كان على بينة من ربه قال هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتلوه شاهد منه قال ملك يحفظه ) انتهى .

ولكن هذا الملك الذي يحفظ النبي(ص) إذا صح أنه يتلوه ويمشي وراءه ، فلماذا قال عنه إنه شاهد على الأمة ، وكيف يصح وصفه بأنه من النبي(ص) ؟!

ثم قال السيوطي ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن الحسين بن علي في قوله ويتلوه شاهد منه قال محمد هو الشاهد من الله ) انتهى . فيكون المعنى أن النبي على بينة من ربه ، وهو يأتي بعد نفسه !!

ثم قال السيوطي ( وأخرج أبوالشيخ عن الحسن في قوله أفمن كان على بينة من ربه قال المؤمن على بينة من ربه ) انتهى . وهذا ذهاب بالآية الى مكان بعيد ليكون معناها: كل مؤمن على بينة من ربه حتى الجهلة والفساق ، وكل منهم لابد أن يتلوه شاهد من أهل بيته أو عشيرته ، فتكون الآية دليلاً على أن من انقطع نسله أو انقرضت عشيرته فهو كافر !

وقال الطبري في تفسيره ج 7 ص 10 ( واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ... فقال بعضهم يعني بقوله أفمن كان على بينة من ربه محمداً صلى الله عليه وسلم ... ثم أورد الطبري تسع روايات في أن معنى شاهد منه : لسانه !!

ثم قال ( وقال آخرون يعني بقوله ويتلوه شاهد منه محمد صلى الله عليه وسلم ) وأورد ثمان روايات !

ثم قال ( وقال آخرون هو علي بن أبي طالب وأورد رواية واحدة . ثم قال ( وقال آخرون هو جبرئيل ) وأورد تسع عشرة رواية !

ثم قال ( وقال آخرون هو ملك يحفظه ) وأورد ست روايات !

ثم قال الطبري ( وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصواب في تأويل قوله ويتلوه شاهد منه قول من قال هو جبرئيل لدلالة قوله ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمةً على صحة ذلك ، وذلك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يتل قبل القرآن كتاب موسى فيكون ذلك دليلاً على صحة قول من قال عنى به لسان محمد صلى الله عليه وسلم أو محمد نفسه ، أو على قول من قال عنى به علياً، ولا يعلم أن أحداً كان تلا ذلك قبل القرآن أو جاء به ممن ذكر أهل التأويل أنه عنى بقوله ويتلوه شاهد منه غير جبرئيل(ع) .

فإن قال قائل : فإن كان ذلك دليلك على أن المعني به جبرئيل فقد يجب أن تكون القراءة في قوله ومن قبله كتاب موسى بالنصب لأن معنى الكلام على ما تأولت يجب أن يكون : ويتلو القرآن شاهد من الله ، ومن قبل القرآن كتاب موسى ؟

قيل : إن القراء في الأمصار قد أجمعت على قراءة ذلك بالرفع فلم يكن لأحد خلافها ، ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالنصب كانت قراءة صحيحة ومعنى صحيحاً .

فإن قال : فما وجه رفعهم إذن الكتاب على ما ادعيت من التأويل ؟

قيل : وجه رفعهم هذا أنهم ابتدؤا الخبر عن مجئ كتاب موسى قبل كتابنا المنزل على محمد فرفعوه بمن قبله والقراءة كذلك ، والمعنى الذي ذكرت من معنى تلاوة جبرئيل ذلك قبل القرآن ، وأن المراد من معناه ذلك ، وإن كان الخبر مستأنفاً على ما وصفت إكتفاء بدلالة الكلام على معناه !

وأما قوله إماماً فإنه نصب على القطع من كتاب موسى ، وقوله ورحمةً عطف على الإمام كأنه قيل ومن قبله كتاب موسى إماماً لبني اسرائيل يأتمون به ورحمة من الله تلاه على موسى ، كما حدثناه ابن وكيع قال ثنا أبي عن أبيه عن منصور عن ابراهيم في قوله ومن قبله كتاب موسى قال من قبله جاء بالكتاب الى موسى ، وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ذكر عليه منه وهو أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى اماماً ورحمة كمن هو في الضلالة متردد لا يهتدي لرشد ولا يعرف حقا من باطل ولا يطلب بعمله إلا الحياة الدنيا وزينتها . وذلك نظير قوله أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة به قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) انتهى .

