• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الأول ) ، تأليف : الميرزا محمد المشهدي .
                    • الموضوع : من آية ( 168 - 177 ) .

من آية ( 168 - 177 )

[399]

الآية 168 - 177

[ يأيها الناس كلوا مما في الارض حللا طيبا ولا تتبعوا خطوت الشيطن إنه لكم عدو مبين(168) إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون(169) ]

كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله " قال: آل محمد (صلى الله عليه وآله)(1).

وعن منصور بن حازم قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): وما هم بخارجين من النار، قال: أعداء علي هم المخلدون في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين(2).

وفي الكافي: أحمد بن أبي عبدالله، عمن حدثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزوجل: " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " قال: هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا، ثم يموت فيدعه لمن يعمل بطاعة الله أو معصية الله، فإن عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره، فرآه حسرة، وقد كان المال له، وإن كان عمل به في معصية الله قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله(3).

وفي نهج البلاغة: وقال (عليه السلام): إن أعظم الحسرات يوم القيامة، حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة الله، فورثه رجلا فأنفقه، في طاعة الله - سبحانه فدخل به الجنة ودخل به الاول النار(4).

وفي مجمع البيان: أعمالهم حسرات عليهم، فيه أقوال: إلى قوله: والثالث ما رواه أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: هو الرجل يكتسب المال ولا يعمل به خيرا، فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا، فيرى الاول ما كسبه حسرة في ميزان غيره(5).

يأيها الناس كلوا مما في الارض حللا: نزلت في قوم حرموا على أنفسهم

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 72، ح 143 .

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 73، ح 145

(3) الكافي: ج 4، كتاب الزكاة، ص 42، باب الانفاق، ح 2.

(4) نهج البلاغة: ص 552، باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) رقم 429.

(5) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 251. (*)

[400]

رفيع الاطعمة والملابس.

و (حلالا) مفعول (كلوا) أو صفة مصدر محذوف، أو حال من (ما في الارض) و (من) للتبعيض، إذ لا يؤكل كل ما في الارض.

طيبا: يستطيبه الشرع، أو الشهوة المستقيمة، أي لا تأكلوا على امتلاء المعدة والشهوة الكاذبة.

ولا تتبعوا خطوت الشيطن: لا تقتدوا به في اتباع الهوى فتحرموا الحلال و تحللوا الحرام.

وروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام): أن من خطوات الشيطان الحلف بالطلاق، والنذور في المعاصي، وكل يمين بغير الله تعالى(1).

وفي تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا تتبعوا خطوات الشيطان، قال: يمين بغير الله(2).

وقرأ نافع وأبوعمر وحمزة بتسكين الطاء، وهما لغتان في جمع خطوة، وهي ما بين قدمي الخاطي(3) وقرئ بضمتين وهمزة، جعلت ضمة الطاء كأنها عليها، و بفتحتين على أنه جمع خطوة، وهي المرة من الخطو.

إنه لكم عدو مبين: ظاهر العداوة عند ذوي البصيرة، وإن كان يظهر الموالاة لمن يغويه، ولذلك سماه وليا في قوله: " أولياء_هم الطاغوت "(4).

إنما يأمركم بالسوء والفحشاء: بيان لعداوته ووجوب التحرز عن متابعته، واستعير الامر لتزيينه، وبعثه لهم على الشر تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم.

والسوء والفحشاء: ما أنكره العقل واستقبحه الشرع، والعطف لاختلاف الوصفين، فإنه سوء لاغتمام العاقل به، وفحشاء باستقباحة إياه.

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 252.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 74، الحديث 150، ولفظ الحديث " قال: كل يمين بغير الله فهي من خطوات الشياطين " .

(3) تفسير مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 251.

