• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : الميزان في تفسير القرآن (الجزء التاسع) ، تأليف : العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قده) .
                    • الموضوع : من ص 201 الى ص 300 .

من ص 201 الى ص 300

 

 فقد ظهر من جميع ما تقدم على طوله أن الآيتين أعني قوله: ﴿وَ إِذْ قَالُوا اَللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ اَلْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً إلى آخر الآيتين لا تشاركان الآيات السابقة و اللاحقة المسرودة في الكلام على كفار قريش في سياقها الواحد فهما لم تنزلا معها.

و الأقرب أن يكون ما حكي فيهما من قولهم و الجواب عنه بقوله: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ غير مرتبط بهم و إنما صدر هذا القول من بعض أهل الكتاب أو بعض من آمن ثم ارتد من الناس.

و يتأيد بذلك بعض ما ورد أن القائل بهذا القول الحارث بن النعمان الفهري، و قد تقدم الحديث نقلا عن تفسيري الثعلبي و المجمع في ذيل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية: المائدة: ٦٧ في الجزء السادس من الكتاب.

و على هذا التقدير فالمراد بالعذاب المنفي العذاب السماوي المستعقب للاستئصال الشامل للأمة على نهج عذاب سائر الأمم، و الله سبحانه ينفي فيها العذاب عن الأمة ما دام النبي صلى الله عليه وآله و سلم فيهم حيا، و بعده ما داموا يستغفرون الله تعالى.

و يظهر من قوله تعالى: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ بضمه إلى الآيات التي توعد هذه الأمة بالعذاب الذي يقضي بين الرسول و بينهم كآيات سورة يونس: ﴿وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لاَ يُظْلَمُونَ: يونس: ٤٧ إلى آخر الآيات أن في مستقبل أمر هذه الأمة يوما ينقطع عنهم الاستغفار و يرتفع من بينهم المؤمن الإلهي فيعذبون عند ذاك.

قوله تعالى: ﴿وَ مَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اَللَّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ وَ مَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إلى آخر الآية استفهام في معنى الإنكار أو التعجب، و قوله: ﴿وَ مَا لَهُمْ بتقدير فعل يتعلق به الظرف و يكون قوله: ﴿أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ مفعوله أو هو من التضمين نظير ما قيل في قوله: ﴿هَلْ لَكَ إِلى‏َ أَنْ تَزَكَّى النازعات: - ١٨.

و التقدير على أي حال نحو من قولنا: «و ما الذي يثبت و يحق لهم عدم تعذيب الله إياهم و الحال أنهم يصدون عن المسجد الحرام و يمنعون المؤمنين من دخوله ﴿وَ مَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ. فقوله: ﴿وَ هُمْ يَصُدُّونَ إلخ حال عن ضمير ﴿يُعَذِّبَهُمُ و قوله:

 

 

 

 

 

 

﴿وَ مَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ حال عن ضمير ﴿يَصُدُّونَ.

و قوله: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ اَلْمُتَّقُونَ تعليل لقوله: ﴿وَ مَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ أي ليس لهم أن يلوا أمر البيت فيجيزوا و يمنعوا من شاءوا لأن هذا المسجد مبني على تقوى الله فلا يلي أمره إلا المتقون و ليسوا بهم.

فقوله: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ اَلْمُتَّقُونَ جملة خبرية تعلل القول بأمر بين يدركه كل ذي لب، و ليست الجملة إنشائية مشتملة على جعل الولاية للمتقين، و يشهد لما ذكرناه قوله بعد: ﴿وَ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ كما لا يخفى.

و المراد بالعذاب العذاب بالقتل أو الأعم منه على ما يفيده السياق باتصال الآية بالآية التالية، و قد تقدم أن الآية غير متصلة ظاهرا بما تقدمها أي أن الآيتين: ﴿وَ إِذْ قَالُوا اَللَّهُمَّ إلخ ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ إلخ خارجتان عن سياق الآيات، و لازم ذلك ما ذكرناه.

قال في المجمع،: و يسأل فيقال: كيف يجمع بين الآيتين و في الأولى نفي تعذيبهم، و في الثانية إثبات ذلك؟ و جوابه على ثلاثة أوجه: أحدها: أن المراد بالأول عذاب الاصطلام و الاستئصال كما فعل بالأمم الماضية، و بالثاني عذاب القتل بالسيف و الأسر و غير ذلك بعد خروج المؤمنين من بينهم.

و الآخر: أنه أراد: و ما لهم أن لا يعذبهم الله في الآخرة، و يريد بالأول عذاب الدنيا. عن الجبائي.

و الثالث: أن الأول استدعاء للاستغفار. يريد أنه لا يعذبهم بعذاب دنيا و لا آخرة إذا استغفروا و تابوا فإذا لم يفعلوا عذبوا ثم بين أن استحقاقهم العذاب بصدهم عن المسجد الحرام. انتهى.

و فيه: أن مبني الإشكال على اتصال الآية بما قبلها و قد تقدم أنها غير متصلة.

هذا إجمالا.

و أما تفصيلا فيرد على الوجه الأول: أن سياق الآية و هو كما تقدم سياق التشدد و الترقي، و لا يلائم ذلك نفي العذاب في الأولى مع إثباته في الثانية و إن كان العذاب غير العذاب.

 

 

 

 

 

 

 و على الثاني أن سياق الآية ينافي كون المراد بالعذاب فيها عذاب الآخرة، و خاصة بالنظر إلى قوله في الآية الثالثة - و هي في سياق الآية الأولى - ﴿فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.

و على الثالث: أن ذلك خلاف ظاهر الآية بلا شك حيث إن ظاهرها إثبات الاستغفار لهم حالا مستمرا لاستدعائه و هو ظاهر.

قوله تعالى: ﴿وَ مَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ اَلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ المكاء بضم الميم الصفير، و المكاء بصيغة المبالغة طائر بالحجاز شديد الصفير، و منه المثل السائر: بنيك حمري و مكئكيني. و التصدية التصفيق بضرب اليد على اليد.

و قوله: ﴿وَ مَا كَانَ صَلاَتُهُمْ الضمير لهؤلاء الصادين المذكورين في الآية السابقة و هم المشركون من قريش، و قوله: ﴿فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَبيان إنجاز العذاب الموعد لهم بقرينة التفريع بالفاء.

و من هنا يتأيد أن الآيتين متصلتان كلاما واحدا و قوله: ﴿وَ مَا كَانَ إلخ جملة حالية و المعنى: و ما لهم أن لا يعذبهم الله و الحال أنهم يصدون العباد من المؤمنين عن المسجد الحرام و ما كان صلاتهم عند البيت إلا ملعبة من المكاء و التصدية فإذا كان كذلك فليذوقوا العذاب بما كانوا يكفرون، و الالتفات في قوله: ﴿فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ عن الغيبة إلى الخطاب لبلوغ التشديد.

و يستفاد من الآيتين أن الكعبة المشرفة لو تركت بالصد استعقب ذلك المؤاخذة الإلهية بالعذاب‏ قال علي عليه السلام في بعض وصاياه: «الله الله في بيت ربكم فإنه إن ترك لم تنظروا[1].

قوله تعالى: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ إلى آخر الآية يبين حال الكفار في ضلال سعيهم الذي يسعونه لإبطال دعوة الله و المنع عن سلوك السالكين لسبيل الله، و يشرح ذلك قوله: ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ إلخ.

 

 

 

 

 

 

 

و بهذا السياق يظهر أن قوله: ﴿وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏َ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ بمنزلة التعليل، و محصل المعنى أن الكفر سيبعثهم بحسب سنة الله في الأسباب إلى أن يسعوا في إبطال الدعوة و الصد عن سبيل الحق غير أن الظلم و الفسق و كل فساد لا يهدي إلى الفلاح و النجاح فسينفقون أموالهم في سبيل هذه الأغراض الفاسدة فتضيع الأموال في هذا الطريق فيكون ضيعتها موجبة لتحسرهم، ثم يغلبون فلا ينتفعون بها، و ذلك أن الكفار يحشرون إلى جهنم و يكون ما يأتون به في الدنيا من التجمع على الشر و الخروج إلى محاربة الله و رسوله بحذاء خروجهم محشورين إلى جهنم يوم القيامة.

و قوله: ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ إلى آخر الآية من ملاحم القرآن و الآية من سورة الأنفال النازلة بعد غزوة بدر فكأنها تشير إلى ما سيقع من غزوة أحد أو هي و غيرها، و على هذا فقوله: ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً إشارة إلى غزوة أحد أو هي و غيرها، و قوله: ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ إلى فتح مكة، و قوله: ﴿وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏َ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ إلى حال من لا يوفق للإسلام منهم.

قوله تعالى: ﴿لِيَمِيزَ اَللَّهُ اَلْخَبِيثَ مِنَ اَلطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ اَلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى‏َ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ اَلْخَاسِرُونَ الخباثة و الطيب معنيان متقابلان و قد مر شرحهما و التمييز إخراج الشي‏ء عما يخالفه و إلحاقه بما يوافقه بحيث ينفصل عما يخالفه، و الركم‏ جمع الشي‏ء فوق الشي‏ء و منه سحاب مركوم أي مجتمع الأجزاء بعضها إلى بعض و مجموعها و تراكم الأشياء تراكب بعضها بعضا.

و الآية في موضع التعليل لما أخبر به في الآية السابقة من حال الكفار بحسب السنة الكونية، و هو أنهم يسعون بتمام وجدهم و مقدرتهم إلى أن يطفئوا نور الله و يصدوا عن سبيل الله فينفقون في ذلك الأموال و يبذلون في طريقه المساعي غير أنهم لا يهتدون إلى مقاصدهم و لا يبلغون آمالهم بل تضيع أموالهم و تحبط أعمالهم و تضل مساعيهم، و يرثون بذلك الحسرة و الهزيمة.

