• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير القمي ج 1 ، تأليف : علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) .
                    • الموضوع : سورة الانفال .

سورة الانفال

سورة الانفال مدنية خمس وسبعون آية (بسم الله الرحمن الرحيم يسئلونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول واتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعو الله ورسوله ان كنتم مؤمنين) فحدثني ابي عن فضالة بن ايوب عن ابان بن عثمان عن اسحاق بن عمار قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن الانفال فقال هي القرى التي قد خربت وانجلا اهلها فهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للامام وما كان من ارض الجزية لم يوجف (1) عليها بخيل ولا ركاب، وكل ارض لا رب لها والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى فما له من الانفال، وقال نزلت يوم بدر لما انهزم الناس كان اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ثلاث فرق، فصنف كانوا عند خيمة النبي (صلى الله عليه وآله) وصنف اغاروا علي النهب، وفرقة طلبت العدو واسروا وغنموا فلما جمعوا الغنائم والاسارى تكلمت الانصار في الاسارى فانزل الله تبارك وتعالي " ما كان لنبي

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اوجف دابته ايجافا جعله يعدو عدوا سريعا ج ز (الانفال) (*)

 

===============

(255)

ان يكون له اسرى حتى يثخن (1) في الارض " فلما اباح الله لهم الاسارى والغنائم تكلم سعد بن معاذ وكان ممن اقام عند خيمة النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال يارسول الله ما منعنا ان نطلب العدو زهادة في الجهاد ولا جبنا عن العدو ولكنا خفنا ان نعدو موضعك فتميل عليك خيل المشركين، وقد اقام عند الخيمة وجوه المهاجرين والانصار ولم يشك احد منهم والناس كثير يارسول الله والغنائم قليلة ومتى يعطي هؤلاء لم يبق لاصحاب شئ، وخاف ان يقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الغنائم واسلاب القتلي بين من قاتل ولا يعطي من تخلف عليه عند خيمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا، فاختلفوا فيما بينهم حتى سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا لمن هذه الغنائم فانزل الله " يسئلونك عن الانفال قل الانفال لله وللرسول " فرجع الناس وليس لهم في الغنيمة شئ ثم انزل الله بعد ذلك (واعلموا ان ما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينهم، فقال سعد بن ابي وقاص يا رسول الله ص أتعطي فارس القوم الذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال النبي ص ثكلتك امك وهل تنصرون الا بضعفائكم! قال فلم يخمس رسول الله ص ببدر وقسمه بين اصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر، ونزل قوله " يسألونك عن الانفال " بعد انقضاء حرب بدر فقد كتب ذلك في اول السورة وكتب بعده خروج النبي (صلى الله عليه وآله) الي الحرب.

(وقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم ـ إلى قوله ـ (لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) فانها نزلت في امير المؤمنين (عليه السلام) وابي ذر وسلمان والمقداد ثم ذكر بعد ذلك الانفال وقسمة الغنائم، خروج

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اي يغلب على الارض ويبالغ في قتل اعدائه (مجمع البحرين) (*)

 

===============

(256)

رسول الله (صلى الله عليه وآله) الي الحرب فقال (كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كانما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) وكان سبب ذلك ان عيرا لقريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم، فامر رسول الله اصحابه بالخروج ليأخذوها فاخبرهم ان الله قد وعده احدى الطائفتين اما العير واما قريش ان اظفر بهم، فخرج في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، فلما قارب بدر كان ابوسفيان في العير فلما بلغه ان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد خرج يتعرض العير خاف خوفا شديدا ومضى إلى الشام فلما وافى البهرة (1) اكترى ضمضم الخزاعي بعشرة دنانير واعطاه قلوصا وقال له امض إلى قريش واخبرهم ان محمدا والصباة (2) من اهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فادركوا العير واوصاه ان يخرم ناقته ويقطع اذنها حتى يسيل الدم ويشق ثوبه من قبل ودبر فاذا دخل مكة ولى وجهه إلى ذنب البعير وصاح باعلي صوته يا آل غالب! الطيمة اللطيمة العير العير (3) ادركوا ادركوا! وما اراكم تدركون، فان محمدا والصباة من اهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم، فخرج ضمضم يبادر إلى مكة ورأت عاتكه بنت عبدالمطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة ايام كأن راكبا قد دخل مكة ينادي يا آل عذر يا آل فهر اغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث ثم وافى بجملة على ابي قبيس فاخذ حجرا فدهده (4) من الجبل فما ترك من دور قريش الا اصابها منه فلذة وكان وادي مكة قد سال من اسفله دما فانتبهت ذعرة فاخبرت العباس بذلك فاخبر العباس عتبة بن ربيعة، فقال عتبة

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) البهرة بالضم موضع بنواحي المدينة وموضع باليمامة. ق

(2) جمع صبوة اي الجهلة.

(3) السعير التى تحمل المسك ق

(4) دهده الحجر اي دحرجه. (*)

 

===============

(257)

مصيبة تحدث في قريش وفشت الرؤيا في قريش وبلغ ذلك ابا جهل فقال ما رأت عاتكة هذه الرؤيا وهذه نبية ثانية في بني عبدالمطلب واللات والعزى لننتظر ثلاثة ايام فان كان ما رأت حقا فهو كما رأت وان كان غير ذلك لنكتبن بيننا كتابا انه ما من اهل بيت من العرب اكذب رجالا ولا نساءا من بني هاشم، فلما مضى يوم قال ابوجهل هذا يوم قد مضى فلما كان اليوم الثاني قال ابوجهل هذان يومان قد مضيا، فلما كان اليوم الثالث وافى ضمضم ينادي في الوادي " ياآل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير ادركوا ادركوا وما اراكم تدركون فان محمدا والصباة من اهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم التي فيها خزائنكم " فتصايح الناس بمكة وتهيئوا للخروج وقام سهيل بن عمرو وصفوان بن امية وابوالبختري ابن هشام ومنية وبنية ابنا الحجاج ونوفل بن خويلد فقال يا معشر قريش والله ما اصابكم مصيبة اعظم من هذه ان يطمع محمد والصباة عن اهل يثرب ان يتعرضوا لعيركم التي فيها خزائنكم فوالله ما قرشي ولا قرشية الا ولها في هذه العير شئ فصاعدا وانه الذل والصغار ان يطمع محمد في اموالكم ويفرق بينكم وبين متجركم فاخرجوا، واخرج صفوان بن امية خمس مائة دينار وجهز بها، واخرج سهيل بن عمرو خمس مائة وما بقي احد من عظماء قريش الا اخرجوا مالا وحملوا وقووا واخرجوا على الصعب والذلول ما يملكون انفسهم كما قال الله تعالى: خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس، وخرج معهم العباس بن عبدالمطلب ونوفل بن الحارث وعقيل ابن ابى طالب واخرجوا معهم القينان يشربون الخمر ويضربون بالدفوف؟.

وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، فلما كان بقرب بدر علي ليلة منها بعث بشير بن ابي الرعبا (بن ابي الدعناء خ ل) ومجد بن عمرو يتجسسان خبر العير فأتيا ماء بدر واناخا راحلتيهما؟ واستعذبا من الماء،  وسمعا جاريتين قد تشبثت احديهما بالاخرى وتطالبها بدرهم كان لها عليها فقالت

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) النش بفتح النون وتشديد الشين نصف اوقية (عشرون درهما) مجمع (*)

 

===============

(258)

عير قريش نزلت امس في موضع كذا وكذا وهى تنزل غدا هاهنا وانا اعمل لهم واقضيك، فرجع اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليه فاخبراه بما سمعا، فاقبل ابوسفيان بالعير فلما شارف بدر تقدم العير واقبل وحده حتى انتهى الي ماء بدر وكان بها جل من جهينية يقال له كسب الجهني فقال له ياكسب هل لك علم بمحمد واصحابه؟ قال لا، قال واللات والعزى لان كتمتنا امر محمد لا يزال قريش معادية لك آخر الدهر فانه ليس احد من قريش الا وله في هذه العير النش فصاعدا فلا تكتمى، فقال والله مالي علم بمحمد وما بال محمد واصحابه بالتجار الا واني رأيت في هذا اليوم راكبين اقبلا واستعذبا من الماء واناخا راحلتيهما ورجعا فلا ادري من هما، فجاء ابوسفيان إلى موضع مناخ ابلهما ففت ابعار الابل بيده فوجد فيها النوى فقال هذه علايف يثرب هؤلاء عيون محمد، فرجع مسرعا وامر بالعير فاخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومروا مسرعين ونزل جبرئيل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخبره ان العير قد افلتت وان قريشا قد اقبلت لتمنع عن عيرها وامره بالقتال ووعده النصر، وكان نازلا ماء الصفراء فاحب ان يبلو الانصار لانهم انما وعدوه ان ينصروه في الدار، فاخبرهم ان العير قد جازت وان قريشا قد اقبلت لتمنع عن عيرها وان الله قد امرني بمحاربتهم، فجزع اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك وخافوا خوفا شديدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشيروا علي، فقام الاول فقال يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها (1) ما آمنت منذ كفرت ولا ذلت مند عزت، ولم تخرج علي هيئة الحرب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) له اجلس فجلس قال اشيروا علي فقام الثانى فقال مثل مقالة الاول فقال (صلى الله عليه وآله) اجلس فجلس ثم

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الخيلاء بضم الخاء وفتح الياء: الكبر، وفي الحديث لا يدخل الجنة شيخ زان ولا جبار ازاره خيلاء. (*)

 

===============

(259)

قام المقداد فقال يا رسول الله وانا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به حق من عند الله ولو امرتنا ان نخوض جمر الغضا وشوك الهراش (1) خضنا معك ولا نقول لك ما قالت بنو اسرائيل لموسى " اذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون " ولكنا نقول " امض لامر ربك فانا معك مقاتلون " فجزاه النبي (صلى الله عليه وآله) خيرا ثم جلس ثم قال اشيروا علي، فقام سعد بن معاذ، فقال بابى انت وامي يارسول الله كأنك اردتنا؟ قال نعم قال فلعلك خرجت على امر قد امرت بغيره قال نعم قال بابي انت وامي يارسول الله انا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت وخذ من اموالنا ما شئت واترك منه ما شئت والذي اخذت منه احب الي من الذي تركت منه، والله لو امرتنا ان نخوض هذا البحر لخضناه معك، فجزاه خيرا ثم قال سعد بابي انت وامي يارسول الله والله ما خضت هذا الطريق قط ومالي به علم وقد خلفنا بالمدينة قوما ليس نحن باشد جهادا لك منهم ولو علموا انه الحرب لما تخلفوا ولكن نعد لك الرواحل ونلقى عدونا فانا نصبر عند اللقاء، انجاد في الحرب (2) وانا لنرجو ان يقر الله عينك بنا فان يك ما تحب فهو ذلك وان يكن غير ذلك قعدت على رواحلك فلحقت بقومنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) او يحدث الله غير ذلك، كأني بمصرع فلان ههنا وبمرصع فلان ههنا وبمصرع ابي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج فأن الله قد وعدنى احدى الطائفتين ولن يخلف الله الميعاد، فنزل جبرئيل (عليه السلام) علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الآية " كما اخرجك ربك من بيتك بالحق ـ إلى قوله ـ ولو كره المجرمون " فامر

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الغضا الواحدة منه غضاة شجر من الاثل جمرة تبقى زمنا طويلا، الهريشة نبات. جمعها الهراش

(2) اي شجعان، وفي حديث علي عليه السلام: اما بنو هاشم فانجاد. ج ز (*)

 

===============

(260)

رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالرحيل حتى نزل عشاءا علي ماء بدر وهى العدوة الشامية.