(4) سورة البقرة: الآية 257. (*)

[401]

[ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ء_اباء_نا أولو كان ء_اباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون(170) ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون(171) يأيها الذين ء_امنوا كلوا من طيبت ما رزقنكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون(172) ]

وقيل: السوء يعم القبائح، والفحشاء ما تجاوز الحد في القبح من الكبائر.

وقيل: الاول: ما لا حد فيه، والثاني: ما شرع فيه الحد. وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون: كاتخاذ الانداد، وتحليل المحرمات، وتحريم المحللات.

وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله: الضمير للناس، وعدل عن الخطاب معهم للنداء على ضلالتهم، كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يجيبون؟ !.

قالوا بل نتبع ما ألفينا: وجدنا. عليه ء_اباء_نا: نزلت في المشركين امروا باتباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات، فجنحوا إلى التقليد.

وقيل: في طائفة من اليهود دعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الاسلام، فقالوا ذلك، وقالوا: إن آبائنا كانوا خيرا منا.

أولو كان ء_اباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون: " الواو " للحال، أو لعطف، والهمزة للرد والتعجب، وجواب " لو " محذوف، أي لو كان آباؤهم جهلة لاتبعوهم ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء: على

[402]

حذف مضاف، تقديره: ومثل داعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق، أو مثل الذين كفروا كمثل البهائم الذي ينعق، والمعنى أن مثل الذين كفروا في دعائك إياهم، أي مثل الداعي لهم إلى الايمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الصوت، فكما أن الانعام لا يحصل لها من دعاء الراعي إلا السماع دون تفهم المعنى، فكذلك الكفار لا يحصل لهم من دعائك إياهم إلى الايمان إلا السماع دون تفهم المعنى، لانهم يعرضون عن قبول قولك و ينصرفون عن تأمله، فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه، وهذا كما تقول العرب: فلان يخافك كخوف الاسد، والمعنى كخوفه من الاسد، وأضاف الخوف إلى الاسد، وهو في المعنى مضاف إلى الرجل، قال: فلست مسلما ما دمت حيا * على زيد بتسليم الامير(1) يراد بتسليمي على الامير، وقيل: هو تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها، بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته، أو تمثيلهم في دعائهم الاصنام بالناعق في نعقه، وهو التصويت على البهائم، والاول هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) على ما في مجمع البيان(2). صم بكم عمى: رفع على الذم.

فهم لا يعقلون: أي بالفعل، للاخلال بالنظر.

___________________________________

(1) عن الاصمعي قال: كان أعرابيان متواخيين بالبادية غير أن احدهما استوطن الريف واختلف إلى باب الحجاج بن يوسف واستعمله على أصبهان فسمع أخوه الذي بالبادية فضرب إليه فأقام ببابه حينا لا يصل إليه ثم أذن له بالدخول، فأخذه إلى جب فمشى به وهو يقول: سلم على الامير، فلم يلتفت إلى قوله: ثم أنشأ يقول: فلست مسلما ما دمت حيا إلى آخره، قال زيد: لا ابالي، فقال الاعرابي: أتذكر اذ لحافك جلد شاة * وإذ نعلاك من جلد البعير؟ فقال: نعم، فقال الاعرابي: فسبحان الذي أعطاك ملكا * وعلمك الجلوس على السرير تاريخ بغداد: ج 1، ص 251.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 254، قال في بيان المعنى لآية 171، من سورة البقرة بعد نقل المعنى الاول: وهذا معنى قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتاده، وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام). (*)

[403]

[ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم(173) ]

يأيها الذين ء_امنوا كلوا من طيبت ما رزقنكم: لما وسع الامر على الناس كافة، وأباح لهم ما في الارض سوى ما حرم عليهم، أمر المؤمنين منهم أن يتحروا طيبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها، فقال: واشكروا لله: على ما رزقكم وأحل لكم.

إن كنتم إياه تعبدون: إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه مولى النعم، فإن عبادته لا تتم إلا بالشكر، فالمعلق بفعل العبادة هو الامر بالشكر لاتمامه، وهو عدم عند عدمه.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول الله تعالى: إني والانس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري(1).