و ذلك أن هذه الأعمال و التقلبات تسير على سنة إلهية و تتوجه إلى غاية تكوينية ربانية، و هي أن الله سبحانه يميز في هذا النظام الجاري الشر من الخير و الخبيث من الطيب و يركم الخبيث بجعل بعضه على بعض، و يجعل ما اجتمع منه و تراكم في جهنم

 

 

 

 

 

 

 و هي الغاية التي تسير إليها قافلة الشر و الخبيث يحلها الجميع و هي دار البوار كما أن الخير و الطيب إلى الجنة، و الأولون هم الخاسرون كما أن الآخرين هم الرابحون المفلحون.

و من هنا يظهر أن قوله: ﴿لِيَمِيزَ اَللَّهُ اَلْخَبِيثَ مِنَ اَلطَّيِّبِ إلخ قريب المضمون من قوله تعالى في مثل ضربه للحق و الباطل: ﴿أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ اَلسَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي اَلنَّارِ اِبْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اَللَّهُ اَلْحَقَّ وَ اَلْبَاطِلَ فَأَمَّا اَلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَ أَمَّا مَا يَنْفَعُ اَلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي اَلْأَرْضِ: الرعد: - ١٧ و الآية تشير إلى قانون كلي إلهي و هو إلحاق فرع كل شي‏ء بأصله.

قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ إلى آخر الآية الانتهاء الإقلاع عن الشي‏ء لأجل النهي، و السلوف‏ التقدم، و السنة هي الطريقة و السيرة.

أمر النبي صلى الله عليه وآله و سلم أن يبلغهم ذلك و في معناه تطميع و تخويف و حقيقته دعوة إلى ترك القتال و الفتنة ليغفر الله لهم بذلك ما تقدم من قتلهم و إيذائهم للمؤمنين فإن لم ينتهوا عما نهوا عنه فقد مضت سنة الله في الأولين منهم بالإهلاك و الإبادة و خسران السعي.

قوله تعالى: ﴿وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ اِنْتَهَوْا فَإِنَّ اَللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الآية و ما بعدها يشتملان على تكليف المؤمنين بحذاء ما كلف به الكفار في الآية السابقة، و المعنى: قل لهم أن ينتهوا عن المحادة لله و رسوله يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودوا إلى مثل ما عملوا فقد علموا بما جرى على سابقتهم قل لهم كذا و أما أنت و المؤمنون فلا تهنوا فيما يهمكم من إقامة الدين و تصفية جو صالح للمؤمنين، و قاتلوهم حتى تنتهي هذه الفتن التي تفاجئكم كل يوم، و لا تكون فتنة بعد فإن انتهوا فإن الله يجازيهم بما يرى من أعمالهم، و إن تولوا عن الانتهاء فأديموا القتال و الله مولاكم فاعلموا ذلك و لا تهنوا و لا تخافوا. و الفتنة

 ما يمتحن به النفوس و تكون لا محالة مما يشق عليها، و غلب استعمالها في المقاتل و ارتفاع الأمن و انتقاض الصلح، و كان كفار قريش يقبضون على المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وآله و سلم قبل الهجرة و بعدها إلى مدة في مكة و يعذبونهم و يجبرونهم على ترك الإسلام و الرجوع إلى الكفر، و كانت تسمى فتنة.

و قد ظهر بما يفيده السياق من المعنى السابق أن قوله: ﴿وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ

 

 

 

 

 

 

 فِتْنَةٌ كناية عن تضعيفهم بالقتال حتى لا يغتروا بكفرهم و لا يلقوا فتنة يفتتن بها المؤمنون و يكون الدين كله لله لا يدعو إلى خلافه أحد، و أن قوله: ﴿فَإِنِ اِنْتَهَوْا فَإِنَّ اَللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ المراد به الانتهاء عن القتال و لذلك أردفه بمثل قوله: ﴿فَإِنَّ اَللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي عندئذ يحكم الله فيهم بما يناسب أعمالهم و هو بصير بها، و أن قوله: ﴿وَ إِنْ تَوَلَّوْا إلخ أي إن تولوا عن الانتهاء، و لم يكفوا عن القتال و لم يتركوا الفتنة فاعلموا أن الله مولاكم و ناصركم و قاتلوهم مطمئنين بنصر الله نعم المولى و نعم النصير.

و قد ظهر أن قوله: ﴿وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ لا ينافي إقرار أهل الكتاب على دينهم إن دخلوا في الذمة و أعطوا الجزية فلا نسبة للآية مع قوله تعالى: ﴿حَتَّى يُعْطُوا اَلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صَاغِرُونَ التوبة: - ٢٩. بالناسخية و المنسوخية.

و لبعض المفسرين وجوه في معنى الانتهاء و المغفرة و غيرهما من مفردات الآيات الثلاث لا كثير جدوى في التعرض لها تركناها.

و قد ورد في بعض الأخبار كون «نعم المولى و نعم النصير» من أسماء الله الحسنى و المراد بالاسم حينئذ لا محالة غير الاسم بمعناه المصطلح بل كل ما يخص بلفظه شيئا من المصاديق كما ورد نظيره في قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاَ نَوْمٌ و قد مر استيفاء الكلام في الأسماء الحسنى في ذيل قوله تعالى: ﴿وَ لِلَّهِ اَلْأَسْمَاءُ اَلْحُسْنى‏َ:الأعراف - ١٨٠ في الجزء الثامن من الكتاب.

بحث روائي

في تفسير القمي، ":في قوله تعالى: ﴿وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا الآية - أنها نزلت بمكة قبل الهجرة.

 و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و أبو الشيخ عن ابن جريح رض : ﴿وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا قال: هي مكية. أقول: و هو ظاهر ما رواه أيضا عن عبد بن حميد عن معاوية بن قرة، لكن عرفت أن سياق الآيات لا يساعد عليه.

 

 

 

 

 

 

 و فيه، أخرج عبد الرزاق و أحمد و عبد بن حميد و ابن المنذر و الطبراني و أبو الشيخ و ابن مردويه و أبو نعيم في الدلائل و الخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما :في قوله: ﴿وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ قال: تشاورت قريش ليلة بمكة - فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثائق يريدون النبي صلى الله عليه وآله و سلم و قال بعضهم: بل اقتلوه، و قال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله و سلم على ذلك فبات علي رضي الله عنه على فراش النبي صلى الله عليه وآله و سلم و خرج النبي صلى الله عليه وآله و سلم حتى لحق بالغار، و بات المشركون يحرسون عليا رضي الله عنه يحسبونه النبي صلى الله عليه وآله و سلم فلما أصبحوا ثاروا عليه فلما رأوه عليا رضي الله عنه رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث ثلاث ليال. و في تفسير القمي :كان سبب نزولها أنه لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم الدعوة بمكة قدمت عليه الأوس و الخزرج فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : تمنعوني و تكونون لي جارا حتى أتلو كتاب الله عليكم و ثوابكم على الله الجنة؟ فقالوا: نعم خذ لربك و لنفسك ما شئت فقال لهم: موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق - فحجوا و رجعوا إلى منى و كان فيهم ممن قد حج بشر كثير .

فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : إذا كان الليل فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة، و لا تنبهوا نائما، و لينسل واحد فواحد فجاء سبعون رجلا من الأوس و الخزرج فدخلوا الدار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : تمنعوني و تجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي و ثوابكم على الله الجنة .

فقال أسعد بن زرارة و البراء بن معرور و عبد الله بن حرام نعم يا رسول الله اشترط لربك و نفسك ما شئت. فقال: أما ما أشترط لربي فأن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا، و ما أشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم و تمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم و أولادكم. فقالوا فما لنا على ذلك؟ فقال: الجنة في الآخرة، و تملكون العرب، و يدين لكم العجم في الدنيا، و تكونون ملوكا في الجنة فقالوا: قد رضينا .

فقال: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا فأشار إليهم جبرائيل فقال: هذا نقيب

 

 

 

 

 

 

و هذا نقيب تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس: فمن الخزرج أسعد بن زرارة و البراء بن معرور و عبد الله بن حرام أبو جابر بن عبد الله و رافع بن مالك و سعد بن عبادة و المنذر بن عمر و عبد الله بن رواحة و سعد بن ربيع - و عبادة بن صامت و من الأوس أبو الهيثم بن التيهان و هو من اليمن و أسيد بن حصين و سعد بن خيثمة. فلما اجتمعوا و بايعوا لرسول الله صلى الله عليه وآله و سلم صاح إبليس: يا معشر قريش و العرب هذا محمد و الصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فأسمع أهل منى، و هاجت قريش فأقبلوا بالسلاح، و سمع رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم النداء فقال للأنصار: تفرقوا فقالوا: يا رسول الله إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : لم أومر بذلك و لم يأذن الله لي في محاربتهم. قالوا: فتخرج معنا؟ قال: أنتظر أمر الله .

فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح و خرج حمزة و أمير المؤمنين عليه السلام بالسلاح و معهما السيوف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش إليهما قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة: ما اجتمعنا و ما هاهنا أحد و الله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي .

فرجعوا إلى مكة و قالوا: لا نأمن أن يفسد أمرنا و يدخل واحد من مشائخ قريش في دين محمد فاجتمعوا في دار الندوة، و كان لا يدخل دار الندوة إلا من أتى عليه أربعون سنة فدخلوا أربعين رجلا من مشائخ قريش، و جاء إبليس في صورة شيخ كبير فقال له البواب، من أنت؟ فقال: أنا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل جئت لأشير عليكم فقال: ادخل فدخل إبليس.

فلما أخذوا مجلسهم قال أبو جهل: يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا نحن أهل الله تفد إلينا العرب في السنة مرتين و يكرموننا، و نحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله - فكنا نسميه الأمين لصلاحه و سكونه و صدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ و أكرمناه ادعى أنه رسول الله و أن أخبار السماء تأتيه فسفه أحلامنا، و سب آلهتنا، و أفسد شباننا، و فرق جماعتنا، و زعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار، و لم يرد علينا شي‏ء أعظم من

 

 

 

 

 

 

هذا، و قد رأيت فيه رأيا. قالوا: و ما رأيت؟ قال: رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله فإن طلبت بنو هاشم بديته أعطيناهم عشر ديات .

