• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الأول ) ، تأليف : الميرزا محمد المشهدي .
                    • الموضوع : مقدمة .

مقدمة

تفسير كنز الدقائق

المفسر الكبير العالم العارف الميرزا محمد المشهدي

ابن محمد رضا بن اسماعيل بن جمال الدين القمي

المتوفى حدود عام 1125 ه_

الجزء الاول

[3]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد رسله وصفوة خلقه محمد وعترته الطاهرين.

لا شك ولا ريب في أن القرآن هو كتاب الله المنزل على رسوله لهداية الناس وإرشادهم وتزكيتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهو كتاب دستور لجميع البشرية من زمن نزوله إلى الابدية، وهو الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل، والتبيان لكل شئ، والهادي لسبل الخير والصلاح، والمحذر عن كل شر وضلال، وهو كتاب الله القويم الذي لا يعتريه أي خطأ واشتباه، ولا تمسه أيدي المضلين، وهو الرابط بين الخالق وخلقه، والمبين لاحكام الله وشرايعه، وهو الكتاب الذي أعجز الكل من الجن والانس من أن يؤتوا بمثله حتى سورة واحدة وأخبرهم بأنهم لا يقدرون على ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وهو الكتاب الذي بشر المتقين بالرحمة والرضوان وأوعد الكافرين بالغضب والنيران، وهو الكتاب الذي له بطون مختلفة وتأويلات عديدة كما أخبر الله سبحانه عنه " لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ".

ولتنوير البشرية بمفاهيمه ومعانيه وتطبيقه على مختلف شؤون الحياة الفردية و الاجتماعية اهتم المسلمون حين صدوره من المشرع الحكيم إلى رسوله العظيم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله في حفظه وتفسيره، وهذا الاعتناء والاهتمام قد استمر بعد وفاته صلوات الله عليه قرنا بعد قرن، فأخذ علماء الاسلام دقائق تفسيره و معانيه من معادن الحكمة والثقل الآخر للكتاب الكريم اللذين تركهما الرسول الاعظم وأخبر بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهم أهل بيت الوحي ومن خوطب به، وهذه

[4]

السيرة المباركة مستمرة إلى يومنا هذا وإن شاء الله ستستمر إلى زمان ظهور الحجة ابن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، ومن اولئك الافذاذ في القرن الحادي عشر هو المحدث الخبير الميرزا محمد المشهدي القمي - قدس سره - الذي ألف تفسيرا بارعا أسماه ب_" كنز الدقائق وبحر الغرائب ".

وقد قامت المؤسسة بتطبيقه وتصحيحه وطبعه بعد أن تم تحقيقه واستخراج منابعه على يد الحجة العلامة الحاج آغا مجتبى العراقي أدام الله إفاضاته شاكرة مساعيه الوافرة، كما و تشكر حجة الاسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمد هادي معرفة على ما قدم لهذا الكتاب من كلمة تشتمل على أهميته وحياة مؤلفه وآثاره العلمية سائلين المولى القدير أن يوفقنا جميعا لنشر ما يرتضيه إنه سميع مجيب.

[5]

 

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

تقدم الشيعة في فنون التفسير

أول من حاز قصب السبق في هذا المضمار الخطير هم أصحابنا الامامية من شيعة أهل البيت عليهم السلام تأسيا بسيدهم الامام أمير المؤمنين عليه السلام، فقد كان أول من جمع القرآن وعلى هامشه الكثير من تفسير مجمله وتبيين معضله.

كان عليه السلام قد شرح أسباب النزول وبين مواقعه وتواريخه والافراد أو الجماعات الذين نزلت فيهم الآيات كما كان قد أشار إلى مواقع عموم الآيات من خصوصها ومطلقاتها ومقيداتها وناسخها ومنسوخها ومجملها ومبينها، بل وجميع ما يحتاج إليه المراجع عند فهم الآيات. كل ذلك على الهامش تتميما للفائدة.

قال ابن جزي: ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير(1).

قال ابن سيرين: حدثني عكرمة عن مصحفه، قال: لو اجتمعت الانس والجن على أن يألفوه هذا التأليف ما استطاعوا فتتبعته وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه، فلو أصبت ذلك لكان فيه علم(2). وقد قال هو عليه السلام عن مصحفه الذي جمعه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وبوصية منه: ولقد جئتهم بالكتاب مشتملا على التنزيل والتأويل(3). والمراد من التنزيل بيان شأن النزول والمناسبة الداعية للنزول، وهو المعبر عنه

___________________________________

(1) التسهيل لعلوم التنزيل: ج 1 ص 4.

(2) طبقات ابن سعد: ج 2 ق 2 ص 101.

