قوله تعالى: وحاجه قومه قال أتحاجّونّي في الله وقد هدان ولا أخاف ماتشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيءٍ علما أفلا تتذكرون(80)
آية عند الجيع
قرأ اهل المدينة وابن ذكوان " أتحاجوني " بتخفيف النون. الباقون بتشديدها.
وقرأ الكسائي والعبسي " وقد هداني " بالامالة. الباقون بالتفخيم.
قال ابوعلي: من شدد فلا نظر في قوله.
ومن خفف فانه حذف النون الثانية لالتقاء الساكنين.
والتضعيف يكره، فيتوصل إلى ازالته تارة بالحذف نحو علم أني فلان، وتارة بالابدال نحو لا املاه عني تفارقا، ونحو ديوان وقيراط، فحذفوا الثانية منهما كراهية التضعيف.
ولايجوز ان يكون المحذوفة الاولى، لان الاستثقال يقع بالتكرير في الامر الاعم وفي الاولى أيضا أنها دلالة الاعراب ولذا حذفت الثانية كما حذف الشاعر في قوله: ليتي أصادفه وافقد بعض مالي(1).
وقال بعضهم حذف هذه النون لغة غطفان. وحكى سيبويه هذه القراءة مستشهدا بها في حذف النونات كراهية التضعيف. اما إمالة (هداني) فحسنة،
___________________________________
(1) قائله زيد الخيل، اللسان (ليت) وروايته.
كمنية جابر اذقال ليتي *** أصادفه وأتلف جل مالي
[188]
لانه من هدى يهدي، فهو من الياء. واذا كانوا أمالوا (غزا، ودعا)، لانه قد يصير إلى الياء في غزي ودعي. فهذا لااشكال في حسنه.
قوله " وحاجة قومه " يعني في وجوب عبادة الله وترك عبادة آلهتهم وخوفوه من تركها وان لايأمن ان تخبله آلهتهم من الاصنام وغيرها، فقال لهم ابراهيم (ع) " أتحاجوني في الله وقد هداني " بأن وفقني لمعرفته ولطف بي في العلم بتوحيده وترك الشرك واخلاص العبادة له " ولااخاف ماتشركون به " أي لااخاف منه ضررا ان كفرت به ولا أرجو نفعا إن عبدته، لانه بين صنم قد كسر، فلم يدفع عن نفسه أو نجم دل أفوله على حدوثه، فكيف تحاجوني وتدعونني إلى عبادة من لايخاف ضرره ولايرجا نفعه " الا أن يشاء ربي شيئا " فيه قولان: احدهما - الا أن يقلبها الله، فيحييها ويقدرها فتضر وتنفع، فيكون ضررها ونفعها اذ ذاك دليلا على حدوثها أيضا، وعلى توحيد الله وأنه المستحق للعبادة دون غيره وانه لاشريك له في ملكه، ثم أثنى عليه تعالى فأخبر بأنه عالم بكل شئ، وامرهم بالتذكر والتدبر لما أورده عليهم مما لايدفعونه ولايقدرون على انكاره ان انصفوا.
الثاني - قال الحسن: قوله: " ولاأخاف ماتشركون به " أي لااخاف الاوثان " الا أن يشاء ربي شيئا " استوجبه على الله تعالى، او يشاء الله ان يدخلني في ملتكم بالكفر.
والاول هو الاجود.
(أتحاجوني) أصله (أتحاجونني) بنونين احداهما للجمع والاخرى لاسمه، فأدغمت احداهما في الاخرى، فشددت ومثله (تأمر ونني) وقد يخفف مثل هذا في بعض المواضع، قال الشاعر:
أبا لموت الذي لابد أني *** ملاق لاأباك تخوفيني
فجاء بنون واحدة وخففها، والاول أجود واكثر في العربية.
[189]
قوله تعالى: وكيف أخاف ماأشركتم ولاتخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالامن إن كنتم تعلمون(81)
آية بلاخلاف.