إنما حرم عليكم الميتة: أكلها والانتفاع بها، وهي التي ماتت من غير ذكاة، والحرمة المضافة إلى العين تفيد عرفا حرمة التصرف فيها مطلقا إلا ما استثني كما سيجئ.

والدم ولحم الخنزير: إنما خص اللحم بالذكر، لانه معظم ما يؤكل من الحيوان، وسائر أجزائه كالتابع له.

___________________________________

(1) رواه في الكشاف: ج 1، ص 214، في تفسير الآية 172، من سورة البقرة، وقال في هامش الكشاف: ج 1، ص 214، ما لفظه: أخرجه الطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في الشعب من رواية بقية، حدثنا صفوان بن عمر حدثني عبدالرحمن بن جبير النفير وشريح بن عبيد عن أبي الدرداء عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قال الله عزوجل. إلى آخره. (*)

[404]

وما أهل به لغير الله: أي رفع به الصوت عند ذبحه للصنم، والاهلال أصله رؤية الهلال، لكن لما جرت العادة أن يرفع الصوت بالتكبير إذا رئي سمي ذلك إهلالا، ثم قيل لرفع الصوت وإن كان لغيره.

وفي كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، في باب ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله من العلل: وحرم الميتة لما فيها من فساد الابدان والآفة، ولما أراد الله عزوجل أن يجعل التسمية سبب التحليل وفرقا بين الحلال والحرام، وحرم الله الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الابدان، ولما يورث الماء الاصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح، ويسئ الخلق، ويورث القسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه، وحرم الخنزير لانه مشوه جعله الله تعالى عظة للخلق وعبرة وتخويفا ودليلا على ما مسخ على خلقته، ولان غذاء_ه أقذر الاقذار مع علل كثيرة، وكذلك حرم القردة لانه مسخ مثل الخنزير وجعل عظة وعبرة للخلق ودليلا على ما مسخ على خلقته و صورته، وجعل فيه شبيها من الانسان ليدل على أنه من الخلق المغضوب عليه، وحرم ما أهل به لغير الله للذي أوجب الله عزوجل على خلقه من الاقرار به، وذكر اسمه على الذبائح المحللة، ولئلا يسوي بين ما تقرب إليه وبين ما جعل عبادة الشياطين والاوثان، لان في تسمية الله عزوجل الاقرار بربوبيته وتوحيده وما في الاهلال لغير الله من الشرك والتقرب به إلى غيره، ليكون ذكر الله تعالى وتسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل الله وبين ما حرم الله(1).

وفي كتاب علل الشرايع: بإسناده إلى محمد بن عذافر، عن بعض رجاله، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: لم حرم الله عزوجل الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سوى ذلك، من رغبة فيما أحل لهم، ولا زهد فيما حرم عليهم، ولكنه عزوجل خلق الخلق

___________________________________

(1) عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 93 - 94، باب 33، في ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله مع تقديم وتأخير في بعض العبارات. (*)

[405]

فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحل لهم وأباحه، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم، ثم أحله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك، ثم قال: الميتة فإنه لم ينل أحد منها إلا اضعفت بدنه و أوهنت قوته وانقطع نسله، ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة، وأما الدم فيورث أكله الماء الاصفر ويورث الكلب وقساوة القلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن على حميمه ولا يؤمن على من صحبه، وأما لحم الخنزير فإن الله عزوجل مسخ قوما في صور شتى مثل الخنزير والقرد والدب، ثم نهى عن أكل المثلة لكيما ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(1).

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: عشرة أشياء من المتية ذكية العظم، والشعر، والصوف، والريش، والقرن، والحافر، والبيض، والانفحة، واللبن، والسن(2).