وهكذا فرض هذا المفسر ( المنصف ) أن معنى يتلوه : يقرؤه لا غير ، ثم حاكم التفاسير الأخرى على أساسه حتى تلك التي تقول إن معنى ( يتلوه ) يأتي بعده ! وهذا في اصطلاح المنطق مصادرة ، وبتعبير عصرنا : إرهاب فكري، وإلغاء للآراء الأخرى !!

أما الفخر الرازي فقال في تفسيره جزء 17 ص 200 ـ 202 ( واعلم أن أول هذه الآية مشتمل على ألفاظ أربعة كل واحد مجمل . فالأول : أن هذا الذي وصفه الله تعالى بأنه على بينة من ربه من هو . والثاني : أنه ما المراد بهذه البينة . والثالث : أن المراد بقوله ( يتلوه ) القرآن أو كونه حاصلاً عقيب غيره . والرابع : أن هذا الشاهد ما هو ؟ فهذه الألفاظ الأربعة مجملة ، فلهذا كثر اختلاف المفسرين في هذه الآية .

( أما الأول ) وهو أن هذا الذي وصفه الله تعالى بأنه على بينة من ربه من هو ؟ فقيل : المراد به النبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل : المراد به من آمن من اليهود كعبدالله بن سلام وغيره ، وهو الأظهر لقوله تعالى في آخر الآية أولئك يؤمنون به وهذا صيغة جمع ، فلا يجوز رجوعه الى محمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالبينة هو البيان والبرهان الذي عرف به صحة الدين الحق والضمير في ( يتلوه ) يرجع الى معنى البينة ، وهو البيان والبرهان والمراد بالشاهد هو القرآن ، ومنه أي من الله ، ومن قبله كتاب موسى ، أي ويتلو ذلك البرهان من قبل مجئ القرآن كتابُ موسى . واعلم أن كون كتاب موسى تابعاً للقرآن ليس في الوجود بل في دلالته على هذا المطلوب و ( إماماً ) نصب على الحال ، فالحاصل أنه يقول اجتمع في تقرير صحة هذا الدين أمور ثلاثة : أولها دلالة البينات العقلية على صحته . وثانيها شهادة القرآن بصحته . وثالثها شهادة التوراة بصحته ، فعند اجتماع هذه الثلاثة لا يبقى في صحته شك ولا إرتياب ، فهذا القول أحسن الأقاويل في هذه الآية وأقربها الى مطابقة اللفظ . وفيها أقوال أخر .

والمراد بقوله ( يتلوه ) هو التلاوة بمعنى القراءة وعلى هذا التقدير فذكروا في تفسير الشاهد وجوهاً : أحدها: أنه جبريل(ع) ، والمعنى : أن جبريل(ع) يقرأ القرآن على محمد(ع) . وثانيها : أن ذلك الشاهد هو لسان محمد(ع) وهو قول الحسن ، ورواية عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنهما قال : قلت لأبي أنت التالي قال : وما معنى التالي قلت قوله ( ويتلوه شاهد منه ) قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما كان الإنسان إنما يقرأ القرآن ويتلوه بلسانه لا جرم جعل اللسان تالياً على سبيل المجاز كما يقال : عين باصرة وأذن سامعة ولسان ناطق . وثالثها : أن المراد هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والمعنى أنه يتلو تلك البينة وقوله ( منه ) أي هذا الشاهد من محمد وبعض منه ، والمراد منه تشريف هذا الشاهد بأنه بعض من محمد(ع) . ورابعها : أن لا يكون المراد بقوله ( ويتلوه ) القرآن بل حصول هذا الشاهد عقيب تلك البينة ، وعلى هذا الوجه قالوا إن المراد : أن صورة النبي(ع) ووجهه ومخايله كل ذلك يشهد بصدقه ، لأن من نظر إليه بعقله علم أنه ليس بمجنون ولا كاهن ، ولا ساحر ولا كذاب ، والمراد بكون هذا الشاهد منه كون هذه الأحوال متعلقة بذات النبي صلى الله عليه وسلم .