في هذه الاية احتجاج من ابراهيم (ع) على قومه وتأكيد لماقدم من الحجاج لانه قال لهم: وكيف تلزمونني ان اخاف ماأشركتم به من الاوثان المخلوقة وقد تبين حالهم، وانهم لايضرون ولاينفعون، وانتم لاتخافون من هو القادر على الضر والنفع بل تتجرؤن عليه وتتقدمون بين يديه بأن تجعلوا له شركاء في ملكه وتعبدونهم من دونه، فأي الفريقين احق بالامن: نحن المؤمنون الذين عرفنا الله بأدلته ووجهنا العبادة نحوه؟ ام أنتم المشركون بعبادته غيره من الاصنام والاوثان؟ ولو أطرحتم الميل والحمية والعصبية لما وجدتم لهذا الحجاج مدفعا.
وقوله " مالم ينزل به سلطانا " أي حجة لان السلطان هو الحجة في اكثر القرآن، وذلك يدل على ان كل من قال قولا واعتقد مذهبا بغير حجة مبطل.
وقوله " ان كنتم تعلمون " معناه ان كنتم تستعملون عقولكم وعلومكم وتحكمونها على ماتهوونه وتميل اليه أنفسكم. وفي الاية دلالة على فساد قول من يقول بالتقليد وتحريم النظر والحجاج، لان الله تعالى مدح ابراهيم لمحاجته لقومه وامر نبيه بالاقتداء به في ذلك فقال " وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه "(1).
ثم قال بعد ذلك: " اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " اي بأدلتهم اقتده.
___________________________________
(1) آية 83 من هذه السورة.
[190]
قوله تعالى: ألذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون(82)
آية عند الجميع.
تحتمل هذه الاية ان تكون اخبارا عن الله تعالى دون الحكاية عن ابراهيم بأنه قال تعالى: ان من عرف الله تعالى وصدق به وبما أوجب عليه ولم يخلط ذلك بظلم، فان له الامن من الله بحصول الثواب والامان من العقاب وهو المحكوم له بالاهتداء - وهو قول ابن اسحاق وابن زيد والطبري والجبائي وابن جريج - وقال البلخي: ان ذلك من قول ابراهيم، لانه لما قطع خصمه والزمه الحجة أخبر ان الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فانهم الامنون المهتدون. قال: وكذلك يفعل من وضحت حجته وانقطع بعد البيان خصمه.
والظلم المذكور في الاية هو الشرك عند أكثر المفسرين: ابن عباس وسعيد ابن المسيب وقتادة ومجاهد وحمادبن زيد وأبي بن كعب وسلمان (رحمة الله عليه) قال أبي ألم تسمع قوله " ان الشرك لظلم عظيم "(1) وهوقول حذيفة.
وروي عن عبدالله بن مسعود انه قال لما نزلت هذه الاية شق على الناس، وقالوا يارسول الله وأينا لايظلم نفسه، فقال: انه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا إلى ماقال العبد الصالح " يابني لاتشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم "(2).
وقال الجبائي والبلخي واكثر المعتزلة: انه يدخل فيه كل كبيرة تحبط ثواب الطاعة، قال فان من هذه صورته لايكون آمنا ولامهتديا.
قال البلخي: ولوكان الامر على ماقالوه انه يختص بالشرك لوجب ان يكون مرتكب الكبيرة اذاكان مؤمنا يكون آمنا وذلك خلاف القول بالارجاء. وهذا الذي ذكروه خلاف أقاويل المفسرين من الصحابة والتابعين. وما
___________________________________
(1، 2) سورة 31 لقمان آية 13.
[191]
قاله البلخي لايلزم لانه قول بدليل الخطاب لان المشرك غير آمن بل هو مقطوع على عقابه بظاهر الاية، ومرتكب الكبيرة غير آمن لانه يجوز العفو، ويجوز المؤاخذة وان كان ذلك معلوما بدليل، وظاهر قوله " ولم يلبسوا ايمانهم بظلم " وان كان عاما في كل ظلم، فلنا ان نخصه بدليل أقوال المفسرين وغير ذلك من الادلة الدالة على أنه يجوز العفو من غير توبة.