واقبلت قريش فنزلت بالعدوة اليمانية، وبعثت عبيدها تستعذب من الماء فاخذهم اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبسوهم، فقالوا لهم من انتم؟ قالوا نحن عبيد قريش، قالوا فاين العير؟ قالوا لا علم لنا بالعير، فاقبلوا يضربونهم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي فانقتل (1) من صلاته فقال ان صدقوكم ضربتموهم وان كذبوكم تركتموهم علي بهم، فاتوا بهم فقال لهم من انتم؟ قالوا يا محمد نحن عبيد قريش، قال كم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم، قال كم ينحرون في كل يوم جزورا؟

قالوا تسعة او عشرة، فقال (صلى الله عليه وآله) تسعمائة او الف، ثم قال فمن فيهم من بني هاشم؟ قال العباس بن عبدالمطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن ابي طالب، فامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهم فحبسوهم، وبلغ قريشا ذلك فخافوا خوفا شديدا، ولقي عتبة بن ربيعة ابا البختري بن هشام (بن هاشم بن عبدالمطلب ك) فقال له اما ترى هذا البغي (2) والله ما ابصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا وقد افلتت فجئنا بغيا وعدوانا، والله ما افلح قوم قط بغوا ولوددت ان ما في العير من اموال بني عبدمناف ذهب كله ولم نسر هذا الميسر، فقال له ابوالبختري انك سيد من سادات قريش، تحمل العير التي اصابها محمد (صلى الله عليه وآله) واصحابه بنخلة (بنخيلة خ ل) ودم ابن الحضرمي فانه حليفك، فقال عتبة انت علي بذلك وما علي احد منا خلاف الا ابن حنظلة يعني ابا جهل فسر اليه واعلمه اني قد تحملت العير التي قد اصابها محمد ودم ابن الحضرمي.

فقال ابوالبختري فقصدت خباءه فاذا هو قد اخرج درعا له فقلت له ان

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اي صرف وجهه اليهم.

(2) اي بغي المشركين ج. ز (*)

 

===============

(261)

ابا الوليد بعثنى اليك برسالة، فغضب ثم قال اما وجد عتبة رسولا غيرك؟ فقلت اما والله لو غيره ارسلني ما جئت ولكن ابا الوليد سيد العشيرة، فغضب اشد من الاولى، فقال تقول سيد العشيرة! فقلت انا قوله؟ وقريش كلها تقوله، انه قد تحمل العير ودم ابن الحضرمي، فقال ان عتبة اطول الناس لسانا وابلغهم في الكلام ويتعصب لمحمد فانه من بني عبد مناف وابنه معه، ويريد ان يحذر (يخذل ك) بين الناس لا واللات والعزى حتى نقتحم عليهم بيثرب ونأخذهم اسارى فندخلهم مكة وتتسامع العرب بذلك ولا يكونن بيننا وبين متجرنا احد نكرهه.

وبلغ اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثرة قريش ففزعوا فزعا شديدا وبكوا واستغائوا فانزل الله على رسوله (اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من الملائكة مردفين وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم) فلما مشى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجنه الليل القى الله علي اصحابه النعاس حتى ناموا وانزل الله تبارك وتعالى عليهم السماء وكان نزل الوليد في موضع لا يثبت فيه القدم فانزل الله عليهم السماء حتى تثبت اقدامهم علي الارض وهو قول الله تعالى (اذ يغشيكم النعاس امنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان) وذلك ان بعض اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) احتلم (وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) وكان المطر علي قريش مثل العزالى (1) وكان علي اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) رذاذا (2) بقدر ما لبد الارض.

وخافت قريش خوفا شديدا فاقبلوا يتحارسون يخافون البيات فبعث

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) جمع العزلاء: مصب الماء من الرواية اشارة إلى شدة المطر.

(2) الرذاذ كالسحاب: المطر الضعيف. ق (*)

 

===============

(262)

رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمار بن ياسر وعبدالله بن مسعود فقال ادخلا في القوم واتياني بأخبارهم، فكانا يجولان في عسكرهم لا يرون الا خائفا ذعرا اذا صهل الفرس وثب علي جحفلته (1) فسمعوا منبة بن الحجاج يقول:

لايترك الجزع (الجوع ط) لنا مبيتا * لا بد ان نموت او نميتا قال (صلى الله عليه وآله) والله كانوا شباعى (سباعى) ولكنهم من الخوف قالوا هذا والقى الله على قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) فلما اصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبأ اصحابه وكان في عسكره (صلى الله عليه وآله) فرسان فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد، وكان في عسكره سبعون جملا يتعاقبون عليها، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومرثد بن ابي مرثد الغنوي وعلى بن ابي طالب (عليه السلام) علي جمل يتعاقبون عليه والجمل لمرثد وكان في عسكر قريش اربعمائة فرس.

فعبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه بين يديه وقال غضوا ابصاركم لا تبدوهم بالقتال ولا يتكلمن احد، فلما نظر قريش إلى قلة اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ابوجهل: ما هم الا اكلة رأس ولو بعثنا اليهم عبيدنا لاخذوهم اخذا باليد، فقال عتبة بن ربيعة اترى لهم كمينا ومددا؟ فبعثوا عمر بن وهب الجمحي، وكان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف إلى معسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم صعد الوادي وصوت ثم رجع إلى قريش، فقال ما لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع، اما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الافاعي (2) ما لهم ملجأ الا سيوفهم وما اراهم يولون حتى يقتلون، ولا يقتلون حتى يقتلون

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) وهى لذي الحافر كالشفة لغيره.

(2) تلمظ تتبع بلسانه لبقية الطعام في الفم واخرج لسانه فمسح شفته. (*)

 

===============

(263)

بعددهم، فارتاؤا رأيكم، فقال ابوجهل كذبت وجبنت وانتفخ منخرك حين نظرت إلى سيوف يثرب.

وفزع اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نظروا إلى كثرة قريش وقوتهم فانزل الله على رسوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله) وقد علم الله انهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم وانما اراد سبحانه بذلك ليطيب قلوب اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قريش، فقال يا معشر قريش ما احد من العرب ابغض الي ممن بدأ بكم خلوني والعرب فان أك صادقا فانتم اعلي بي عينا وان اك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب امري فارجعوا، فقال عتبة والله ما افلح قوم قط ردوا هذا، ثم ركب جملا له احمر فنظر اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجول في العسكر وينهى عن القتال، فقال ان يكون عند احد خير فعند صاحب الجمل الاحمر فان يطيعوه يرجعوا ويرشدوا، فاقبل عتبة يقول يامعشر قريش اجتمعوا واستمعوا ثم خطبهم فقال يمن رحب فرحب مع يمن يا معشر قريش! اطيعوني اليوم واعصوني الدهر وارجعوا الي مكة واشربوا الخمور وعانقوا الحور فان محمدا له ال (1) وذمة وهو ابن عمكم فارجعوا ولا تنبذوا رأيي وانما تطالبون محمدا بالعير التي اخذها محمد (صلى الله عليه وآله) بنخيلة ودم ابن الحضرمي وهو حليفي وعلي عقله، فلما سمع ابوجهل ذلك عاظه (2) وقال ان عتبة اطول الناس لسانا وابلغهم في الكلام ولئن رجعت قريش بقوله ليكونن سيد قريش آخر الدهر ثم قال يا عتبة! نظرت إلى سيوف بني عبدالمطلب وجبنت وانتفخ سحرك (3) وتأمر الناس بالرجوع وقد رأينا ثارنا باعيننا، فنزل عتبة عن جمله وحمل علي ابي جهل