فقال الخبيث: هذا رأي خبيث قالوا: و كيف ذلك؟ قال: لأن قاتل محمد مقتول لا محالة فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فإنه إذا قتل محمدا تعصبت بنو هاشم و حلفاؤهم من خزاعة، و إن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على الأرض فتقع بينكم الحروب في حرمكم و تتفانون .

فقال آخر منهم: فعندي رأي آخر. قال: و ما هو؟ قال: نثبته في بيت و نلقي عليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير و النابغة و إمرؤ القيس. فقال إبليس: هذا أخبث من الآخر. قالوا: و كيف ذاك؟ قال: لأن بني هاشم لا ترضى بذلك فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم فاجتمعوا عليكم فأخرجوه .

قال آخر منهم: لا و لكنا نخرجه من بلادنا و نتفرغ لعبادة آلهتنا. قال إبليس: هذا أخبث من ذينك الرأيين المتقدمين، قالوا: و كيف؟ قال: لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها، و أتقن الناس لسانا و أفصحهم لهجة فتحملوه إلى بوادي العرب فيخدعهم و يسحرهم بلسانه فلا يفجئوكم إلا و قد ملأها خيلا و رجلا. فبقوا حائرين -.

ثم قالوا لإبليس: فما الرأي يا شيخ؟ قال: ما فيه إلا رأي واحد. قالوا: و ما هو؟ قال: يجتمع من كل بطن من بطون قريش فيكون معهم من بني هاشم رجل فيأخذون سكينا أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه فقد شاركوه فيه فإن سألوكم أن تعطوكم الدية فأعطوهم ثلاث ديات. قالوا: نعم و عشر ديات. قالوا: الرأي رأي الشيخ النجدي فاجتمعوا فيه، و دخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وآله و سلم.

فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فأخبره أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك فأنزل الله عليه في ذلك: ﴿وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللَّهُ وَ اَللَّهُ خَيْرُ اَلْمَاكِرِينَ .

و اجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه، و خرجوا إلى المسجد يصفرون و يصفقون و يطوفون بالبيت فأنزل الله: ﴿وَ مَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ اَلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَ تَصْدِيَةً

 

 

 

 

 

 

فالمكاء

التصفير و التصدية صفق اليدين و هذه الآية معطوفة على قوله: ﴿وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا قد كتبت بعد آيات كثيرة .

فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب: لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل فإن في الدار صبيانا و نساء و لا نأمن أن يقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة فإذا أصبحنا دخلنا عليه فناموا حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم.

و أمر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أن يفرش له فرش فقال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أفدني بنفسك قال: نعم يا رسول الله قال: نم على فراشي و التحف ببردتي فنام علي عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و التحف ببردته .

و جاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فأخرجه على قريش و هم نيام و هو يقرأ عليهم: ﴿وَ جَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ و قال له جبرئيل: خذ على طريق ثور و هو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور فدخل الغار و كان من أمره ما كان .

فلما أصبحت قريش و أتوا إلى الحجرة و قصدوا الفراش فوثب علي عليه السلام في وجوههم فقال: ما شأنكم؟ قالوا: أين محمد؟ قال: أ جعلتموني عليه رقيبا؟ أ لستم قلتم نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم فأقبلوا على أبي لهب يضربونه و يقولون: أنت تخدعنا منذ الليل .

فتفرقوا في الجبال، و كان فيهم رجل من خزاعة يقال له: أبو كرز يقفو الآثار فقالوا: يا أبا كرز اليوم اليوم فوقف بهم على باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و قال لهم: هذه قدم محمد و الله إنها لأخت القدم التي في المقام، و كان أبو بكر بن أبي قحافة استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فرده معه فقال أبو كرز: و هذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ثم قال: و هاهنا غير ابن أبي قحافة، و لا يزال يقف بهم حتى أوقفهم على باب الغار .

ثم قال: ما جاوزوا هذا المكان إما أن يكونوا صعدوا إلى السماء أو دخلوا تحت الأرض، و بعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، و جاء فارس من الملائكة ثم قال: ما في الغار أحد فتفرقوا في الشعاب، و صرفهم الله عن رسوله صلى الله عليه وآله و سلم ثم أذن لنبيه صلى الله عليه وآله و سلم في الهجرة. أقول: و روي ما يقرب من هذا المعنى ملخصا في الدر المنثور عن ابن إسحاق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبي نعيم و البيهقي معا في الدلائل عن ابن

 

 

 

 

 

 

 عباس لكن نسب فيه إلى أبي جهل ما نسب في هذه الرواية إلى الشيخ النجدي ثم ذكر أن الشيخ النجدي صدق أبا جهل في رأيه و اجتمع القوم على قوله.

و قد روي دخول إبليس عليهم في دار الندوة في زي شيخ نجدي في عدة روايات من طرق الشيعة و أهل السنة.

و أما ما في الرواية من قول أبي كرز لما اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «هذه قدم محمد، و هذه قدم ابن أبي قحافة، و هاهنا غير ابن أبي قحافة» فقد ورد في الروايات أن ثالثهما هند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و أمه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

 و قد روى الشيخ في أماليه، بإسناده عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه و عبد الله بن أبي رافع جميعا عن عمار بن ياسر و أبي رافع و عن سنان بن أبي سنان عن ابن هند بن أبي هالة، و قد دخل حديث عمار و أبي رافع و هند بعضه في بعض، و هو حديث طويل في هجرة النبي صلى الله عليه وآله و سلم و فيه :و استتبع رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أبا بكر بن أبي قحافة و هند بن أبي هالة فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار، و ثبت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم بمكانه مع علي يأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم في فحمة العشاء و الرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون أن ينتصف الليل و تنام الأعين .

فخرج و هو يقرأ هذه الآية ﴿وَ جَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ و كان بيده قبضة من تراب فرمى بها في رءوسهم فما شعر القوم به حتى تجاوزهم و مضى حتى أتى إلى هند و أبي بكر فنهضا معه حتى وصلوا إلى الغار.

ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم، و دخل رسول الله و أبو بكر الغار .

قال بعد سوق القصة الليلة: حتى إذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو يعني عليا عليه السلام و هند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم في الغار فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم هندا أن يبتاع له و لصاحبه بعيرين فقال أبو بكر قد كنت أعددت لي و لك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب فقال: إني لا آخذهما و لا أحدهما إلا بالثمن قال: فهي لك بذلك فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم عليا عليه السلام فأقبضه الثمن ثم وصاه بحفظ ذمته و أداء أمانته .

 

 

 

 

 

 

 و كانت قريش قد سموا محمدا في الجاهلية: الأمين، و كانت تودعه و تستحفظه أموالها و أمتعتها، و كذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، و جاءت النبوة و الرسالة و الأمر كذلك فأمر عليا عليه السلام أن يقيم صارخا بالأبطح غدوة و عشيا: من كان له قبل محمد أمانة أو دين فليأت فلنؤد إليه أمانته .

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم علي فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي و مستخلف ربي عليكما و مستحفظه فيكما فأمر أن يبتاع رواحل له و للفواطم‏[2] و من أزمع الهجرة معه من بني هشام .

قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع: أ و كان رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: إني سألت أبي عما سألتني و كان يحدث لي هذا الحديث.

فقال: و أين يذهب بك عن مال خديجة عليه السلام .

قال عبيد الله بن أبي رافع: و قد قال علي بن أبي طالب عليه السلام يذكر مبيته على الفراش و مقام رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم في الغار ثلاثا نظما: وقيت بنفسي خير من وطء الحصى *** و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر

 محمد لما خاف أن يمكروا به *** فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

و بت أراعيهم متى ينشرونني *** و قد وطنت نفسي على القتل و الأسر

 و بات رسول الله في الغار آمنا *** هناك و في حفظ الإله و في ستر

 أقام ثلاثا ثم زمت قلائص *** قلائص يفرين الحصى أينما تفري‏

 و قد روي الأبيات عنه عليه السلام بتفاوت يسير في الدر المنثور عن الحاكم عن علي بن الحسين عليه السلام.

 و في تفسير العياشي، عن زرارة و حمران عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليه السلام: قوله: ﴿خَيْرُ اَلْمَاكِرِينَ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قد كان لقي من قومه بلاء شديدا حتى أتوه ذات يوم و هو ساجد حتى طرحوا عليه رحم شاة فأتته ابنته و هو ساجد لم يرفع رأسه فرفعته عنه و مسحته ثم أراه الله بعد ذلك الذي يحب. أنه كان ببدر

 

 

 

 

 

 

 و ليس معه غير فارس واحد ثم كان معه يوم الفتح اثنا عشر ألفا حتى جعل أبو سفيان و المشركون يستغيثون‏ الحديث.

 و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال :كان النضر بن الحارث يختلف إلى الحيرة فيسمع سجع أهلها و كلامهم فلما قدم إلى مكة سمع كلام النبي صلى الله عليه وآله و سلم و القرآن فقال: قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين. أقول: و هناك بعض روايات أخر في أن القائل بهذا القول كان هو النضر بن الحارث و قد قتل يوم بدر صبرا.

 و فيه، أخرج البخاري و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رض قال :قال أبو جهل بن هشام: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم» فنزلت: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.

أقول: و روى القمي هذا المعنى في تفسيره، و روى السيوطي أيضا في الدر المنثور، عن ابن جرير الطبري و ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير و عن ابن جرير عن عطاء :أن القائل: ﴿اَللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ اَلْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية النضر بن الحارث‏ و قد تقدم في البيان السابق ما يقتضيه سياق الآية.