واعلم أن هذين القولين وإن كانا محتملين إلا أن القول الأول أقوى وأتم ) انتهى .

وهكذا اختار هذا المفسر الكبير أن يكون معنى الآية : هل يمكن أن يكون خيار اليهود كالكفار ، وهم الذين على بينة من أمرهم ويتلو هذه البينة عليهم توراة موسى ، بعد شهادة القرآن !! فقد جعل كتاب موسى فاعل يتلوه ، وجعل الشاهد القرآن ! ثم قال ( فهذا القول أحسن الأقاويل في هذه الآية وأقربها الى مطابقة اللفظ ) !!

فانظر الى فن التفسير ومطابقته اللفظ للمعنى عند هذا المفسر الفيلسوف !! وكأنه تبع في ذلك الثعالبي حيث قال في الجواهر الحسان ج 2 ص 120 ( والراجح عندي من الأقوال في هذه الآية أن يكون ( فمن ) للمؤمنين أولهم وللنبي صلى الله عليه وسلم معهم ، والبينة القرآن وما تضمن ، والشاهد الإنجيل ، يريد أو إعجاز القرآن في قول ، والضمير في ( يتلوه ) للبينة ، وفي ( منه ) للرب ... الخ ) .

أما المراغي فقال في تفسيره ج 12 ص 18 ( بعد أن ذكر سبحانه مآل من كان يريد الدنيا وزينتها ولا يهتم بالآخرة وأعمالها ، قفى على ذلك بذكر من كان يريد الآخرة ويعمل لها ، وكان على بينة من ربه في كل ما يعمل ، ومعه شاهد يدل على صدقه ، وهو القرآن ، ومآل من أنكر صحته وكفر به ) انتهى.

فقد جعل المراغي ، الذي هو على بينة من ربه : كل مؤمن ، وجعل يتلوه: معه ! وجعل شاهد منه : القرآن مع المؤمن ! وهكذا فعل المراغي والمراغيون ! ولا نطيل الكلام فيما فعل بقية المفسرين !

إنهم يرون جواً مفروضاً في كتب التفسير ، فيه روايات رووها عن مفسري العصر الأموي والعباسي لم يسند شئ منها الى النبي(ص) إلا نادراً .. فيقعون في أسرها ويعاملونها كالروايات عن النبي(ص) ، حتى لو كانت مخالفة لألف باء اللغة العربية ، وفهم العرف والأذهان السوية !

ومنهم من يمتلئ قلبه ببغض علي وآله فيطفح على لسانه وقلمه ، فيفعل المستحيل لإبعاد الآيات عن علي(ع) ، أو يتكلف تفسيرات تجعل الآية القرآنية البليغة عبارة عامية ركيكة ، فلا يبقي منها من عربيتها إلا حروفها !!

أما إذا وجد رواية عن أحد الصحابة أو التابعين المعروفين بنصبهم العداء لأهل بيت نبيهم(ص) فهي بغيته المطلوبة ، والتمسك بها فريضة !

وكم مرة أراني أقرأ آيات من القرآن فأفهم منها أشياء تقربني خطوات من فهم معناها .. ثم أرجع الى أقاويل هؤلاء المفسرين فأراهم يتأرجحون ذات الشمال وذات اليمين .. يشط واحدهم في احتمالاته ويشذ في تفسيراته ، ويمرغ المعاني السامية والكلمات الصافية بتراب سليقته وأوحال طريقته ، حتى كأن هدفه التضييع لا التفسير، وأن يشوش فهمك العربي السليم ، ويضلل ذهنك الإنساني القويم !!


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=634
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28