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الال بالكسر العهد

(2) اداره في فيه

(3) السحر والسحر والسحر: الرءة. ج ز (*)

 

===============

(264)

وكان على فرس فاخذ بشعره فقال الناس يقتله، فمرقب فرسه وقال امثلي يجبن وستعلم قريش اليوم اينا ألام واجبن واينا المفسد لقومه، لا يمشي الا انا وانت إلى الموت عيانا ثم قال هذا حبائي وخياره فيه، وكل جان يده إلى فيه (ثم اخذ بشعره يجره ك) فاجتمع الناس فقالوا يا ابا الوليد الله الله لا تفت في اعضاد الناس (1) تنهى عن شئ وتكون اوله. فخلصوا ابا جهل من يده فنظر عتبة إلى اخيه شيبة، ونظر إلى ابنه الوليد، فقال قم يا بني فقام ثم لبس درعه وطلبوا له بيضة تسع رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته، فاعتم بعمامتين ثم اخذ سيفه وتقدم هو واخوه وابنه، ونادى يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قريش. فبرز اليه ثلاثة نفر من الانصار عود ومعود وعوف من بني عفرا، فقال عتبة من انتم؟ انتسبوا لنعرفكم فقالوا نحن بنو عفرا انصار الله وانصار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالوا ارجعوا، فانا لسنا اياكم نريد، انما نريد الاكفاء من قريش، فبعث اليهم رسول الله ان ارجعوا فرجعوا وكره ان يكون اول الكرة بالانصار، فرجعوا ووقفوا موقفهم، ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب، وكان له سبعون سنة، فقال له قم ياعبيدة! فقام بين يديه بالسيف، ثم نظر إلى حمزة بن عبدالمطلب، فقال قم يا عم! ثم نظر إلى امير المؤمنين (عليه السلام) فقال له قم يا علي! وكان اصغرهم، فقال فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم قد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد ان تطغي نور الله ويابي الله الا ان يتم نوره، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ياعبيدة عليك بعتبة، وقال لحمزة عليك بشيبة. وقال لعلي عليك بالوليد بن عتبة، فمروا حتى اننهو إلى الفوم، فقال عتبة من انتم؟ انتسبوا لنعرفكم،

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) فت الشئ: كسره بالاصابع كسرا صغيرة ومنه فت الخبز في المرق ويقال فت في عضده، اي كسر قوته. (*)

 

===============

(265)

فقال عبيدة: انا عبيدة بن حارث بن عبدالمطلب، فقال كفو كريم فمن هذان؟ قال حمزة بن عبدالمطلب وعلي بن ابي طالب (عليه السلام)، فقال كفوان كريمان لعن الله من اوقفنا واياكم هذا الموقف، فقال شيبة لحمزة من انت؟ فقال انا حمزة ابن عبدالمطلب اسد الله واسد رسوله، وقال له شيبة لقد لقيت اسد الحلفاء فانظر كيف تكون صولتك يا اسد الله! فحمل عبيدة على عتبة فضربه على راسه ضربة ففلق هامته، وضرب عتبة عبيدة على ساقه قطعها، وسقطا جميعا، وحمل حمزة علي شيبة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما؟، وكل واحد يتقى بدرقته (1) وحمل امير المؤمنين (عليه السلام) على الوليد بن عتبة فضربه على عاتقه فاخرج السيف من ابطه، فقال علي (عليه السلام) فاخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي فظننت ان السماء وقعت علي الارض، ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون يا علي اما ترى الكلب قد ابهر عمك، فحمل علي (عليه السلام) ثم قال يا عم طأطأ رأسك وكان حمزة اطول من شيبة فادخل حمزة رأسه في صدره فضربه امير المؤمنين (عليه السلام) علي رأسه فطير نصفه، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فاجهز عليه، وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتى اتيا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستعبر، فقال يارسول الله يا بي انت وامي الست شهيدا؟ فقال بلي انت اول شهيد من اهل بيتي قال اما لو كان عمك حيا لعلم اني اولي بما قال منه، قال واي اعمامي تعني؟ قال ابوطالب حيث يقول (عليه السلام):

كذبتم وبيت الله نبرأ محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن ابنائنا والحلائل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله وابنه الآخر في جهاد الله بارض الحبشة فقال يا رسول الله أسخطت علي في هذه الحالة

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الدرقة بفتحتين الترس. (*)

 

 

===============

(266)

فقال ما سخطت عليك ولكن ذكرت عمي فانقبضت لذلك.

وقال ابوجهل لقريش لا تعجلوا ولا تبطروا كما عجل وبطر ابناء ربيعة،  عليكم باهل يثرب فاجزروهم جزرا وعليكم بقريش فخذوهم اخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي كانوا عليها وكان فتية من قريش اسلموا بمكة فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم علي الشك والارتياب والنفاق منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وابوقيس بن الفاكهة والحارث بن ربيعة وعلي ابن امية بن خلف والعاص بن المنية، فلما نظروا إلى قلة اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالوا مساكين هؤلاء غرهم دينهم فيقتلون الساعة، فانزل الله علي رسوله؟

(اذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم) وجاء ابليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم انا جاركم ادفعوا الي رايتكم، فدفعوها اليه وجاء بشياطينه يهول بهم علي اصحاب رسول الله ويخيل اليهم ويفزعهم واقبلت قريش يقدمها ابليس معه الراية فنظر اليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال غضوا ابصاركم وعضوا علي النواجذ ولا تسلوا سيفا حتى آذن لكم ثم رفع يده إلى السماء وقال " يارب ان تهلك هذه العصانة؟ لم تعبد وان شئت ان لا تعبد لا تعبد " ثم اصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت العرق عن وجهه ويقول: هذا جبرئيل قد اتاكم في الف من الملائكة مردفين قال فنظرنا فاذا بسحابة سوداء فيها برق لايح قد وقعت على عسكر رسول الله وقائل يقول اقدم حيزوم اقدم حيزوم! وسمعنا قعقعة السلاح من الجو ونظر ابليس إلى جبرئيل فتراجع ورمى باللواء فاخذ منية بن الحجاج بمجامع ثوبة ثم قال ويلك ياسراقة تفت في اعضاد الناس فركله ابليس ركلة (1) في صدره وقال اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله وهو قول الله (واذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الركل: الضرب برجل واحدة (*)

 

===============

(267)

وقال اني برئ منكم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب) ثم قال عزوجل (ولو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم وذوقوا عذاب الحريق).