وروي عن علي (ع): أن الاية مخصوصة بابراهيم.
وقال عكرمة مختصة بالمهاجرين.
واما الظلم في أصل اللغة فقد قال الاصمعي هووضع الشئ في غير موضعه، قال الشاعر يمدح قوما: هرت الشقاشق ظلامون للجزر(1) فوصفهم انهم ظلامون للجزر، لانهم عرقبوها فوضعوا النحر في غير موضعه، وكذلك الارض المظلومة سميت بذلك لانه صرف عنها المطر، ومنه قول الشاعر: والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد(2) سماها مظلومة لانهم كانوا في سفر فتحوضوا حوضا لم يحكموا صنعته ولم يضعوه في موضعه.
قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبرهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم(83)
آية بلاخلاف.
قرأ اهل الكوفة ويعقوب " درجات من نشاء " الباقون بالاضافة، من اضاف ذهب إلى ان المرفوعة هي الدرجات لمن نشاء ومن نون اراد ان المرفوع صاحب الدرجات، وتقديره نرفع من نشاء درجات، والدرجات معناها المراتب.
___________________________________
(1) مقاييس اللغة 3: 469 وصدره: (عاد الاذلة في دار وكان بها).
(2) اللسان " بين "، " ظلم ".
[192]
وفي أصل اللغة هي المراقي فشبه علو المنازل بها. أخبر الله تعالى ان الحجج التي ذكرها ابراهيم لقومه آتاه الله اياها واعطاها اياه، بمعنى انه هداه لها فانه احتج بها بأمر الله ورضيها منه وصوبه فيها، ولهذا جعلها حجة على الكفار.
وقوله " نرفع درجات من نشاء " من المؤمنين الذين يؤمنون بالله ويطيعونه ويبلغون من الايمان والدعاء إلى الله منزلة عظيمة وأعلا درجة ممن لم يبلغ من الايمان مثل منزلتهم، وبين انه حكيم فيما يدبره من أمور عباده عليم بهم وبأعمالهم، وفي ذلك دلالة على صحة المحاجة والمناظرة في الدين والدعاء إلى توحيد الله والاحتجاج على الكافرين، لانه تعالى مدح ذلك واستصوبه. ومن حرم الحجاج فقد رد - صريح القرآن.
[193]
قوله تعالى: ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوُد وسليمن وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين(84) وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين(85) وإسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين(86) ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم(87) ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ماكانوا يعملون(88) أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين(89) أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده قل لاأسئلكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين(90)
سبع آيات
قرأ حمزة والكسائي وخلف (اليسع) بتشديد اللام، وفتحها وسكون الياء هاهنا، وفي (ص).
الباقون بسكون اللام وفتح الياء.
قال الزجاج التشديد والتخفيف لغتان.
وقال ابوعلي الالف واللام ليستا للتعريف بل هما زائدتان وكان الكسائي يستصوب القراءة بلامين ويخطئ من قرأ بغيرهما كأن الاسم عنده (ليسع) ثم يدخل الالف واللام.
قال ولو كانت (يسع) لم يجز أن يدخل الالف واللام، كمالايدخل في (يزيد) و (يحيى).
قال الاصمعي فقلت له، ف (اليرصع) من الحجارة و (اليعمل) من الابل و (اليحمد) حي من اليمن، فكأنما ألقمته حجرا، وبعدها فانا قد سمعناهم يسمعون ب (يسع) ولم نرهم يسمعون ب (ليسع).
وقال الفراء: القراءة بالتشديد اشبه بالاسماء العجمية التخفيف.