وفي الكافي: محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عاصم بن حميد، عن علي بن أبي المغيرة قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): جعلت فداك، الميتة ينتفع بشئ منها؟ قال: لا، قلت: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر بشاة ميتة فقال: ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها، أن ينتفعوا بإهابها، أي تزكى(3).

فمن اضطر غير باغ ولا عاد: قيل: الباغي: المستأثر على مضطر آخر، والعادي: المتجاوز سد الرمق.

وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى البزنطي، عمن ذكره، عن أبي عبدالله

___________________________________

(1) علل الشرايع: ج 2، ص 483، باب 237، ح 1، وفي النسخ المطبوعة والمخطوطة (ثم نهى عن أكل المثلة) والظاهر أنه تصحيف والصحيح (ثم نهى عن أكل الثلاثة) أي الخنزير والقرد والدب.

(2) الخصال: باب العشرة، ص 434، ح 19.

(3) الكافي: ج 6، ص 259، كتاب الاطعمة، باب ما ينتفع به من الميتة وما لا ينتفع به منها، الحديث 7، وتمام الحديث (قال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى آخره. (*)

[406]

(عليه السلام) في قول الله عزوجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال: الباغي: الذي يخرج على الامام العادل، والعادي الذي يقطع الطريق، لا تحل لهما الميتة(1).

وفي الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزوجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال: الباغي: باغي الصيد، والعادي: السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.(2)

وفي من لا يحضره الفقيه: روى عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) قال: قلت يابن رسول الله، فما معنى قوله عزوجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال: العادي: السارق، والباغي: الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا، لا ليعود به على عياله، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا، هي حرام عليهما في حال الاضطرار، كما هي حرام عليهما في حال الاختيار(3).

وبالاضطرار يحل عموم المحرمات.

يدل عليه ما رواه في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الاطباء فيقولون: نداويك شهرا، أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك، وقال: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه "(4).

وفي من لا يحضره الفقيه: وفي رواية محمد بن عمرو بن سعيد، رفعه عن امرأة أتت عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إني فجرت فأقم علي حدود الله عزوجل، فأمر برجمها، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضرا فقال: سلها كيف فجرت فسألها، فقالت: كنت في فلاة من الارض فأصابني عطش شديد، فرفعت لي خيمة

___________________________________

(1) معاني الاخبار: ص 213، باب معنى الباغي والعادي، ح 1.

(2) الكافي: ج 3، ص 438. كتاب الصلاة، باب صلاة الملاحين والمكارين وأصحاب الصيد. ح 7.

(3) الفقيه: ج 3، ص 217، باب 96، الصيد والذبائح، قطعة من حديث 97.

(4) الكافي: ج 3، ص 410، كتاب الصلاة، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 4 (*)

[407]

[ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب و يشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم(174) ]

فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابيا فسألته ماء فابى علي أن يسقيني إلا أكون أن امكنه من نفسي، فوليت منه هاربة فاشتد بي العطش حتى غارت عيناي وذهب لساني، فلما بلغ مني العطش أتيته فسقاني ووقع علي.

فقال علي (عليه السلام): هي التي قال الله عزوجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " هذه غير باغية ولا عادية، فخلى سبيلها، فقال عمر: لولا علي لهلك عمر(1). ويجب تناول المحرم عند الاضطرار.

قال الصادق (عليه السلام): من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير، فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر(2). فلا إثم عليه: في تناوله. إن الله غفور: لما فعل. رحيم: بالرخصة فيه.

فإن قلت: " إنما " يفيد القصر على ما ذكر، وكم من محرم لم يذكر؟ قلت: المراد قصر الحرمة على ما ذكر مما استحلوه، لا مطلقا، أو قصر حرمته على حال الاختيار، كأنه قيل: إنما حرم عليكم هذه الاشياء ما لم تضطروا إليها. إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب ويشترون به ثمنا

___________________________________

(1) الفقيه: ج 4، ص 25، باب 4، ما يجب به التعزير والحد والرجم والقتل والنفي في الزنا، ح 40.

