• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير القمي ج 2 ، تأليف : علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) .
                    • الموضوع : سورة فاطر .

سورة فاطر

سورة فاطر

مكية آياتها خمس واربعون

(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) قال الصادق (ع): خلق الله الملائكة مختلفة وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل وله ستمائة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل قد ملا ما بين السماء والارض وقال: إذا أمر الله ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله اليمنى في السماء السابعة والاخرى في الارض السابعة وان لله ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك، وقال: إن لله ملكا بعدما بين شحمة أذنيه إلى عينيه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير، وقال: إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون وإنما يعيشون بنسيم العرش، وان لله ملائكة ركعا إلى يوم القيامة، وان لله ملائكة سجدا إلى يوم القيامة، ثم قال ابوعبدالله (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من شئ مما خلق الله اكثر من الملائكة وانه ليهبط في كل يوم او في كل ليلة سبعون الف ملك فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يأتون أمير المؤمنين (ع) فيسلمون عليه ثم يأتون الحسين (ع) فيقيمون عنده، فاذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون أبدا، وقال أبوجعفر (ع) ان الله خلق إسرافيل وجبرائيل وميكائيل من

[207]


تسبيحة واحدة وجعل لهم السمع والبصر وجودة العقل وسرعة الفهم، وقال أمير المؤمنين (ع) في خلقة الملائكة: " وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة ولا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك اليك واعملهم بطاعتك، لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الابدان، لم يسكنوا الاصلاب ولم تتضمنهم الارحام ولم تخلقهم من ماء مهين، أنشأتهم إنشاء‌ا فأسكنتهم سماواتك واكرمتهم بجوارك وإئتمنتهم على وحيك وجنبتهم الآفات ووقيتهم البليات وطهرتهم من الذنوب ولولا قوتك لم يقووا ولولا تثبيتك لم يثبتوا ولولا رحمتك لم يطيعوا ولولا أنت لم يكونوا، اما انهم على مكانتهم منك وطواعيتهم(1) إياك ومنزلتهم عندك وقلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم ولازروا على أنفسهم ولعلموا انهم لم يعبدوك حق عبادتك سبحانك خالقا ومعبودا ما أحسن بلاء‌ك عند خلقك " أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن مالك بن عبدالله بن أسلم عن أبيه عن رجل من الكوفيين عن أبي عبدالله (ع) في قول الله: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) قال: والمتعة من ذلك، وعنه عن أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن حسان عن هاشم بن عمار يرفعه في قوله: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) قال: نزلت في زريق وحبتر.
قال علي بن ابراهيم: ثم احتج عزوجل على الزنادقة والدهرية فقال: (الله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت) وهو الذي لا نبات

___________________________________
(1) طواعية اسم مصدر طاع.

[208]


فيه (فأحيينا به الارض بعد موتها) أي بالمطر ثم قال: (كذلك النشور) وقوله (اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال كلمة الاخلاص والاقرار بما جاء من عند الله من الفرائض والولاية ترفع العمل الصالح إلى الله، وعن الصادق عليه السلام انه قال: الكلم الطيب قول المؤمن " لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله وخليفة رسول الله " وقال: والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب ان هذا هو الحق من عند الله لا شك فيه من رب العالمين، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه فاذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله وإذا قال وخالف قوله عمله رد قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار.
وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) يعني يكتب في كتاب وهو رد على من ينكر البدا، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج) فالاجاج المر قوله (وترى الفلك فيه مواخر) يقول الفلك مقبلة ومدبرة بريح واحدة.
وقال علي بن ابراهيم في قوله: (والذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير) قال: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النواة ثم احتج على عبدة الاصنام فقال: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاء‌كم ولو سمعوا ما استجابوا لكم - إلى قوله - بشرككم) يعني يجحدون بشرككم لهم يوم القيامة وقوله: (ولا تزر وازرة وزر اخرى) أي لا تحمل آثمة إثم اخرى وقوله: (وان تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى) أي لا يحمل ذنب أحد على أحد إلا من يأمر به فيحمله الآمر والمأمور وقوله: (وما يستوي الاعمى والبصير) مثل ضربه الله للمؤمن والكافر (ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور) فالظل

[209]