قال وحمل جبرئيل علي ابليس فطلبه حتى غاص في البحر، وقال رب انجز لي ما وعدتني من البقاء إلى يوم الدين، روي في الخبر ان ابليس التفت إلى جبرئيل وهو في الهزيمة فقال يا هذا أبدا لكم فيما اعطيتمونا؟ فقيل لابي عبدالله (عليه السلام) أترى كان يخاف ان يقتله؟ فقال لا ولكنه كان يضربه ضربا يشينه منها إلى يوم القيامة، وانزل علي رسوله (صلى الله عليه وآله) (اذ يوحي ربك إلى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان) قال اطراف الاصابع، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد ان تطفئ نور الله ويأبي الله الا ان يتم نوره، وخرج ابوجهل من بين الصفين فقال ان محمدا (صلى الله عليه وآله) قطعنا الرحم واتانا بما لا نعرفه فاحنه (1) الغداة فانزل الله علي رسوله (ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وان تنتهوا فهو خير لكم وان تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله مع المؤمنين) ثم اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفا من حصى فرمى به وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللهم لا يفلتن فرعون هذه الامة ابوجهل بن هشام، فقتل منهم سبعون، واسر منهم سبعون، والتقى عمرو بن الجموح مع ابي جهل فصرب عمرو ابا جهل بن هشام علي فخذيه وضرب ابوجهل عمرو على يده فابانها من العضد فتعلقت بجلدة فاتكأ عمرو علي يده برجله ثم نزا في السماء حتى انقطعت

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال " حن عني شرك " اي كفه. (*)

 

===============

(268)

الجلدة ورمى بيده، وقال عبدالله بن مسعود انتهيت إلى ابي جهل وهو يتشحط في دمه فقلت الحمد لله الذي اخزاك، فرفع رأسه فقال إنما اخزى الله عبد بن ام عبدالله لمن الدين ويلك قلت لله ولرسوله واني قاتلك ووضعت رجلي على عنقه فقال ارتقيت مرتقا صعبا يارويعي الغنم اما انه ليس شئ اشد من قتلك إياي في هذا اليوم الا تولى قتلي رجل من المطمئنين او رجل من الاحلاف (1) فاقتلعت بيضة؟ كانت على رأسه فقتلته واخذت رأسه وجئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)،  فقلت يا رسول الله البشرى هذا رأس ابي جهل بن هشام، فسجد لله شكرا واسر ابوبشر الانصاري العباس بن عبدالمطلب وعقيل بن ابي طالب (عليه السلام) وجاء بهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له هل اعانك عليهما احد؟ قال نعم رجل عليه ثياب بياض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذاك من الملائكة ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للعباس افد نفسك وابن اخيك، فقال يا رسول الله قد كنت اسلمت ولكن القوم استكرهوني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اعلم باسلامك ان يكن ما تذكر حقا فان الله يجزيك عليه واما ظاهر امرك فقد كنت علينا ثم قال (صلى الله عليه وآله) ياعباس انكم خاصمتم الله فخصمكم، ثم قال افد نفسك وابن اخيك وقد كان العباس اخذ معه اربعين اوقية من ذهب فغنمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما قال (صلى الله عليه وآله) للعباس افد نفسك فقال يا رسول الله احسبها من فدائي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا، ذاك اعطانا الله منك، فافد نفسك وابن اخيك، فقال العباس فليس لي مال غير الذي ذهب مني، قال بلى المال الذي خلفته عند ام الفضل بمكة. فقلت لها ان حدث علي حدث فاقسموه بينكم. فقال ما تتركني إلا وانا اسئل الناس بكفي. فانزل

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) وفى نسخة " الاجلاف " والجلف كالحلف: الاحمق، المطمئن من الارض: ما انخفض منها والمراد هنا الوضيع يعني لو تولى كل وضيع قتلى غيرك. ج. ز (*)

 

===============

(269)

الله على رسوله في ذلك (يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) ثم قال (وان يريدوا خيانتك ـ في علي ـ فقد خانوا الله من قبل فامكن منهم والله عليم حكيم) ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعقيل. قد قتل الله يا ابا يزيد ابا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشبيب بن ربيعة ومنية وبنية ابني الحجاج ونوفل بن خويلد وسهيل بن عمرو والنظر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن ابي معيط وفلانا وفلانا، فقال عقيل اذا لا تنازع في تهامة فان كنت قد اثخنت القوم إلا فاركب اكتافهم فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قوله.

وكان القتلى ببدر سبعين والاسرى سبعين قتل منهم امير المؤمنين (عليه السلام) سبعة وعشرين ولم يوسر احدا، فجمعوا الاسارى وقرنوهم في الجمال وساقوهم على اقدامهم وجمعوا الغنائم، وقتل من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعة رجال فمنهم سعد بن خثيمة وكان من النقباء فرحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل الاثيل عند غروب الشمس وهو من بدر علي ستة اميال فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عقبة بن ابي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة وهما في قران واحد، فقال النضر لعقبة يا عقبة انا وانت من المقتولين فقال عقبة من بين قريش قال نعم لان محمدا قد نظر الينا نظرة رأيت فيها القتل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ياعلي علي بالنضر وعقبة وكان النضر رجلا جميلا عليه شعر فجاء علي فاخذ بشعره فجره إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال النضر يا محمد اسألك بالرحم الذي بيني وبينك إلا اجريتني كرجل من قريش ان قتلتهم قتلتني وان فاديتهم فاديتني وان اطلقتهم اطلقتني فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا رحم بينى وبينك قطع الله الرحم بالاسلام قدمه ياعلي فاضرب عنقه، فقال عقبة يا محمد ألم تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبرا، قال أفانت من قريش؟ إنما أنت علج من اهل صفورية لانت في الميلاد اكبر من ابيك الذي تدعى له لست منها قدمه