(2) الفقيه: ج 3، ص 218، باب 96 الصيد والذبائح، ح 98. (*)

[408]

[ أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار(175) ذلك بأن الله نزل الكتب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتب لفى شقاق بعيد(176) ]

قليلا: عوضا حقيرا.

أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار: أما في الحال لانهم أكلوا ما ينسب إلى النار، أو في المآل أي يوم القيامة، ومعنى (في بطونهم) ملاء بطونهم، يقال: أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه.

ولا يكلمهم الله يوم القيمة: عبارة عن غضبه عليهم. ولا يزكيهم: ولا شئ عليهم.

ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى: في الدنيا.

والعذاب بالمغفرة: في الآخرة بكتمان الحق.

فما أصبرهم على النار: تعجب من حالهم في الالتباس بموجبات النار من غير مبالاة، و (ما) تامة مرفوعة بالابتداء، وتخصيصها كتخصيص (شر أهر ذاناب)(1) أو استفهامية وما بعد، الخبر أو موصولة، وما بعدها صلة والخبر محذوف.

وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبدالله بن مسكان، عمن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في

___________________________________

(1) يقال: (أهر) إذا حمله على الهرير، و (شر) رفع بالابتداء، وهو نكرة وشرط النكرة أن لا يبتدأ بها حتى تخصص بصفة، كقولنا رجل من بني تميم فارس، وابتدؤوا بالنكرة هاهنا من غير صفة، وإنما جاز ذلك؟ لان المعنى: ما أهر ذاناب إلاشر، وذوالناب: السبع، يضرب في ظهور إمارات الشر ومخايله.

مجمع الامثال للميداني: ج 1، ص 370، الباب الثالث عشر فيما اوله الشين. (*)

[409]

قول الله عزوجل: " فما أصبرهم على النار "، فقال: ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار(1).

وفي مجمع البيان: قول الله عزوجل: " فما أصبرهم على النار " فيه أقوال: أحداها: أن معناه ما أجرأهم على النار، رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبدالله (عليه السلام)، والثاني: ما أعملهم بأعمال أهل النار وهو المروي عن أبي عبدالله (عليه السلام)(2). ذلك: أي العذاب.

بأن الله نزل الكتب بالحق: أي بسبب أن الله نزل الكتاب بالحق فرفضوه بالكتمان والتكذيب.

وإن الذين اختلفوا في الكتب: اللام فيه إما للجنس، واختلافهم: إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض آخر، أو للعهد، والاشارة إما إلى التوراة، واختلفوا بمعنى تخلفوا عن المنهج المستقيم في تأويلها، أو خلفوا خلاف ما أنزل الله مكانه، أي حرفوا فيها، أو اختلفوا بمعنى أن بعضهم آمنوا به وبعضهم أحرفوه عن مواضعه.

وأما إلى القرآن، واختلافهم: قولهم سحر، وتقول، وكلام علمه بشر، وأساطير الاولين.

لفى شقاق بعيد: لفي خلاف بعيد عن الحق.

* * *

___________________________________

(1) الكافي: ج 2، ص 269، كتاب الايمان والكفر، باب الذنوب، ح 2.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 259. (*)

[410]

[ * ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من_ء_امن بالله واليوم الاخر والملئكة والكتب والنبين وء_اتى المال على حبه ذوى القربى واليتمى والمسكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلوة وء_اتى الزكوة والموفون بعهدهم إذا عهدوا والصبرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون(177) ]

ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب: البر: كل فعل مرضي، والخطاب لاهل الكتاب فإنهم أكثر، والخوض في أمر القبلة حين حولت وادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته فرد الله عليهم، وقال: ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، ولكن البر ما بينه واتبعه المؤمنون.

وقيل: عام لهم وللمسلمين، أي ليس البر مقصورا بأمر القبلة، أو ليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها. وقرأ حمزة وحفص: ليس البر بالنصب(1).