 و فيه، أخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان و محمد بن قيس قالا :قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا؟ ﴿اَللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ اَلْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ - فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ اَلسَّمَاءِ الآية فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا: غفرانك اللهم فأنزل الله: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ إلى قوله ﴿لاَ يَعْلَمُونَ. و فيه، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن ابن أبزى رض قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم بمكة فأنزل الله: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إلى المدينة فأنزل الله: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فلما خرجوا أنزل الله: ﴿وَ مَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اَللَّهُ الآية فأذن في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم. و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ

 

 

 

 

 

 

عن عطية رض :في قوله: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ يعني المشركين حتى يخرجك منهم ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: يعني المؤمنين. ثم أعاد المشركين فقال: ﴿وَ مَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اَللَّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ. و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رض :في قوله: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: لو استغفروا و أقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين، و في قوله: ﴿وَ مَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اَللَّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ يقول: و كيف لا أعذبهم و هم لا يستغفرون. و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و أبو الشيخ عن مجاهد رض :في قوله: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ قال: بين أظهرهم ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: يسلمون. و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن أبي مالك رض : ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ يعني أهل مكة ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ و فيهم المؤمنون يستغفرون. و فيه، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن عكرمة و الحسن رضي عنهما :في قوله: ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قالا: نسختها الآية التي تليها: ﴿وَ مَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اَللَّهُ فقوتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع و الحصر. أقول: عدم انطباقها على الآية بظاهرها المؤيد بسياقها ظاهر، و إنما دعاهم إلى هذه التكلفات الاحتفاظ باتصال الآية في التأليف بما قبلها و ما قبلها من الآيات المتعرضة لحال مشركي أهل مكة، و من عجيب ما فيها تفسير العذاب في الآية بفتح مكة، و لم يكن إلا رحمة للمشركين و المؤمنين جميعا.

 و فيه، أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري رض قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : أنزل الله علي أمانين لأمتي ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مَا كَانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة. أقول: مضمون الرواية مستفاد من الآية، و قد روي ما في معناها عن أبي هريرة و ابن عباس عنه ص و رواها في نهج البلاغة عن علي عليه السلام.

و في ذيل هذه الرواية شي‏ء؛ و هو أنه لا يلائم ما مر في البيان المتقدم من إيعاد

 

 

 

 

 

 

 القرآن هذه الأمة بعذاب واقع قبل يوم القيامة، و لازمه أن يرتفع الاستغفار من بينهم قبل يوم القيامة.

و فيه، أخرج أحمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم قال: العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله.

 و في الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : مقامي بين أظهركم خير لكم فإن الله يقول. ﴿وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ، و مفارقتي إياكم خير لكم. فقالوا: يا رسول الله مقامك بين أظهرنا خير لنا فكيف يكون مفارقتك خير لنا؟ فقال: أما مفارقتي لكم خير لكم فإن أعمالكم تعرض علي كل خميس و اثنين فما كان من حسنة حمدت الله عليها، و ما كان من سيئة أستغفر الله لكم.

أقول: و روى هذا المعنى العياشي في تفسيره و الشيخ في أماليه، عن حنان بن سدير عن أبيه عنه عليه السلام، و في روايتهما أن السائل هو جابر بن عبد الله الأنصاري ع، و رواه أيضا في الكافي، بإسناده عن محمد بن أبي حمزة و غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام.

و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن سعيد بن جبير رض قال :كانت قريش تعارض النبي صلى الله عليه وآله و سلم في الطواف يستهزءون و يصفرون و يصفقون فنزلت: ﴿وَ مَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ اَلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَ تَصْدِيَةً. و فيه، أخرج أبو الشيخ عن نبيط و كان من الصحابة رض :في قوله: ﴿وَ مَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ اَلْبَيْتِ الآية قال: كانوا يطوفون بالبيت الحرام و هم يصفرون. و فيه، أخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز و جل: ﴿إِلاَّ مُكَاءً وَ تَصْدِيَةً قال: المكاء صوت القنبرة و التصدية صوت العصافير و هو التصفيق، و ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم كان إذا قام إلى الصلاة و هو بمكة كان يصلي قائما بين الحجر و الركن اليماني فيجي‏ء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله، و يصيح أحدهما كما يصيح المكاء، و الآخر يصفق بيده تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته.

 و في تفسير العياشي، عن إبراهيم بن عمر اليماني عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام:

 

 

 

 

 

 

 في قول الله: ﴿وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ وَ مَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ يعني أولياء البيت يعني المشركين ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ اَلْمُتَّقُونَ حيث ما كانوا هم أولى به من المشركين ﴿وَ مَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ اَلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَ تَصْدِيَةً قال: التصفير و التصفيق.

 و في الدر المنثور، أخرج ابن إسحاق و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل كلهم من طريقه‏[3] قال: حدثني الزهري و محمد بن يحيى بن حيان و عاصم بن عمر بن قتادة و الحصين بن عبد الرحمن بن عمر قال :لما أصيبت قريش يوم بدر و رجع فلهم إلى مكة و رجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن ربيعة و عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية في رجال من قريش إلى من كان معه تجارة فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم و قتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثارا ففعلوا ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل الله: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ إلى قوله ﴿وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏َ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما :في قوله: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ - لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ قال نزلت في أبي سفيان بن حرب. و فيه، أخرج ابن سعد و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن عساكر عن سعيد بن جبير :في قوله: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ - لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ الآية قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة يقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم سوى من استجاش من العرب فأنزل الله فيه هذه الآية .

و هم الذين قال فيهم كعب بن مالك رضي الله عنه: و جئنا إلى موج من البحر وسطه *** أحابيش منهم حاسر و مقنع

 ثلاثة آلاف و نحن نصية *** ثلاث مئين إن كثرن فأربع‏

 أقول: و رواه ملخصا عن ابن إسحاق و ابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير.

 

 

 

 

 

 

 

 و في المجمع،: في قوله تعالى: ﴿وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ اَلدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ الآية،: قال: روى زرارة و غيره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لم يجي‏ء تأويل هذه الآية و لو قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية و ليبلغن دين محمد صلى الله عليه وآله و سلم ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض: أقول: و رواه العياشي في تفسيره عن زرارة عنه عليه السلام، و في معناه ما في الكافي، بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، و روى هذا المعنى أيضا العياشي عن عبد الأعلى الحلبي عن أبي جعفر عليه السلام في رواية طويلة. و قد تقدم حديث إبراهيم الليثي في تفسير قوله: ﴿لِيَمِيزَ اَللَّهُ اَلْخَبِيثَ مِنَ اَلطَّيِّبِ الآية مع بعض ما يتعلق به من الكلام في ذيل قوله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الأعراف: - ٢٩ في الجزء الثامن من الكتاب.

[سورة الأنفال ٨: الآیات ٤١ الی ٥٤]

[﴿وَ اِعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ وَ اَلْيَتَامى‏ وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلى‏ عَبْدِنَا يَوْمَ اَلْفُرْقَانِ يَوْمَ اِلْتَقَى اَلْجَمْعَانِ وَ اَللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ٤١ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ اَلدُّنْيَا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ اَلْقُصْوى‏ وَ اَلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ لَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي اَلْمِيعَادِ وَ لَكِنْ لِيَقْضِيَ اَللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اَللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢ إِذْ يُرِيكَهُمُ اَللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَ لَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَ لَتَنَازَعْتُمْ فِي اَلْأَمْرِ وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ اَلصُّدُورِ ٤٣ وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَ يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ 

 

 

 

 

 

 

اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَ إِلَى اَللَّهِ تُرْجَعُ اَلْأُمُورُ ٤٤ يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَ اُذْكُرُوا اَللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ٤٥ وَ أَطِيعُوا اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اِصْبِرُوا إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلصَّابِرِينَ ٤٦ وَ لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَ رِئَاءَ اَلنَّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ وَ اَللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ٤٧ وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ اَلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَ قَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اَلْيَوْمَ مِنَ اَلنَّاسِ وَ إِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ اَلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلى‏ عَقِبَيْهِ وَ قَالَ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‏َ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اَللَّهَ وَ اَللَّهُ شَدِيدُ اَلْعِقَابِ ٤٨ إِذْ يَقُولُ اَلْمُنَافِقُونَ وَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اَللَّهِ فَإِنَّ اَللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٤٩ وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ يَتَوَفَّى اَلَّذِينَ كَفَرُوا اَلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبَارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذَابَ اَلْحَرِيقِ ٥٠ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ٥١ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اَللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اَللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اَللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ اَلْعِقَابِ ٥٢ ذَلِكَ بِأَنَّ اَللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلى‏ قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٥٣ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَ كُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ٥٤

 

 

 

 

 

 

بيان

تشتمل الآيات على الأمر بتخميس الغنائم و بالثبات عند اللقاء و تذكرهم، و تقص عليهم بعض ما نكب الله به أعداء الدين و أخزاهم بالمكر الإلهي، و أجرى فيهم سنة آل فرعون و من قبلهم من المكذبين لآيات الله الصادين عن سبيله.

قوله تعالى: ﴿وَ اِعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ إلى آخر الآية. الغنم و الغنيمة إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب و ينطبق بحسب مورد نزول الآية على غنيمة الحرب، قال الراغب: الغنم بفتحتين معروف قال: و من البقر و الغنم ما حرمنا عليهم شحومهما، و الغنم بالضم فالسكون إصابته و الظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى و غيرهم قال: ﴿وَ اِعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ، ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً. و المغنم ما يغنم و جمعه مغانم قال: فعند الله مغانم كثيرة، انتهى.

