الخاتمة
لقد تبيّن من ثنايا البحث أنّ جميع المزاعم التي تذرّع بها المتربصون بالاِسلام للقول بتحريف القرآن الكريم والكيد بكتاب الله العزيز الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تكفلت العناية الربانيّة بحفظه وصيانته، قد ذهبت أدراج الرياح، وما هي إلاّ كرمادٍ بقيعةٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصفٍ، من خلال الاَدّلة الحاسمة التي ذكرناها والتي تؤكّد عدم وقوع التحريف في الكتاب الكريم، وأنّه بقي وسوف يبقى بإذن الله مصوناً من كلِّ ما يوجب الشكّ والريب.
فقد وقف علماء الشيعة وعلماء أهل السنة عموماً من روايات التحريف موقفاً سلبياً، ورفضوا القول بمضمونها وفنّدوه بما لا مزيد عليه، ورأوا في هذه الاَخبار أنّها أخبار آحاد لا يمكن الاعتماد عليها في أمر يمسّ العقيدة التي لابدّ فيها من الاَدلّة القاطعة والبراهين الساطعة، ولاتكفي فيها الظنون ولا أخبار الآحاد. هذا بالاضافة إلى وجوه ضعف أُخرى تعاني منها هذه الاَخبار، سواء من حيث دلالتها، أو من حيث ظروف صدورها، أو من حيث مرامي وأهداف وتوجّهات من صدرت عنهم.
وفيما يلي نبين بعض أقوال علماء المسلمين التي تؤيد إجماع كلمة أهل الاِسلام على نفي القول بوقوع التحريف في القرآن الكريم، وهذه الاَقوال وسواها تقطع الطريق أمام كلّ محاولات الاَعداء المغرضين
والحاقدين ومن عداهم من السذّج والمغفّلين:
1 ـ الشيخ محمد محمد المدني عميد كلية الشريعة في الجامع الاَزهر: «أما أنّ الاِمامية يعتقدون نقص القرآن، فمعاذ الله، وإنّما هي روايات رويت في كتبهم، كما روي مثلها في كتبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها، وبينوا بطلانها، وليس في الشيعة الاِمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك، كما أنّه ليس في االسنة من يعتقده، ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب (الاتقان) للسيوطي السُنّي ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحاً، أفيقال إنّ أهل السنة ينكرون قداسة القرآن، أو يعتقدون نقص القرآن لروايةٍ رواها فلان، أو لكتابٍ ألّفه فلان» (1)؟!
2 ـ الاِمام المحقق رحمة الله الهندي: «إنّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الاِمامية الاَثني عشرية أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، وأنّه كان مجموعاً مؤلّفاً في عهده صلى الله عليه وآله وسلم وحَفَظه ونَقَله أُلوفٌ من الصحابة» (2).
3 ـ الدكتور محمد التيجاني السماوي: «لو جبنا بلاد المسلمين شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وفي كل بقاع الدنيا، فسوف نجد نفس القرآن بدون زيادة ولا نقصان، وإن اختلف المسلمون إلى مذاهب وفرق وملل ونحل، فالقرآن هو الحافز الوحيد الذي يجمعهم، ولا يختلف فيه من الاَُمّة اثنان»(3).
____________
(1) مجلة رسالة الاِسلام ـ القاهرة السنة 11 العدد 44 ص 382 ـ 385.
(2) الفصول المهمة: 164 ـ 166.
(3) لاَكون مع الصادقين 168 ـ 176.
4 ـ السيد عليّ الميلاني: «إنّ المعروف من مذهب أهل السنة هو نفي التحريف عن القرآن الشريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن» (1).
5 ـ السيد جعفر مرتضى العاملي: «إنّنا لا يجب أن ننسى الجهد الذي بذله أهل السنة لتنزيه القرآن عن التحريف، وحاولوا توجيه تلكم الاَحاديث بمختلف الوجوه التي اهتدوا إليها» (2).
وغيرها من الشهادات الضافية التي لو ذكرناها جميعاً لطال بنا المقام، وجميعها تؤكّد أنّه ليس من أمرٍ أتّفقت عليه كلمة المسلمين مثلما اتّفقت على تنزيه كتاب الله العزيز من كلِّ ما يثير الشكّ والريب قال تعالى: (لايأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَينِ يَديهِ وَلا مِنْ خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَميدٍ) (3).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
____________
(1) التحقيق في نفي التحريف: 138.
(2) حقائق هامة: 34.
(3) فصلت 41: 42. |