قال لانهم لايكادون يدخلون الالف واللام في مالايجر مثل (يزيد، ويعمر) الافي الشعر أنشدني بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا *** شديدا بأعباء الخلافة كاهله(1)
قال وانما أدخلوا الالف واللام في يزيد لدخولهما في الوليد، فاذا فعلوا ذلك فقد أمسوا الحرف مدحا.
قوله (ووهبنا له اسحاق ويعقوب) الهاء في (له) كناية عن ابراهيم (ع) " كلا هدينا " نصب كلا ب (هدينا) و (نوحا هدينا من قبل) معناه هديناه قبل ابراهيم.
وقوله (ومن ذريته داود وسليمان) تقديره وهدينا داود وسليمان نسقا على نوح.
___________________________________
(1) معاني القرآن 1 / 342 وشواهد المغني 60 وخزانة الادب 1 / 327 وتفسير الطبري 11 / 511، وامالي ابن الشجري 1 / 154 و 2 / 252، 342. من شعر يمدح به الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان.
[194]
ويحتمل أن يكون قوله " ومن ذريته " الهاء راجعة إلى نوح لان الانبياء المذكورين كلهم من ذريته.
قال الزجاج ويجوز أن يكون من ذريته ابراهيم لان ذكرهما جميعا قدجرى، وأسماء الانبياء التي جاءت بعد قوله " ونوحا هدينا من قبل " نسق على (نوح) نصب كلها، ولو رفعت على الابتداء كان صوابا.
قال أبوعلي الجبائي: الهاء لايجوز أن تكون كناية عن ابراهيم، لان فيمن عدد من الانبياء لوطا وهوكان ابن اخته، وقيل ابن اخيه، ولم يكن من ذريته. وهذا الذي قاله ليس بشئ، لانه لايمنع أن يكون غلب الاكثر. وجميع من ذكر من نسل ابراهيم، على أنه قال فيما روى عنه ابن مسعود أن الياس: إدريس، وهو جد نوح، ولم يكن من ذريته، ومع هذا لم يطعن على قول من قال: إنها كناية عن نوح.
وقال ابن اسحاق: الياس هو ابن اخي موسى ويجوز أن تكون الهاء كناية عن ابراهيم ويكون من سماهم إلى قوله " وكل من الصالحين " من ذريته، ثم قال " واسماعيل واليسع ويونس ولوطا " فعطفهم على قوله " ونوحا هدينا ".
وفي الاية دلالة على أن الحسن والحسين من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله، لان عيسى جعله الله من ذرية ابراهيم أو نوح، وإنما كانت أمه من ذريتهما، والوجه في الايات أن الله تعالى أخبر أنه رفع درجة ابراهيم بما جعل في ذريته من الانبياء وجزاه بماوصل اليه من السرور والابتهاج عندما أعلمه عن ذلك وبما أبقى له من الذكر الرفيع في الاعقاب، والجزاء على الاحسان لذة وسرور من أعظم السرور واكثر اللذات إذا علم الانسان بأنه يكون من عقبة وولده المنسوبين اليه أنبياء يدعون إلى الله ويجاهدون في سبيله ويكونون ملوكا وخلفاء يطيعون الله ويحكمون بالحق في عباد الله. ثم اخبر انه جزى نوحا بمثل ذلك على قيامه في الدعاء اليه والجهاد في سبيله. والهداية في الايات كلها هو الارشاد إلى الثواب دون الهداية التي هي
[195]
نصب الادلة، لانه تعالى قال في آخر الايات: " وكذلك نجزي المحسنين " فبين أن ذلك جزاء ولايليق إلا بالثواب الذي يختص به المحسنون دون الهداية التي هي الدلالة ويشترك فيها المؤمن والكافر، وهوقول أبي علي الجبائي والبلخي.
وقوله: " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة " إشارة إلى من تقدم ذكره من الانبياء.