 

===============

(270)

ياعلي فاضرب عنقه، فقدمه وضرب عنقه فلما قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) النضر وعقبة خافت الانصار ان يقتل الاسارى كلهم فقاموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قتلنا سبعين واسرنا سبعين وهم قومك واساراك هبهم لنا يارسول الله وخذ منهم الفداء واطلقهم فانزل الله عليهم (ما كان النبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فاطلق لهم ان يأخذوا الفداء ويطلقوهم وشرط انه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذوا منهم الفداء فرضوا منه بذلك فلما كان يوم احد قتل من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعون رجلا فقال من بقي من اصحابه يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما هذا الذي اصابنا وقد كنت تعدنا بالنصر! فانزل الله عزوجل فيهم (او لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها) ببدر قتلتم سبعين واسرتم سبعين (قلتم انى هذا قل هو من عند انفسكم) (1) بما اشترطتم.

رجع الحديث إلى تفسير الآيات التي لم تكتب في قوله (وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم) قال العير او قريش وقوله (وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم) قال ذات الشوكة الحرب قال تودون العير لا الحرب (ويريد الله ان يحق الحق بكلماته) قال الكلمات الائمة (عليهم السلام) وقوله: (ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله) اي عادوا الله ورسوله، ثم قال عزوجل (ياايها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) اي يدنوا بعضكم من بعض. (فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) يعني يرجع (او متحيزا إلى فئة) يعني يرجع إلى صاحبه وهو الرسول او الامام، فقد كفرو (باء بغضب من الله وماواه جهنم وبئس المصير) ثم قال (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) اي انزل الملئكة حتى قتلوهم ثم قال (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) يعني الحصى الذي حمله

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) آل عمران 165 (*)

 

(271)

رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورمى به في وجوه قريش وقال " شاهت الوجوه " ثم قال  (ذلكم وان الله موهن كيد الكافرين) اي مضعف كيدهم وحيلتهم ومكرهم،  وقوله (ياايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم) قال الحياة الجنة وقوله (واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه) اي يحول بين ما يريد الله وبين ما يريده.

حدثنا احمد بن محمد عن جعفر بن عبدالله عن كثير بن عياش عن ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " ياايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " يقول ولاية علي بن ابي طالب (عليه السلام) فان اتباعكم إياه وولايته اجمع لامركم وابقى للعدل فيكم، واما قوله " واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه " يقول يحول بين المؤمن ومعصيته التي تقوده إلى النار ويحول بين الكافر وبين طاعته ان يستكمل به الايمان واعلموا ان الاعمال بخواتيمها،  وقوله (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فهذه في اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، قال الزبير يوم هزم اصحاب الجمل لقد قرأت هذه الآية وما احسب اني من اهلها حتى كان اليوم، لقد كنت اتقيها ولا اعلم اني من اهلها.

رجع إلى تفسير علي بن ابراهيم قوله " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " قال نزلت في الزبير وطلحة لما حاربا امير المؤمنين (عليه السلام) وظلموه وقوله (واذكروا إذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فآواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) نزلت في قريش خاصة وقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون) نزلت في ابي لبابة بن عبدالمنذر فلفظ الآية عام ومعناها خاص وهذه الآية نزلت في غزوة بني قريظة في سنة خمس من الهجرة، وقد كتبت في هذه السورة مع اخبار بدر وكانت بدر على رأس ستة عشر شهرا

 

===============

(272)

من مقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة ونزلت مع الآية التي في سورة التوبة قوله " آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا " الآية نزلت في ابي لبابة فهذا دليل على ان التأليف على خلاف ما انزله الله على نبيه (صلى الله عليه وآله).

وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون " فخيانة الله والرسول معصيتهما واما خيانة الامانة فكل انسان مأمون على ما افترض الله عليه.

رجع إلى تفسير علي بن ابراهيم قوله (ياأيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) يعني العلم الذي تفرقون به بين الحق والباطل (ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) وقوله (وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) فانها نزلت بمكة قبل الهجرة وكان سبب نزولها انه لما اظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدعوة بمكة قدمت عليه الاوس والخزرج، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تمنعوني وتكونون لي جارا حتى اتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقالوا نعم خذ لربك ولنفسك ما شئت، فقال لهم موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق فحجوا ورجعوا إلى منى، وكان فيهم ممن قد حج بشر كثير،  فلما كان اليوم الثاني من ايام التشريق قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان الليل فاحضروا دار عبدالمطلب على العقبة ولا تنبهوا نأئما ولينسل واحد فواحد، فجاء سبعون رجلا من الاوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تمنعوني وتجيروني حتى اتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة؟ فقال سعد بن زرارة والبراء بن مغرور (معرور ط) وعبدالله بن حزام نعم با رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال اما ما اشترط لربي فان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون انفسكم وتمنعوا اهلى مما تمنعون اهاليكم

 

===============

(273)

واولادكم، فقالوا ومالنا على ذلك؟ فقال الجنة في الآخرة وتملكون العرب وتدين لكم العجم في الدنيا،... فقالوا قد رضينا، فقال اخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما اخذ موسى من بني اسرائيل اثني عشر نقيبا فاشار اليهم جبرئيل فقال هذا نقيب هذا نقيب تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس فمن الخزرج سعد بن زرارة والبراء بن مغرور وعبدالله بن حزام و (وهوك) ابوجابر بن عبدالله ورافع بن مالك وسعد بن عبادة والمنذر بن عمر وعبدالله بن رواحة وسعد بن الربيع وعبادة بن والصامت ومن الاوس ابوالهشيم بن التيهان وهو من اليمن واسد بن حصين وسعد ابن خثيمة، فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صاح ابليس يا معشر قريش والعرب! هذا محمد والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فاسمع اهل منى وهاجت قريش فاقبلوا بالسلاح وسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) النداء فقال للانصار تفرقوا، فقالوا يا رسول الله ان امرتنا ان نميل عليهم باسيافنا فعلنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم اومر بذلك ولم يأذن الله لي في محاربتهم، قالوا أفتخرج معنا قال انتظر امر الله فجاءت قريش على بكره ابيها (1) قد اخذوا السلاح، وخرج حمزة وامير المؤمنين (عليه السلام) ومعهما السيوف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش اليهما قالوا ما هذا الذي اجتمعتم له؟ فقال حمزة ما اجتمعنا وما ههنا احد والله لا يجوز هذه العقبة احد إلا ضربته بسيفي فرجعوا إلى مكة وقالوا لا نأمن من ان يفسد امرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد (صلى الله عليه وآله)، فاجتمعوا في الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد اتى عليه اربعون سنة، فدخلوا اربعون رجلا من مشايخ قريش، وجاء ابليس لعنه الله في صورة شيخ كبير فقال