ولكن البر من_ء_امن بالله واليوم الاخر والملئكة والكتب والنبين: أي ولكن البر الذي ينبغي أن يهتم به، بر من آمن، أو ولكن ذا البر من آمن، ويؤيده قراء_ة: ولكن البار. والمراد بالكتاب: الجنس أو القرآن.

وقرأ نافع وابن عامر (ولكن) بالتخفيف ورفع البر(2).

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 261.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 261. (*)

[411]

وء_اتى المال على حبه: أي على حب المال، أو على حب الله، او على حب الايتاء. والجار والمجرور في موضع الحال.

ذوى القربى: قدمه لانه أفضل، كما روي عنه (عليه السلام): صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي رحمك اثنتان، صدقة وصلة(1). ويحتمل أن يكون المراد قرابة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام)(2).

واليتمى: جمع يتيم وهو من الاطفال من فقد أباه.

والمسكين: جمع المسكين، وهو الذي أسكنته الخلة، وأصله دائم السكون، كالمسكير دائم السكر.

وابن السبيل: المسافر، سمي به لملازمته السبيل، كما سمي القاطع ابن الطريق، وقيل: الضيف.

والسائلين: الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال.

قال (عليه السلام): للسائل حق وإن جاء على فرس(3).

وفي من لا يحضره الفقيه: في الحقوق المروية عن علي بن الحسين (عليهما السلام): وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته، وحق المسئول إن أعطى، فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره(4).

وفى الرقاب: في تخليصها، كمعاونة المكاتبين، وفك الاسارى، وابتياع الرقاب لعتقها.

وأقام الصلوة: المفروضة.

وء_اتى الزكوة: المراد منها الزكاة المفروضة، والغرض من الاول أما بيان مصارفها، أو نوافل الصدقات.

___________________________________

(1) الدر المنثور للسيوطي: ج 1، ص 415، في تفسيره لقوله تعالى: (ذوي القربى).

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 263، في بيان المعنى لآية 177، من سورة البقرة.

(3) الدر المنثور للسيوطي: ج 1، ص 415، في تفسيره لقوله تعالى (والسائلين).

(4) الفقيه: ج 2، ص 381، باب الحقوق. (*)

[412]

والموفون بعهدهم إذا عهدوا: عطف على من آمن.

والصبرين في البأساء والضراء: نصب على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الاعمال، وعن الازهري: البأساء في الاموال كالفقر، والضراء في الانفس كالمرض.

(1) وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى الحارث بن دلهاث - مولى الرضا (عليه السلام) - قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال، سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه، إلى قوله: أما السنة من وليه فالصبر على البأساء والضراء، فإن الله تعالى يقول: " والصابرين في البأساء والضراء "(2).

وفي تفسير علي بن إبراهيم قوله: " والصابرين في البأساء والضراء " قال: في الجوع والخوف والعطش والمرض(3).

وحين البأس: قال: عند القتل.

أولئك الذين صدقوا: في الدين واتباع الحق وطلب البر.

وأولئك هم المتقون: عن الكفر وسائر الرذائل.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: إن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه، لان هذه الشروط شرط الايمان وصفات الكمال، وهي لا توجد إلا فيه وفي ذريته الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين(4).

___________________________________

(1) انوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 98.

(2) عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 256، باب 26، ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار النادرة في فنون شتى، ح 9، وتمام الحديث (قال بعد قوله: وسنة من وليه: فالسنة من ربه كتمان سره قال الله عزوجل: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " وأما السنة من نبيه فمداراة الناس، فإن الله عزوجل أمر نبيه بمداراة الناس فقال: " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " و أما السنة من وليه إلى آخره.

(3) تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 1، ص 64، في تفسير قوله تعالى: " والصابرين في البأساء والضراء ".

(4) لم أعثر على حديث بهذه الالفاظ. (*)

[413]

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1658
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19