(3) آلاء الرحمان: ج 1 ص 18. (*)

[6]

بالتفسير الظاهري المتوافق مع ظاهر اللفظ. وأما التأويل فهي الجهة العامة المقصودة من الآية، حيث خصوصية المورد لا توجب تخصيصا في عموم اللفظ، فكان عليه السلام قد بين مواضع استفادة العموم من أحكام الآيات التي تجري كما تجري الشمس والقمر.

قال الامام الباقر عليه السلام: بطن القرآن تأويله، منه ما قد مضى ومنه ما لم يجئ، يجري كما تجري الشمس والقمر، كلما جاء تأويل شئ يكون على الاموات كما يكون على الاحياء.

(وقال:) ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لما بقى من القرآن شئ، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والارض. ولكل قوم آية يتلوتها هم منها من خير أو شر.

وقال الامام الصادق عليه السلام: نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة(1). هذه هي عمدة مهنة المفسر الخبير يستخرج عمومات الاحكام الجارية من مواردها الخاصة التي نزل بها القرآن الكريم، فيعلم بطن القرآن من ظهره وتأويله من تفسيره. الامر المستصعب الذي لا يقوم به سوى المضطلعين بأسرار كلامه تعالى، وهم الائمة من أهل البيت الذين هم أدرى بما في البيت. قال تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم "(2).

قال الصادق عليه السلام: إن الله علم نبيه التنزيل والتأويل فعلمه رسول الله عليا.

قال علي عليه السلام: ما نزلت آية إلا وأنا علمت فيمن انزلت وأين انزلت وعلى من انزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا(3).

نعم لا يهتدي إلى ذلك سوى اولئك الذين هداهم الله إلى منابع فيضه وأبواب رحمته ممن تمسكوا بعرى أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وهم الاخصاء من شيعتهم ومواليهم.

قال الصادق عليه السلام: إنا أهل بيت لم يزل الله يبعث منا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره.

(وقال:) نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله. وهذا هو المعنى بقوله صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي

___________________________________

(1) تفسير البرهان: ج 1 ص 19 و 21 و 22.

(2) آل عمران: 7.

(3) البرهان: ج 1 ص 17. (*)

[7]

وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. إذ لا يعرف الكتاب سوى اولئك الذين نزل في بيتهم.

قال تعالى: " وإنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون "(1). إذن فلا غرو إذا ما وجدنا من أصحاب أئمة الهدى اسوة لارباب التفسير وسائر علوم القرآن منذ العهد الاول فإلى القرون التالية ولا يزال.

هذا ابن عباس حبر الامة وترجمان القرآن، معروف باضطلاعه بالتفسير والقرآن وقد كان المرجع الاول على عهد الخلفاء الاولين، فمن بعدهم في فهم القرآن وتأويل آياته، كان مرجعه في التفسير هو الاخذ عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام. كان يقول: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب(2).

وآثاره في التفسير هو الجم الغفير في المجاميع التفسيرية المدونة كجامع البيان للطبري والدر المنثور للسيوطي وتفسير القرطبي وابن كثير وغيرها من نوع التفسير بالمأثور.

أما التفسير المنسوب اليه المعروف به " تنوير المقباس " فهو من تأليف الفيروز آبادي صاحب القاموس، نعم يسند ما يرويه من روايات التفسير في مبدأ كل سورة إلى ابن عباس، عن طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وهذا الطريق من أضعف الطرق إلى ابن عباس.

قال جلال الدين السيوطي: وأوهى طرقه طريق الكلبي عن أبي صالح عنه.

(قال:) فإن انضم إلى ذلك رواية السدي الصغير فهي سلسلة الكذب(3).

ومن التابعين سعيد بن جبير - الذي قتله الحجاج صبرا سنة 95 ه_كان قدوة في التفسير والقراء_ة.

قال الطبري: هو الثقة الحجة إمام المسلمين.

وقال ابن حبان: كان مجمعا عليه، عبدا فاضلا ورعا.

قال الذهبي: كان من كبار التابعين ومتقدميهم في التفسير والحديث والفقة(4).

وقال السيوطي: كان أعلم التابعين بالتفسير(5).

___________________________________

(1) الواقعة: 77 - 79.

(2) التفسير والمفسرون للذهبي: ج 1 ص 90.

(3) الاتقان: ج 2 ص 189.

(4) التفسير والمفسرون: ج 1 ص 102.

(5) الاتقان: ج: 2 ص 189. (*)

[8]

ثم محمد بن السائب الكلبي من أصحاب الامامين الباقر والصادق عليهما السلام - توفى سنة 146 ه_- له تفسير كبير معروف ب_" أحكام القرآن " وهو أول من دون في آيات الاحكام كتابا وكان قدوة لغيره في هذا الفن، وقد سار الشافعي في كتابه أحكام القرآن على منهاجه.