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال جاء القوم على بكرة ابيهم: اي جاؤا جميعا لم يتخلف منهم احد ج. ز (*)

 

===============

(274)

له البواب من أنت فقال انا شيخ من اهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب اني حيث بلغني اجتماعكم في امر هذا الرجل فجئت لاشير عليكم، فقال الرجل ادخل فدخل ابليس.

فلما اخذوا مجلسهم قال ابوجهل يامعشر قريش انه لم يكن احد من العرب اعز منا، نحن اهل الله تغدو الينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبدالله فكنا نسميه الامين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ واكرمناه ادعى انه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان اخبار السماء تأتيه فسفه احلامنا وسب آلهتنا وافسد شبابنا وفرق جماعتنا وزعم انه من مات من اسلافنا ففي النار فلم يرد علينا شئ اعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأيا قالوا وما رأيت؟ قال رأيت ان ندس اليه رجلا منا ليقتله، فان طلبت بنو هاشم بدمه اعطيناهم عشر ديات، فقال الخبيث هذا رأي خبيث قالوا وكيف ذلك؟ قال لان قاتل محمد مقتول لا محالة فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فانه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة وان بني هاشم لا ترضى ان يمشي قاتل محمد على الارض فيقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا. فقال آخر منهم فعندي رأي آخر، قال وما هو؟ قال نثبته في ييت ونلقى اليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس، فقال ابليس هذا اخبث من الآخر. قال وكيف ذلك؟

قال لان بني هاشم لا ترضى بذلك، فاذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فاخرجوه، قال آخر منهم لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا، قال ابليس هذا اخبث من الرأيين المتقدمين قالوا وكيف ذاك؟ قال لانكم تعمدون إلى اصبح الناس وجها وانطق الناس لسانا وافصحهم لهجة فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه فلا يفجأكم

 

===============

(275)

إلا وقد ملاها عليكم خيلا ورجلا، فبقوا حائرين ثم قالوا لابليس فما الرأي فيه ياشيخ؟ قال ما فيه إلا رأي واحد، قالوا وما هو؟ قال يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذون سكينة او حديدة او سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها، فلا يستطيع بنو هاشم ان يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه، فان سألوكم ان تعطوا الدية فاعطوهم ثلاث ديات فقالوا نعم وعشر ديات، ثم قالوا الرأي رأي الشيخ النجدي، فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك ابولهب عم النبي،  ونزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واخبره ان قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك وانزل عليه في ذلك " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " واجتمعت قريش ان يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت فانزل الله (وما كان صلوتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فالمكاء التصفير والتصدية صفق اليدين وهذه الآية معطوفة على قوله " وإذا يمكر بك الذين كفروا " وقد كتبت.

بعد آيات كثيرة.

فلما امسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال ابولهب لا ادعكم ان تدخلوا عليه بالليل فان في الدار صبيانا ونساءا ولا نأمن ان تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة، فاذا اصبحنا دخلنا عليه، فناموا حول حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يفرش له ففرش له فقال لعلي بن ابي طالب افدني بنفسك، قال نعم يا رسول الله قال نم على فراشي والتحف ببردتي فنام علي على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتحف ببردته (1) وجاء جبرئيل فاخذ

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اقول وعند ذلك نزل جبرئيل بالآية: ومن الناس من يشري نفسه = (*)

 

===============

(276)

بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم " وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون " وقال له جبرئيل خذ على طريق ثور، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور، فدخل الغار وكان من امره ما كان فلما اصبحت قريش واتوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي في وجوههم، فقال ما شأنكم؟ قالوا له اين محمد؟ قال اجعلتموني عليه رقيبا؟ الستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم، فاقبلوا يضربون ابا لهب ويقولون أنت تخدعنا منذ الليلة، فتفرقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له ابوكرز يقفو الآثار، فقالوا له ياابا كرز اليوم اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال هذه قدم محمد والله انها لاخت القدم التي في المقام وكان ابوبكر استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرده معه، فقال ابوكرز وهذه قدم ابن ابي قحافة او ابيه ثم قال وههنا عبر ابن ابي قحافة فما زال بهم حتى اوقفهم على باب الغار، ثم قال ما جاوزا هذا المكان اما ان يكونا صعدا إلى السماء او دخلا تحت الارض، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال ما في الغار واحد فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله (صلى الله عليه وآله) ثم اذن لنبيه في الهجرة.

وقوله (واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم) فانها نزلت لما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقريش ان

ـــــــــــــــــــــــــ

= ابتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد (البقرة 207) وقد ذكر القندوزي في الينا بيع وغيره قضية مباهاة الله على الملائكة من هذا الايثار والفداء العظيم الذي اظهره علي بن ابي طالب عليه السلام ليلة الهجرة فراجع. ج. ز (*)

 

===============

(277)