و ذو القربى القريب و المراد به قرابة النبي صلى الله عليه وآله و سلم أو خصوص أشخاص منهم على ما يفسره الآثار القطعية، و اليتيم‏ هو الإنسان الذي مات أبوه و هو صغير، قالوا:كل حيوان يتيم من قبل أمه إلا الإنسان فإن يتمه من قبل أبيه.

و قوله: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ إلخ قرئ بفتح أن، و يمكن أن يكون بتقدير حرف الجر و التقدير: و اعلموا أن ما غنمتم من شي‏ء فعلى أن لله خمسه أي هو واقع على هذا الأساس محكوم به، و يمكن أن يكون بالعطف على أن الأولى، و حذف خبر الأولى لدلالة الكلام عليه، و التقدير: اعلموا أن ما غنمتم من شي‏ء يجب قسمته فاعلموا أن خمسه لله، أو يكون الفاء لاستشمام معنى الشرط فإن مآل المعنى إلى نحو قولنا: إن غنمتم شيئا فخمسه لله إلخ فالفاء من قبيل فاء الجزاء، و كرر أن للتأكيد، و الأصل: اعلموا أن ما غنمتم من شي‏ء أن خمسه لله إلخ، و الأصل الذي تعلق به العلم هو: ما غنمتم من شي‏ء خمسه لله و للرسول إلخ، و قد قدم لفظ الجلالة للتعظيم.

و قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ إلخ قيد للأمر الذي يدل عليه صدر الآية أي أدوا خمسه إن كنتم آمنتم بالله و ما أنزلنا على عبدنا، و ربما قيل: إنه متصل بقوله

 

 

 

 

 

 

 تعالى في الآية السابقة: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اَللَّهَ مَوْلاَكُمْ هذا و السياق الذي يتم بحيلولة قوله: ﴿وَ اِعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إلخ لا يلائم ذلك.

و قوله تعالى: ﴿وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلى‏َ عَبْدِنَا يَوْمَ اَلْفُرْقَانِ الظاهر أن المراد به القرآن بقرينة تخصيص النبي صلى الله عليه وآله و سلم بالإنزال، و لو كان المراد به الملائكة المنزلون يوم بدر كما قيل لكان الأنسب أولا: أن يقال: و من أنزلنا على عبدنا، أو ما يؤدي هذا المعنى و ثانيا: أن يقال: عليكم لا على عبدنا فإن الملائكة كما أنزلت لنصرة النبي صلى الله عليه وآله و سلم أنزلت لنصرة المؤمنين معه كما يدل عليه قوله: ﴿فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ الأنفال: - ٩. و قوله بعد ذلك: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى اَلْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا اَلَّذِينَ آمَنُوا الخ: الأنفال: - ١٢. و نظيرهما قوله: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى‏َ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ: آل عمران: - ١٢٥.

و في الالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلى‏َ عَبْدِنَا من بسط اللطف على رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و اصطفائه بالقرب ما لا يخفى.

و يظهر بالتأمل فيما قدمناه من البحث في قوله تعالى في أول السورة: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْأَنْفَالِ قُلِ اَلْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَ اَلرَّسُولِ الآية أن المراد بقوله: ﴿وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلى‏َ عَبْدِنَا يَوْمَ اَلْفُرْقَانِ هو قوله تبارك و تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً بما يحتف به من الآيات.

و المراد بقوله: ﴿يَوْمَ اَلْفُرْقَانِ يوم بدر كما يشهد به قوله بعده: ﴿يَوْمَ اِلْتَقَى اَلْجَمْعَانِ فإن يوم بدر هو اليوم الذي فرق الله فيه بين الحق و الباطل فأحق الحق بنصرته، و أبطل الباطل بخذلانه.

و قوله تعالى: ﴿وَ اَللَّهُ عَلى‏َ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ بمنزلة التعليل لقوله: ﴿يَوْمَ اَلْفُرْقَانِ بما يدل عليه من تمييزه تعالى بين الحق و الباطل كأنه قيل: و الله على كل شي‏ء قدير فهو قادر أن يفرق بين الحق و الباطل بما فرق.

فمعنى الآية و الله أعلم و اعلموا أن خمس ما غنمتم أي شي‏ء كان هو لله و لرسوله و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل فردوه إلى أهله إن كنتم آمنتم بالله و ما أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وآله و سلم يوم بدر، و هو أن الأنفال و غنائم الحرب لله و لرسوله لا يشارك

 

 

 

 

 

 

 الله و رسوله فيها أحد، و قد أجاز الله لكم أن تأكلوا منها و أباح لكم التصرف فيها فالذي أباح لكم التصرف فيها يأمركم أن تئودوا خمسها إلى أهله.

و ظاهر الآية أنها مشتملة على تشريع مؤبد كما هو ظاهر التشريعات القرآنية، و أن الحكم متعلق بما يسمى غنما و غنيمة سواء كان غنيمة حربية مأخوذة من الكفار أو غيرها مما يطلق عليه الغنيمة لغة كأرباح المكاسب و الغوص و الملاحة و المستخرج من الكنوز و المعادن، و إن كان مورد نزول الآية هو غنيمة الحرب فليس للمورد أن يخصص.

و كذا ظاهر ما عد من موارد الصرف بقوله: ﴿لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏َ وَ اَلْيَتَامى‏َ وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ انحصار الموارد في هؤلاء الأصناف، و أن لكل منهم سهما بمعنى استقلاله في أخذ السهم كما يستفاد مثله من آية الزكاة من غير أن يكون ذكر الأصناف من قبيل التمثيل.

فهذا كله مما لا ريب فيه بالنظر إلى المتبادر من ظاهر معنى الآية، و عليه وردت الأخبار من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليه السلام و قد اختلفت كلمات المفسرين من أهل السنة في تفسير الآية و سنتعرض لها في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ اَلدُّنْيَا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ اَلْقُصْوى‏َ وَ اَلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ لَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي اَلْمِيعَادِ وَ لَكِنْ لِيَقْضِيَ اَللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً العدوة بالضم و قد يكسر شفير الوادي، و الدنيا مؤنث أدنى كما أن القصوى و قد يقال: القصيا مؤنث أقصى و الركب‏ كما قيل هو العير الذي كان عليه أبو سفيان بن حرب.

و الظرف في قوله: ﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِبيان ثان لقوله في الآية السابقة: ﴿يَوْمَ اَلْفُرْقَانِ كما أن قوله: ﴿يَوْمَ اِلْتَقَى اَلْجَمْعَانِبيان أول له متعلق بقوله: ﴿أَنْزَلْنَا عَلى‏َ عَبْدِنَا و أما ما يظهر من بعضهم أنهبيان لقوله: ﴿وَ اَللَّهُ عَلى‏َ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ بما يفيده بحسب المورد، و المعنى: و الله قدير على نصركم و أنتم أذلة إذ أنتم نزول بشفير الوادي الأقرب، فلا يخفى بعده و وجه التكلف فيه.

و قوله تعالى: ﴿وَ لَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي اَلْمِيعَادِ سياق ما تقدمه من الجمل الكاشفة عن تلاقي الجيشين، و كون الركب أسفل منهم، و أن الله بقدرته التي قهرت كل شي‏ء فرق بين الحق و الباطل، و أيد الحق على الباطل، و كذا قوله بعد: ﴿وَ لَكِنْ

 

 

 

 

 

 

 لِيَقْضِيَ اَللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً كل ذلك يشهد على أن المراد بقوله: ﴿وَ لَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي اَلْمِيعَادِبيان أن التلاقي على هذا الوجه لم يكن إلا بمشية خاصة من الله سبحانه حيث نزل المشركون و هم ذوو عدة و شدة بالعدوة القصوى و فيها الماء و الأرض الصلبة، و المؤمنون على قلة عددهم و هوان أمرهم بالعدوة الدنيا و لا ماء فيها و الأرض رملية لا تثبت تحت أقدامهم، و تخلص العير منهم إذ ضرب أبو سفيان في الساحل أسفل، و تلاقى الفريقان لا حاجز بينهما و لا مناص عندئذ عن الحرب، فالتلاقي و المواجهة على هذا الوجه ثم ظهور المؤمنين على المشركين، لم يكن عن أسباب عادية بل لمشية خاصة إلهية ظهرت بها قدرته و بانت بها عنايته الخاصة و نصره و تأييده للمؤمنين.

فقوله: ﴿وَ لَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي اَلْمِيعَادِبيان أن هذا التلاقي لم يكن عن سابق قصد و عزيمة، و لا روية أو مشورة، و لهذا المعنى عقبه بقوله: ﴿وَ لَكِنْ لِيَقْضِيَ اَللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً بما فيه من الاستدراك.

و قوله ﴿«لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏َ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ لتعليل ما قضي به من الأمر المفعول أي إن الله إنما قضى هذا الذي جرى بينكم من التلاقي و المواجهة ثم تأييد المؤمنين و خذلان المشركين ليكون ذلك بينة ظاهرة على حقية الحق و بطلان الباطل فيهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة.

و بذلك يظهر أن المراد بالهلاكة و الحياة هو الهدى و الضلال لأن ذلك هو الذي يرتبط به وجود الآية البينة ظاهرا.

و كذا قوله: ﴿وَ إِنَّ اَللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ عطف على قوله: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ إلخ، أي و إن الله إنما قضى ما قضى و فعل ما فعل لأنه سميع يسمع دعاءكم عليم يعلم ما في صدوركم، و فيه إشارة إلى ما ذكره في صدر الآيات: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ إلى آخر الآيات.

و على هذا السياق أي لبيان أن مرجع الأمر في هذه الواقعة هو القضاء الخاص الإلهي دون الأسباب العادية سيق قوله تعالى بعد: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اَللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً إلخ، و قوله: ﴿وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ اَلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ إلخ، و قوله: ﴿إِذْ يَقُولُ اَلْمُنَافِقُونَ وَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ إلخ.