ومثله أبان بن تغلب بن رباح المتوفى سنة 141 ه_. كان من خواص الامامين عليهما السلام، له كتاب معاني القرآن والقراء_ات والغريب من ألفاظ القرآن وغيرها.

وهكذا ابن أبي شعبة - المتوفى سنة 135 ه_ومقاتل بن سليمان وأبوبصير وأبوالجارود وأبوحمزة الثمالي كانت وفياتهم عام 150 ه_، لهم قدم وسبق تأليف في التفسير.

والسدي الكبير - المتوفى سنة 127 ه_- من أصحاب الامام السجاد والامام الباقر عليهما السلام.

وللفراء - المتوفى عام 208 ه_- كتاب معروف ب_" معاني القرآن " طبع أخيرا في ثلاث مجلدات ضخام.

كان قد أملاه على أصحابه في المسجد عن حفظه، كان أبوطلحة الناقط يقرأ عشرا من القرآن ثم يقول له: أمسك، فيملي من حفظه المجلس.

وعن أبي بديل: أردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لاملاء كتاب المعاني فلم يضبط قال: فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا.

يقول السمري في صدر الكتاب: هذا كتاب فيه معاني القرآن أملاه علينا أبوزكريا يحيى بن زياد الفراء عن حفظه من غير نسخة في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات والجمع في شهر رمضان وما بعده من سنة اثنتين وفي شهور سنة ثلاث وشهور من سنة أربع ومائتين(1).

ولمجاهد بن جبر المكان السامي في التفسير، كان أحد الاعلام الاثبات، مات سنة 104 ه_، وقد اعتمده البخاري كثيرا.

وعن الفضل أنه سمع مجاهدا يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة.

وعنه أيضا: عرضت القرآن عليه أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت.

وعن مصعب قال: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد.

وهكذا عكرمة مولى ابن عباس كان على مكانة عالية من التفسير.

قال ابن حبان: كان من علماء زمانه بالفقة والقرآن. وغيرهم من أقطاب العلم في مكة والمدينة

___________________________________

(1) راجع مقدمة المعاني، ص 13 و 14. (*)

[9]

كانوا مراجع الامة.

وإذا كان أبوجعفر الطبري وجلال الدين السيوطي وغيرهما من أصحاب التفاسير المعروفة قد أخذوا رواياتهم في التفسير عن هؤلاء الاقطاب وهم إنما يسندون علومهم إلى كبار أئمة أهل البيت علي وبنيه عليهم السلام تعرف مبلغ تأثير مكانة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله في بث العلوم والمعارف بين المسلمين.

وهكذا أصحاب التفاسير العقلية كالفخر الرازي جعل أساس تفسيره الكبير على تفسير أبي الفتوح الرازي، فكان هذا اصلا له يرجع إليه وأساسا بيني عليه بنيانه، وبذلك تعرف مبلغ تأثر التفاسير المعروفة عند أهل السنة بتفاسير علماء الامامية سواء المنقول منها والمعقول.

إذن فكما كانت الشيعة الامامية قدوة لسائر المسلمين في سائر العلوم الاسلامية، كذلك في علم التفسير الذي هو أهم العلوم وأخطرها وأعظمها شأنا.

ولا مجال لتعداد ما كتب في التفسير على يد علماء الامامية حسب القرون، نعم يجدر بالذكر تفسير أبي النضر محمد بن مسعود العياشي - من علماء القرن الرابع الهجري - الذي فقد منه أكثره، ولا سيما وقد حذفت أسانيده لغاية الاختصار فيما بعد. فقد حرمنا من كمال فيض هذا التفسير القيم العظيم.

وتفسير علي بن إبراهيم القمي - من علماء القرن الثالث - وهو تفسير بالمأثور كامل.

ولكن الاهم من ذلك تفسير التبيان، ذلك التفسير الضخم القيم الذي قام بتأليفه شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى عام 460 ه_وهو أول تفسير مدون جمع فيه من علوم القرآن أشتاته، وتوفرت فيه من صنوف التفسير أفنانه.

ثم قام الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي - المتوفى عام 552 ه_- بتهذيبه وترتيبه مع إضافات في مجموعة باسم " مجمع البيان " تفسيرا جامعا رائعا.

وفي هذا الاوان قام المفسر المضطلع الشيخ أبوالفتوح الحسين بن علي بن أحمد الخزاعي الرازي بتدوين مجموعة كبرى في علوم التفسير باسم " روض الجنان وروح الجنان " باللغة الفارسية القديمة خدمة لابناء عقيدته من امة الفرس الموالين لاهل البيت عليهم السلام. وهكذا استمر ظهور تفاسير قيمة عبر القرون المتتالية قد يطول الكلام بذكر

[10]

جميعها، وإنما نذكر ما يرتبط وموضوع تفسيرنا الحاضر.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1635
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29