الله بعثني ان اقتل جميع ملوك الدنيا واجر الملك اليكم فاجيبوني إلى ما ادعوكم اليه تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونوا ملوكا في الجنة، فقال ابوجهل اللهم ان كان هذا الذي يقوله محمد (صلى الله عليه وآله) هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء اوآتنا بعذاب اليم، حسدا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال كنا وبنو هاشم كفرسي رهان نحمل اذا حملوا ونطعن إذا طعنوا ونوقد إذا اوقدوا (1) فلما استوى بنا وبهم الركب قال قائل منهم منا نبي، لا نرضى بذلك ان يكون في بني هاشم ولا يكون في بني مخزوم، ثم قال غفرانك اللهم فانزل الله في ذلك (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) حين قال غفرانك اللهم، فلما هموا بقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) واخرجوه من مكة قال الله (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا اولياءه) يعني قريشا ما كانوا اولياء مكة (ان اولياؤه إلا المتقون) انت واصحابك يامحمد فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا، قال وحدثني ابي عن حنان بن سدير عن ابيه عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقامي بين اظهركم خير لكم فان الله يقول " وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم " ومفارقتي اياكم خير لكم فقالوا يارسول الله مقامك بين اظهرنا خير لنا فكيف تكون مفارقتك خيرا لنا؟ قال اما ان مفارقتي اياكم خير لكم فان اعمالكم تعرض علي كل خميس واثنين فما كان من حسنة حمدت الله عليها وما كان من سيئة استغفرت الله لكم واما قوله (ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) قال نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم واخبرهم بخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طلب العير فاخرجوا اموالهم

ـــــــــــــــــــــــــ

(2) يقال " اوقدت بك زنادي " اي نجح بك امري. ج. ز (*)

 

===============

(278)

وحملوا وانفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببدر فقتلوا وصاروا إلى النار وكان ما انفقوا حسرة عليهم وقوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) اي كفرا وهى ناسخة لقوله " كفوا ايديكم " ولقوله " ودع اذاهم " قوله (واعلموا الجزء (10) انما غنتمهم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) وهو الامام (واليتامى والمساكين وابن السبيل) فهم أيتام آل محمد خاصة ومساكينهم وابناء سبيلهم خاصة فمن الغنيمة يخرج الخمس ويقسم علي ستة اسهم: سهم لله وسهم لرسول الله وسهم للامام، فسهم الله وسهم الرسول يرثه الامام (عليه السلام) فيكون للامام ثلاثة اسهم من ستة وثلاثة اسهم لايتام آل الرسول ومساكينهم وابناء سبيلهم، إنما صارت للامام وحده من الخمس ثلاثة اسهم لان الله قد الزمه ما ألزم النبي من تربية الايتام ومؤن المسلمين وقضاء ديونهم وحملهم في الحج والجهاد وذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما انزل الله عليه " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم " وهو اب لهم فلما جعله الله ابا للمؤمنين لزمه ما يلزم الوالد للولد فقال عند ذلك من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا او ضياعا فعلى الوالي، فلزم الامام ما لزم الرسول فلذلك صار له من الخمس ثلاثة اسهم.

قوله (واذ انتم بالعدوة (1) الدنيا وهم بالعدوة القصوى) يعني قريشا حيث نزلوا بالعدوة اليمانية ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث نزل بالعدوة الشامية (والركب اسفل منكم) وهي العير التي افلتت ثم قال ولو تواعدتم للحرب لما وفيتم ولكن الله جمعكم من غير ميعاد كان بينكم (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) قال يعلم من بقي ان الله نصره وقوله (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو اريكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر) فالمخاطبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) العدوة بضم العين وكسرها قرء بهما في السبعة: شاطي الوادي (مجمع) (*)

 

===============

(279)

والمعنى لاصحابه اراهم الله قريشا في نومهم انهم قليل ولو اراهم كثيرا لفزعوا.

حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن على عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة عن ابي جعفر صلوات الله عليه في قوله (ان شر الدواب عندالله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) قال ابوجعفر (عليه السلام) نزلت في بني امية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون قوله (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل عام مرة) فهم اصحابه الذين فروا يوم احد قوله (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على السواء) نزلت في معاوية لما خان امير المؤمنين (عليه السلام) قوله (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) قال السلاح قوله (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) قال هى منسوخة بقوله " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وانتم الاعلون والله معكم " نزلت هذه الآية اعني قوله " وان جنحوا للسلم " قبل نزول قوله " يسئلونك عن الانفال " وقبل الحرب،  وقد كتبت في آخر السورة بعد انقضاء اخبار بدر وقوله (وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم) قال نزلت في الاوس والخزرج.

وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) قال ان هؤلاء قوم كانوا معه من قريش فقال الله " فان حسبك الله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم " إلى آخر الآية فهم الانصار كان بين الاوس والخزرج حرب شديد وعداوة في الجاهلية فالف الله بين قلوبهم ونصر بهم نبيه (صلى الله عليه وآله) فالذين الف بين قلوبهم هم الانصار خاصة، رجع إلى رواية علي بن ابراهيم قوله (ياايها النبي حرض المؤمنين علي القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا الفا) قال كان الحكم في اول النبوة في اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان

 

===============

(280)

الرجل الواحد وجب عليه ان يقاتل عشرة من الكفار، فان هرب منهم فهو الفار من الزحف (1) والمائة يقاتلون الفا ثم علم الله ان فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فانزل الله (ألآن خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) ففرض الله عليهم ان يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفار فان فر منهما فهو الفار من الزحف، فان كانوا ثلاثة من الكفار وواحد من المسلمين ففر المسلم منهم فليس هو الفار من الزحف، وقوله (ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك بعضهم اولياء بعض) فان الحكم كان في اول النبوة ان المواريث كانت على الاخوة لا على الولادة، فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة آخا بين المهاجرين وبين الانصار فكان اذا مات الرجل برثه اخوه في الدين ويأخذ المال وكان ما ترك له دون ورثته، فلما كان بعد؟ بدر انزل الله " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم واولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا ان تفعلوا إلى اوليائكم معروفا " فنسخت آية الاخوة بقوله " اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض " قوله (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فانها نزلت في الاعراب وذلك ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صالحهم علي ان يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا إلى المدينة وعلى انه ان ارادهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) غزا بهم وليس لهم في الغنيمة شئ واوجبوا على النبي انه ان ارادهم الاعراب من غيرهم او دهاهم دهم من عدوهم ان ينصرهم إلا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدة (والذين كفروا بعضهم اولياء بعض) يعني هم يوالي بعضهم بعضا ثم قال (إلا تفعلوه) يعني ان لم تفعلوه فوضع حرف مكان حرف (تكن فتنة في الارض وفساد كبير)

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الزحف: الجيش. ق (*)

 

===============

(281)

ثم قال (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك منكم واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله) قال نسخت قوله " والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم ".


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=167
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29