الناس والحرور البهائم وقال (وما يستوي الاحياء ولا الاموات) ثم قال: (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) قال هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كمالا يسمع أهل القبور وقوله: (وان من امة إلا خلا فيها نذير) قال: لكل زمان إمام.
ثم ذكر كبرياء‌ه فقال: (ألم تر - يا محمد - ان الله انزل من السماء ماء‌ا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها - إلى قوله - وغرابيب سود) وهو الغربان (ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء) ومعناه يخشاه عباده العلماء ثم ذكر المؤمنين المنفقين أموالهم في طاعة الله فقال: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلوة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور) أي لن تخسر، ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال: (والذي أوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ان الله بعباده لخبير بصير) ثم ذكر آل محمد فقال (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) وهم الائمة عليهم السلام ثم قال (فمنهم ظالم لنفسه) من آل محمد غير الائمة وهو الجاحد للامام (ومنهم مقتصد) وهو المقر بالامام (ومنهم سابق بالخيرات باذن الله) وهو الامام، ثم ذكر ما أعده الله لهم عنده فقال (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب - إلى قوله - ولا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) قال: النصب العناد اللغوب الكسل والضجر ودار المقامة دار البقاء.
ثم ذكر ما أعده لاعدائهم ومن خالفهم وظلمهم فقال (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا - إلى قوله - وهم يصطرخون فيها) أي يصيحون وينادون (ربنا اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) فرد الله عليهم فقال: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) أي عمرتم حتى عرفتم الامور كلها (وجاء‌كم النذير) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (فذوقوا فما للظالمين من نصير)

[210]


ثم حكى الله عزوجل قول قريش فقال: (وأقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاء‌هم نذير ليكونن أهدى من إحدى الامم) يعني الذين هلكوا (فلما جاء‌هم نذير) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الارض ومكر السئ ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه الذي كتبه إلى شيعته يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة وعظم خطأ طلحة والزبير فقال: " وأي خطيئة أعظم مما أتيا، أخرجا زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله من بيتها وكشفا عنها حجابا ستره الله عليها وصانا حلايلهما في بيوتهما، ما أنصفا لا لله ولا لرسوله من أنفسهما، ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله البغي والمكر والنكث، قال الله: يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم وقال: ومن نكث فانما ينكث على نفسه وقال: ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله وقد بغيا علينا ونكثا بيعتي ومكرا بي.
وقوله: (أو لم يسيروا في الارض) قال: أو لم ينظروا في القرآن وفي أخبار الامم الهالكة (فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) قوله: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) قال: لا يأخذهم عند المعاصي وعند اغترارهم بالله، قال: وحدثني ابي عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله سبق العلم وجف القلم ومضى القضاء وتم القدر بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل بالسعادة من الله لمن آمن وأتقى وبالشقا لمن كذب وكفر بالولاية من الله للمؤمنين وبالبراء‌ة منه للمشركين، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله الله يقول: يا بن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبارادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد(1)

___________________________________
(1) المقصود منه ان المشية والارادة الموجودتين في العبد من خلقة الله فيجوز استنادهما إلى الله وإن كانت الافعال مستندة إلى العبد فهذا الخبر لا ينافي الاختيار وقد مضى القول في الجبر والتفويض سابقا فراجع ص 38 / 1 من هذا الكتاب.ج.ز.

[211]


وبفضل نعمتي عليك قويت علي معصيتي وبقوتي وعصمتي وعافيتي أديت إلي فرائضي وأنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بذنبك مني، الخير مني اليك واصل بما أوليتك والشر مني اليك بما جنيت جزاء‌ا وبكثير من تسليطي (تسلطي ك) لك انطويت عن طاعتي وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي فلي الحمد والحجة عليك بالبيان، ولي السبيل عليك بالعصيان ولك الجزاء الحسن عندي بالاحسان ثم لم أدع تحذيرك بي ثم لم آخذك عند غرتك وهو قوله: " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " لم أكفلك فوق طاقتك ولم أحملك من الامانة إلا ما قررت بها على نفسك ورضيت لنفسي منك ما رضيت به لنفسك مني ثم قال عزوجل: (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فاذا جاء اجلهم فان الله كان بعباده بصيرا).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=310
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28