 

 

 

 

 

 

و معنى الآية يوم الفرقان هو الوقت الذي أنتم نزول بالعدوة الدنيا و هم نزول بالعدوة القصوى، و قد توافق نزولكم بها و نزولهم بها بحيث لو تواعدتم بينكم أن تلتقوا بهذا الميعاد لاختلفتم فيه و لم تتلاقوا على هذه الوتيرة فلم يكن ذلك منكم و لا منهم و لكن ذلك كان أمرا مفعولا و الله قاضيه و حاكمه، و إنما قضى ما قضى ليظهر آية بينة فتتم بذلك الحجة، و لأنه قد استجاب بذلك دعوتكم بما سمع من استغاثتكم و علم به من حاجة قلوبكم.

قوله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اَللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً إلى آخر الآية، الفشل‏ هو الضعف مع الفزع، و التنازع‏ هو الاختلاف و هو من النزع نوع من القلع كأن المتنازعين ينزع كل منهما الآخر عما هو فيه، و التسليم هو النتيجة.

و الكلام على تقدير اذكر أي اذكر وقتا يريكهم الله في منامك قليلا، و إنما أراكهم قليلا ليربط بذلك قلوبكم و تطمئن نفوسكم و لو أراكهم كثيرا ثم ذكرتها للمؤمنين أفزعكم الضعف و اختلفتم في أمر الخروج إليهم و لكنه تعالى نجاكم بإراءتهم قليلا عن الفشل و التنازع إنه عليم بذات الصدور و هي القلوب يشهد ما يصلح به حال القلوب في اطمئنانها و ارتباطها و قوتها.

و الآية تدل على أن الله سبحانه أرى نبيه صلى الله عليه وآله و سلم رؤيا مبشرة رأى فيها ما وعده الله من إحدى الطائفتين أنها لهم و قد أراهم قليلا لا يعبأ بشأنهم، و أن النبي صلى الله عليه وآله و سلم ذكر ما رآه للمؤمنين و وعدهم وعد تبشير فعزموا على لقائهم. و الدليل على ذلك قوله: ﴿وَ لَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ إلخ و هو ظاهر.

قوله تعالى: ﴿وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَ يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ إلى آخر الآية». معنى الآية ظاهر، و لا تنافي بين هذه الآية و قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ أُخْرى‏َ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ اَلْعَيْنِ وَ اَللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ آل عمران: - ١٣ بناء على أن الآية تشير إلى وقعة بدر.

و ذلك أن التقليل الذي يشير إليه في الآية المبحوث عنها مقيد بقوله: ﴿إِذِ اِلْتَقَيْتُمْ و بذلك يرتفع التنافي كأن الله سبحانه أرى المؤمنين قليلا في أعين المشركين في بادئ الالتقاء ليستحقروا جمعهم و يشجعهم ذلك على القتال و النزال حتى إذا زحفوا

 

 

 

 

 

 

 و اختلطوا، كثر المؤمنين في أعينهم فرأوهم مثليهم رأي العين فأوهن بذلك عزمهم و أطار قلوبهم فكانت الهزيمة فآية الأنفال تشير إلى أول الوقعة، و آية آل عمران إلى ما بعد الزحف و الاختلاط و قوله: ﴿لِيَقْضِيَ اَللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً متعلق بقوله: ﴿يُرِيكُمُوهُمْ و تعليل لمضمونه.

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَ اُذْكُرُوا اَللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إلى آخر الآيات الثلاث. قال الراغب في المفردات:الثبات بفتح الثاء ضد الزوال انتهى فهو في المورد ضد الفرار من العدو، و هو بحسب ما له من المعنى أعم من الصبر الذي يأمر به في قوله: ﴿وَ اِصْبِرُوا إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلصَّابِرِينَ فالصبر ثبات قبال المكروه بالقلب بأن لا يضعف و لا يفزع و لا يجزع، و بالبدن بأن لا يتكاسل و لا يتساهل و لا يزول عن مكانه و لا يعجل فيما لا يحمد فيه العجل فالصبر ثبات خاص. و الريح‏

على ما قيل، العز و الدولة، و قد ذكر الراغب أن الريح في الآية بمعنى الغلبة استعارة كأن من شأن الريح أن تحرك ما هبت عليه و تقلعه و تذهب به، و الغلبة على العدو يفعل به ما تفعله الريح بالشي‏ء كالتراب فاستعيرت لها.

و قال الراغب: البطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة و قلة القيام بحقها و صرفها إلى غير وجهها قال عز و جل: ﴿بَطَراً وَ رِئَاءَ اَلنَّاسِ و قال: ﴿بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا و أصله: بطرت معيشته فصرف عنه الفعل و نصب، و يقارب البطر الطرب، و هو خفة أكثر ما يعتري من الفرح و قد يقال ذلك في الترح، و البيطرة معالجة الدابة. انتهى. و الرئاء المراءاة. و قوله: ﴿فَاثْبُتُوا أمر بمطلق الثبوت أمام العدو، و عدم الفرار منه فلا يتكرر بالأمر ثانيا بالصبر كما تقدمت الإشارة إليه.

و قوله: ﴿وَ اُذْكُرُوا اَللَّهَ كَثِيراً أي في جنانكم و لسانكم فكل ذلك ذكر، و من المعلوم أن الأحوال القلبية الباطنة من الإنسان هي التي تميز مقاصده و تشخصها سواء وافقها اللفظ كالفقير المستغيث بالله من فقره و هو يقول: يا غني و المريض المستغيث به من مرضه و هو يقول: يا شافي و لو قال الفقير في ذلك: يا الله أو قال المريض فيه ذلك لكان معناه: يا غني و يا شافي لأنهما بمقتضى الحال الباعث لهما على الاستغاثة

 

 

 

 

 

 

 و الدعوة لا يريدان إلا ذلك كما هو ظاهر.

و الذي يخرج إلى قتال عدوه، ثم لقيه و استعد الظرف للقتال، و ليس فيه إلا زهاق النفوس، و سفك الدماء و نقص الأطراف و كل ما يهدد الإنسان بالفناء في ما يحبه فإن حاله يحول فكرته و يصرف إرادته إلى الظفر بما يريده بالقتال، و الغلبة على العدو الذي يهدده بالفناء، و الذي حاله هذا الحال و تفكيره هذا التفكير إنما يذكر الله سبحانه بما يناسب حاله و تنصرف إليه فكرته.

و هذا أقوى قرينة على أن المراد بذكر الله كثيرا أن يذكر المؤمن ما علمه تعالى من المعارف المرتبطة بهذا الشأن و هو أنه تعالى إلهه و ربه الذي بيده الموت و الحياة و هو على نصره لقدير، و أنه هو مولاه نعم المولى و نعم النصير، و قد وعده النصر إذ قال: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اَللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، و ﴿إِنَّ اَللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ اَلْمُحْسِنِينَ و إن مآل أمره في قتاله إلى إحدى الحسنيين إما الظفر على عدوه و رفع راية الإسلام و إخلاص الجو لسعادته الدينية، و إما القتل في سبيل الله و الانتقال بالشهادة إلى رحمته، و الدخول في حظيرة كرامته، و مجاورة المقربين من أوليائه، و ما في هذا الصف من المعارف الحقيقية التي تدعو إلى السعادة الواقعية و الكرامة السرمدية.

و قد قيد الذكر بالكثير لتتجدد به روح التقوى كلما لاح للإنسان ما يصرف نفسه إلى حب الحياة الفانية و التمتع بزخارف الدنيا الغارة و الخطورات النفسانية التي يلقيها الشيطان بتسويله.

و قوله: ﴿وَ أَطِيعُوا اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ ظاهر السياق أن المراد بها إطاعة ما صدر من ناحيته تعالى و ناحية رسوله من التكاليف و الدساتير المتعلقة بالجهاد و الدفاع عن حومة الدين و بيضة الإسلام مما تشتمل عليه آيات الجهاد و السنة النبوية كالابتداء بإتمام الحجة و عدم التعرض للنساء و الذراري و الكف عن تبييت العدو و غير ذلك من أحكام الجهاد.

و قوله: ﴿وَ لاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي و لا تختلفوا بالنزاع فيما بينكم حتى يورث ذلكم ضعف إرادتكم و ذهاب عزتكم و دولتكم أو غلبتكم فإن اختلاف الآراء يخل بالوحدة و يوهن القوة.

و قوله: ﴿وَ اِصْبِرُوا إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلصَّابِرِينَ أي الزموا الصبر على ما يصيبكم

 

 

 

 

 

 

 من مكاره القتال مما يهددكم به العدو، و على الإكثار من ذكر الله، و على طاعة الله و رسوله من غير أن يهزهزكم الحوادث أو يزجركم ثقل الطاعة أو تغويكم لذة المعصية أو يضلكم عجب النفس و خيلاؤها.

و قد أكد الأمر بالصبر بقوله: ﴿إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلصَّابِرِينَ لأن الصبر أقوى عون على الشدائد و أشد ركن تجاه التلون في العزم و سرعة التحول في الإرادة، و هو الذي يخلي بين الإنسان و بين التفكير الصحيح المطمئن حيث يهجم عليه الخواطر المشوشة و الأفكار الموهنة لإرادته عند الأهوال و المصائب من كل جانب فالله سبحانه مع الصابرين.

و قوله: ﴿وَ لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَ رِئَاءَ اَلنَّاسِ الآية نهي عن اتخاذ طريقة هؤلاء البطرين المرائين الصادين عن سبيل الله، و هم على ما يفيده سياق الكلام في الآيات، كفار قريش، و ما ذكره من أوصافهم أعني البطر و رئاء الناس و الصد عن سبيل الله هو الذي أوجب النهي عن التشبه بهم و اتخاذ طريقتهم بدلالة السياق، و قوله: ﴿وَ اَللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ينبئ عن إحاطته تعالى بأعمالهم و سلطنته عليها و ملكه لها، و من المعلوم أن لازم ذلك كون أعمالهم داخلة في قضائه متمشية بإذنه و مشيته و ما هذا شأنه لا يكون مما يعجز الله سبحانه فالجملة كالكناية عما يصرح به بعد عدة آيات بقوله: ﴿وَ لاَ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ الأنفال: - ٥٩.

و ظاهر أن أخذ هذه القيود أعني قوله: ﴿بَطَراً وَ رِئَاءَ اَلنَّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ يوجب تعلق النهي بها و التقدير: و لا تخرجوا من دياركم إلى قتل أعداء الدين بطرين و مرائين بالتجملات الدنيوية، و صد الناس عن سبيل الله بدعوتهم بأقوالكم و أفعالكم إلى ترك تقوى الله و التوغل في معاصيه و الانخلاع عن طاعة أوامره و دساتيره فإن ذلك يحبط أعمالكم و يطفئ نور الإيمان و يبطل أثره عن جمعكم فلا طريق إلى نجاح السعي و الفوز بالمقاصد الهامة إلا سوي الصراط الذي يمهده الدين القويم و تسهله الملة الفطرية و الله لا يهدي القوم الفاسقين إلى مقاصدهم الفاسدة.

و قد اشتملت الآيات الثلاث على أمور ستة أوجب الله سبحانه على المؤمنين رعايتها في الحروب الإسلامية عند اللقاء و هي الثبات، و ذكر الله كثيرا، و طاعة الله و رسوله، و عدم التنازع، و أن لا يخرجوا بطرا و رئاء الناس و يصدون عن سبيل الله.

و مجموع الأمور الستة دستور حربي جامع لا يفقد من مهام الدستورات الحربية

 

 

 

 

 

 

 شيئا، و التأمل الدقيق في تفاصيل الوقائع في تاريخ الحروب الإسلامية الواقعة في زمن النبي صلى الله عليه وآله و سلم كبدر و أحد و الخندق و حنين و غير ذلك يوضح أن الأمر في الغلبة و الهزيمة كان يدور مدار رعاية المسلمين مواد هذا الدستور الإلهي و عدم رعايتها، و المراقبة لها و المساهلة فيها.

قوله تعالى: ﴿وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ اَلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَ قَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اَلْيَوْمَ إلى آخر الآية، تزيين الشيطان للإنسان عمله هو إلقاؤه في قلبه كون العمل حسنا جميلا يستلذ به و ذلك بتهييج قواه الباطنة و عواطفه الداخلة المتعلقة بذلك العمل فينجذب إليه قلبه، و لا يجد فراغا يعقل ما له من سوء الأثر و شؤم العاقبة.

و ليس من البعيد أن يكون قوله: ﴿وَ قَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اَلْيَوْمَ الآية مفسرا أو بمنزلة المفسر للتزيين الشيطاني على أن يكون المراد بالأعمال نتائجها و هي ما هيئوه من قوة و سلاح و عدة و ما أخرجوه من القيان و المعازف و الخمور، و ما تظاهروا به من نظام الجيش و الجنائب تساق بين أيديهم، و يمكن أن يكون المراد بها نفس الأعمال و هي أنواع تماديهم في الغي و الضلال و إصرارهم في محادة الله و رسوله، و استرسالهم في الظلم و الفسق فيكون قوله المحكي: ﴿لاَ غَالِبَ لَكُمُ اَلْيَوْمَ مِنَ اَلنَّاسِ مما يتم به تزيين الشيطان، و تطيب به نفوسهم فيما اهتموا به من قتال المسلمين، و قد أكمل ذلك بقوله: ﴿وَ إِنِّي جَارٌ لَكُمْ.

و الجوار من سنن العرب في الجاهلية التي كانت تعيش عيشة القبائل، و من حقوق الجوار نصرة الجار للجار إذا دهمه عدو، و له آثار مختلفة بحسب السنن الجارية في المجتمعات الإنسانية.

و قوله: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَتِ اَلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلى‏َ عَقِبَيْهِ النكوص‏ الإحجام عن الشي‏ء و ﴿عَلى‏َ عَقِبَيْهِ حال و

العقب‏

مؤخر القدم أي أحجم و قد رجع القهقرى منهزما وراءه.

و قوله: ﴿إِنِّي أَرى‏َ مَا لاَ تَرَوْنَ الآية تعليل لقوله: ﴿إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ و لعله إشارة إلى نزول الملائكة المردفين الذين نصر الله المسلمين بهم، و كذا قوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ اَللَّهَ وَ اَللَّهُ شَدِيدُ اَلْعِقَابِ تعليل لقوله: ﴿إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ و مفسر للتعليل السابق.

و المعنى و يوم الفرقان هو الوقت الذي زين الشيطان للمشركين ما كانوا يعملونه لمحادة الله و رسوله و قتال المؤمنين، و يتلبسون به للتهيؤ على إطفاء نور الله، فزين ذلك

 

 

 

 

 

 

في أنظارهم، و طيب نفوسهم بقوله: لا غالب لكم اليوم من الناس، و إني مجير لكم أذب عنكم فلما تراءت الفئتان فرأى المشركون المؤمنين و المؤمنون المشركين رجع الشيطان القهقرى منهزما وراءه و قال للمشركين إني بري‏ء منكم إني أرى ما لا ترونه من نزول ملائكة النصر للمؤمنين و ما عندهم من العذاب الذي يهددكم إني أخاف عذاب الله و الله شديد العقاب.

و هذا المعنى كما ترى يقبل الانطباق على وسوسة الشيطان لهم في قلوبهم و تهييجهم على المؤمنين و تشجيعهم على قتالهم و تطييب نفوسهم بما استعدوا به حتى إذا تراءت الفئتان و نزل النصر و استولى الرعب على قلوبهم انتكست أوهامهم و تبدلت أفكارهم و عادت مزعمة الغلبة و أمنية الفتح و الظفر مخافة مستولية على نفوسهم و خيبة و يأسا شاملة لقلوبهم.

و يقبل الانطباق على تصور شيطاني يبدو لهم فتنجذب إليه حواسهم بأن يكون قد تصور لهم في صورة إنسان و يقول لهم ما حكاه الله من قوله: ﴿لاَ غَالِبَ لَكُمُ اَلْيَوْمَ مِنَ اَلنَّاسِ وَ إِنِّي جَارٌ لَكُمْ فيغويهم و يسيرهم و يقربهم من القتال حتى إذا تقاربت الفئتان و تراءتا فلما تراءت الفئتان و رأى الوضع على خلاف ما كان يؤمله و يطمع فيه نكص على عقبيه و قال: إني بري‏ء منكم إني أرى ما لا ترون من نزول النصر و الملائكة إني أخاف الله و الله شديد العقاب، و قد ورد في روايات القصة من طرق الشيعة و أهل السنة ما يؤيد هذا الوجه.

و هو أن الشيطان تصور للمشركين في صورة سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ثم المدلجي و كان من أشراف كنانة و قال لهم ما قال و حمل رايتهم حتى إذا تلاقى الفريقان فر منهزما و هو يقول: ﴿إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‏َ مَا لاَ تَرَوْنَ إلى آخر ما حكاه الله تعالى، و ستجي‏ء الرواية في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

و قد أصر بعض المفسرين على الوجه الأول، و رد الثاني بتزييف الآثار المروية و تضعيف أسناد الأخبار، و هي و إن لم تكن متواترة و لا محفوفة ببعض القرائن القطعية الموجبة للوثوق التام لكن أصل المعنى ليس من المستحيل الذي يدفعه العقل السليم، و لا من القصص التي تدفعها آثار صحيحة، و لا مانع من أن يتمثل لهم الشيطان فيوردهم مورد الضلال و الغي حتى إذا تم له ما أراد تركهم في تهلكتهم أو حتى شاهد

 

 

 

 

 

 

 عذابا إلهيا نكص على عقبيه هاربا.

على أن سياق الآية الكريمة أقرب إلى إفادة هذا الوجه الثاني منه إلى الوجه الأول، و خاصة بالنظر إلى قوله: ﴿وَ إِنِّي جَارٌ لَكُمْ و قوله: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَتِ اَلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلى‏َ عَقِبَيْهِ و قوله: ﴿إِنِّي أَرى‏َ مَا لاَ تَرَوْنَ الآية فإن إرجاع معنى قوله: ﴿إِنِّي أَرى‏َ إلخ مثلا إلى الخواطر النفسانية بنوع من العناية الاستعارية بعيد جدا.

قوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ اَلْمُنَافِقُونَ وَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ إلى آخر الآية، أي يقول المنافقون و هم الذين أظهروا الإيمان و أبطنوا الكفر، و الذين في قلوبهم مرض و هم الضعفاء في الإيمان ممن لا يخلو نفسه من الشك و الارتياب. يقولون مشيرين إلى المؤمنين إشارة تحقير و استذلال : غر هؤلاء دينهم إذ لو لا غرور دينهم لم يقدموا على هذه المهلكة الظاهرة، و هم شرذمة أذلاء لا عدة لهم و لا عدة، و قريش على ما بهم من العدة و القوة و الشوكة.

قوله تعالى: ﴿وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اَللَّهِ فَإِنَّ اَللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ في مقام الجواب عن قولهم و إبانة غرورهم أنفسهم؛ و قوله:: ﴿فَإِنَّ اَللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ من وضع السبب موضع المسبب، و المعنى: و قد أخطأ هؤلاء المنافقون و الذين في قلوبهم مرض في قولهم فإن المؤمنين توكلوا على الله و نسبوا حقيقة التأثير إليه و ضموا أنفسهم إلى قوته و حوله، و من يتوكل أمره على الله فإن الله يكفيه لأنه عزيز ينصر من استنصره حكيم لا يخطئ في وضع كل أمر موضعه الذي يليق به.

و في الآية دليل على حضور جمع من المنافقين و ضعفاء الإيمان ببدر حين تلاقي الفئتين.

أما المنافقون و هم الذين كانوا يظهرون الإسلام و يبطنون الكفر فلا معنى لكونهم بين المشركين فلم يكونوا إلا بين المسلمين لكن الشأن في العامل الذي أوجب منهم الثبات و اليوم يوم شديد.

و أما الضعفاء الإيمان أو الشاكون في حقيقة الإسلام فمن الممكن أن يكونوا بين المؤمنين أو في فئة المشركين و قد قيل إنهم كانوا فئة من قريش أسلموا بمكة و احتبسهم آباؤهم و اضطروا إلى الخروج مع المشركين إلى بدر حتى إذا حضروها و شاهدوا ما عليه المسلمون من القلة و الذلة قالوا: مساكين هؤلاء غرهم دينهم،

 

 

 

 

 

 

 و سيجي‏ء في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

و على أي حال ينبغي إمعان النظر في البحث عما تفيده هذه الآية من حضور جمع من المنافقين و الذين في قلوبهم مرض يوم بدر عند القتال، و استخراج حقيقة السبب الذي أوجب لهؤلاء المنافقين و الضعفاء حضور هذه الغزوة، و الوقوف في ذلك الموقف الصعب الهائل الذي لا يساعد عليه الأسباب العادية و لا يقف فيه إلا رجال الحقيقة الذين امتحن الله قلوبهم للإيمان. و أنهم لما ذا حضروها؟ و كيف و لما ذا صبروا مع الصابرين من فئة الإسلام؟ و لعلنا نوفق لبعض البحث في ذلك فيما سيوافي من آيات سورة التوبة في شأن المنافقين و الذين في قلوبهم مرض إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ﴿وَ لَوْ تَرى‏َ إِذْ يَتَوَفَّى اَلَّذِينَ كَفَرُوا اَلْمَلاَئِكَةُ إلى تمام الآيتين. التوفي‏ أخذ الحق بتمامه، و يستعمل في كلامه تعالى كثيرا بمعنى قبض الروح، و نسبة قبض أرواحهم إلى الملائكة مع ما في بعض الآيات من نسبته إلى ملك الموت، و في بعض آخر إلى الله سبحانه كقوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ الم السجدة: - ١١، و قوله: ﴿اَللَّهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا الزمر: - ٤٢ دليل على أن لملك الموت أعوانا يتولون قبض الأرواح هم بمنزلة الأيدي العمالة له يصدرون عن إذنه و يعملون عن أمره، كما أنه يصدر عن إذن من الله و يعمل عن أمر منه، و بذلك يصح نسبة التوفي إلى الملائكة الأعوان، و إلى ملك الموت، و إلى الله سبحانه.

و قوله: ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبَارَهُمْ ظاهره أنهم يضربون مقاديم أبدانهم و خلاف ذلك فيكنى به عن إحاطتهم و استيعاب جهاتهم بالضرب، و قيل: إن الأدبار كناية عن الأستاه فبالمناسبة يكون المراد بوجوههم مقدم رءوسهم، و ضرب الوجوه و الأدبار بهذا المعنى يراد به الإزراء و الإذلال.

و قوله: ﴿وَ ذُوقُوا عَذَابَ اَلْحَرِيقِ أي يقول لهم الملائكة: ذوقوا عذاب الحريق و هو النار.

و قوله: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ تتمة لقولهم المحكي أو إشارة إلى مجموع ما يفعل بهم و ما يقول لهم الملائكة، و المعنى إنما نذيقكم عذاب الحريق بما قدمت أيديكم أو: نضرب وجوهكم و أدباركم و نذيقكم عذاب الحريق بما قدمت أيديكم.

 

 

 

 

 

 

 و قوله: ﴿وَ أَنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ معطوف على موضع قوله ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أي و ذلك بأن الله ليس بظلام للعبيد أي لا يظلم أحدا من عبيده فإنه تعالى على صراط مستقيم لا تخلف و لا اختلاف في فعله فلو ظلم أحدا لظلم كل أحد، و لو كان ظالما لكان ظلاما للعبيد فافهم ذلك.

و سياق الآيات يشهد على أن المراد بهؤلاء الذين يصفهم الله سبحانه بأن الملائكة يتوفاهم و يعذبهم هم المقتولون ببدر من مشركي قريش.

قوله تعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اَللَّهِ إلى آخر الآية. الدأب و الديدن‏: العادة و هي العمل الذي يدوم و يجري عليه الإنسان، و الطريقة التي يسلكها، و المعنى كفر هؤلاء يشبه كفر آل فرعون و الذين من قبلهم من الأمم الخالية الكافرة كفروا بآيات الله و أذنبوا بذلك فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي لا يضعف عن أخذهم شديد العقاب إذا أخذ.

قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اَللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلى‏َ قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ إلخ أي إن العقاب الذي يعاقب به الله سبحانه إنما يعقب نعمة إلهية سابقة بسلبها و استخلافها، و لا تزول نعمة من النعم الإلهية و لا تتبدل نقمة و عقابا إلا مع تبدل محله و هو النفوس الإنسانية، فالنعمة التي أنعم بها على قوم إنما أفيضت عليهم لما استعدوا لها في أنفسهم، و لا يسلبونها و لا تتبدل بهم نقمة و عقابا إلا لتغييرهم ما بأنفسهم من الاستعداد و ملاك الإفاضة و تلبسهم باستعداد العقاب.

و هذا ضابط كلي في تبدل النعمة إلى النقمة و العقاب، و أجمع منه قوله تعالى: ﴿إِنَّ اَللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ الرعد: - ١١ و إن كان ظاهره أظهر انطباقا على تبدل النعمة إلى النقمة.

و كيف كان فقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اَللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً إلخ من قبيل التعليل بأمر عام و تطبيقه على مورده الخاص أي أخذ مشركي قريش بذنوبهم، و عقابهم بهذا العقاب الشديد، و تبديل نعمة الله عليهم عقابا شديدا إنما هو فرع من فروع سنة جارية إلهية هي أن الله لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

و قوله: ﴿وَ أَنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ تعليل آخر بعد التعليل بقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ

 

 

 

 

 

 

 اَللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً إلخ و ظاهره بمقتضى إشعار السياق أن المراد به: و ذلك بأن الله سميع لدعواتكم عليم بحاجاتكم سمع استغاثتكم و علم بحاجتكم فاستجاب لكم فعذب أعداءكم الكافرين بآيات الله، و يحتمل أن يكون المراد: ذلك بأن الله سميع لأقوالهم عليم بأفعالهم فعذبهم على ذلك، و يمكن الجمع بين المحتملين.

قوله تعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ إلخ كرر التنظير السابق لمشابهة الفرض مع ما تقدم فقوله: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ إلخ السابق تنظير لقوله‏﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ كما أن قوله: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ إلى قوله ﴿وَ كُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ثانيا تنظير لقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اَللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً إلخ.

غير أن التنظير الثاني يشتمل على نوع من الالتفات في قوله: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ و قد وقع بحذائه في التنظير الأول: ﴿فَأَخَذَهُمُ اَللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ من غير التفات و لعل الوجه فيه أن التنظير الثاني لما كان مسبوقا بإفادة أن الله هو المفيض بالنعم على عباده و لا يغيرها إلا عن تغييرهم ما بأنفسهم، و هذا شأن الرب بالنسبة إلى عبيده اقتضى ذلك أن يعد هؤلاء عبيدا غير جارين على صراط عبودية ربهم و لذلك غير بعض سياق التنظير فقال في الثاني: ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ و قد كان بحذائه في الأول قوله: ﴿كَفَرُوا بِآيَاتِ اَللَّهِ و لذلك التفت هاهنا من الغيبة إلى التكلم مع الغير فقال: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ للدلالة على أنه سبحانه هو ربهم و هو مهلكهم، و قد أخذ المتكلم مع الغير للدلالة على عظمة الشأن و جلالة المقام، و أن له وسائط يعملون بأمره و يجرون بمشيته.

و قوله: ﴿وَ أَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ أظهر المفعول و لم يقل: و أغرقناهم ليؤمن الالتباس برجوع الضمير إلى آل فرعون و الذين من قبلهم جميعا.

و قوله تعالى: ﴿وَ كُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ أي جميع هؤلاء الذين أخذهم العذاب الإلهي من كفار قريش و آل فرعون و الذين من قبلهم كانوا ظالمين في جنب الله.

و فيهبيان أن الله سبحانه لا يأخذ بعقابه الشديد أحدا، و لا يبدل نعمته على أحد نقمة إلا إذا كان ظالما ظلما يبدل نعمة الله كفرا بآياته فهو لا يعذب بعذابه إلا مستحقه.

 

 

 

 

 

 

بحث روائي

 في الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسين بن عثمان عن سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير.

 و فيه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح قال: الخمس في خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعل الله له، و يقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك.

و يقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله، و سهم لرسوله، و سهم لذي القربى و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل فسهم الله و سهم رسوله لأولي الأمر من بعد رسول الله وراثة فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، و سهم مقسوم له من الله فله نصف الخمس كلا، و نصف الخمس الثاني بين أهل بيته: فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب و السنة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل منهم شي‏ء فهو للوالي، و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده ما يستغنون به، و إنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم، و إنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم عن صدقات الناس تنزيها من الله لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و كرامة من الله لهم من أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده و ما يغنيهم به، أن يصيرهم في موضع الذل و المسكنة، و لا بأس بصدقة بعضهم على بعض .

و هؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله و سلم الذين ذكرهم الله فقال: ﴿وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ و هم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم و الأنثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد، و لا فيهم و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم، و قد تحل صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء.

و من كانت أمه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له، و ليس له من الخمس شي‏ء لأن الله يقول، ﴿اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ.

 

 

[1]   نهج البلاغة في باب الوصايا.

[2]   و هن على ما في ذيل الراوية: فاطمة بنت النبي عليها السلام فاطمة بنت أسد، و فاطمة بنت الزبير.

[3]   يعني طريق محمد بن إسحاق.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=2066
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 05 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 03