وقوله " فان يكفر بها هؤلاء " يعني الكفار الذين جحدوا نبوة النبي صلى الله عليه وآله في ذلك الوقت، " فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " معنى (وكلنا بها) اي وكلنا بمراعاة أو النبوة وتعظيمها والاخذ بهدي الانبياء قوما ليسوا بها بكافرين. وإنما اضاف ذلك إلى المؤمنين وان كان قد فعل بالكافرين أيضا ازاحة العلة في التكليف من حيث أن المؤمنين هم الذين قاموا بذلك وعملوا به فأضافه اليهم، كما أضاف قوله " هدى للمتقين " وان كان هداية لغيرهم. وقيل في المعنيين بقوله " ليسوا بها بكافرين " ثلاثة اقوال: احدها - انه عنى بذلك الانبياء الذين جرى ذكرهم آمنوا بماأتى به النبي صلى الله عليه وآله في وقت مبعثهم وهو قول الحسن والزجاج والطبري والجبائي.
قال الزجاج لقوله تعالى " اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " وذلك اشارة إلى الانبياء الذين ذكرهم ووصفهم وامر النبي صلى الله عليه وآله بالاقتداء بهداهم.
والثاني - انه عنى به الملائكة، ذهب اليه أبورجاء العطاردي.
وقال قوم عنى به من آمن من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في وقت مبعثه.
وقال الفراء والضحاك: قوله " فان يكفر بهاهؤلاء " يعني أهل مكة " فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " يعني أهل المدينة، والاول أقوى.
وفى الاية دلالة على ان الله تعالى يتوعد من يعلم انه لايشرك ولايفسق وان الوعد والوعيد قديكونان بشرط.
[196]
وقوله: " اولئك الذين هدى الله " معناه اولئك الذين حكم الله لهم بالهدى والرشاد، وزادهم هدى حين اهتدوا. والمراد به الانبياء الذين تقدم ذكرهم ألثمانية عشر. وأمر النبي صلى الله عليه وآله بأن يسلك سبيلهم ويأخذ بهداهم في تبليغ الرسالة والصبر على المحن وان يقول لقومه " لاأسألكم عليه اجرا " يعني على الاداء والابلاغ، ولكنه يذكر به العالمين وينبههم على مايلزمهم من عبادة الله والقيام بشكره.
وقوله (فبهداهم اقتده) قرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب والكسائي عن ابي بكر بحذف الهاء في الوصل واثباتها في الوقف. الباقون باثباتها في الوصل والوقف وسكونها، إلا ابن ذكوان فانه كسرها، ووصلها بياء في اللفظ وإلا هشاما فانه كسرها من غير صلة بتاء، ولاخلاف في الوقف انها بالهاء ساكنة.
قال ابوعلي الفارسي الوجه الوقف بالهاء لاجتماع الكثرة، والجمهور على إثباته، ولاينبغي أن يوصل والهاء ثابتة، لانه هذه الهاء في السكت بمنزلة همزة الوصل في الابتداء في أن الهاء للوقف كما أن همزة الوصل للابتداء بالساكن، فكما لاتثبت الهمزة في الوصل كذلك ينبغي أن لا تثبت الهاء.
قال ابوعلي وقراءة ابن عامر بكسر الهاء وإشمام الهاء الكسرة من غير بلوغ ياء ليس بغلط، ووجهها أن يجعل الهاء كناية عن المصدر لاالتي تلحق للوقف. وحسن اضماره لذكر الفعل الدال عليه، ومثل ذلك قول الشاعر:
فجال على وحشية وتخاله *** على ظهره سبأ حديدا يمانيا
كأنه قال تخال خيلا على ظهره سبأ حديدا، ومثل ذلك قول الشاعر:
هذا سراقة للقرآن يدرسه *** والمرؤ عند الرشا أن يلقها ذئب(1)
فالهاء كناية عن المصدر، ويدل يدرسه على الدروس، ولايجوز أن يكون ضمير القرآن، لان الفعل قد تعدى اليه باللام، فلايجوز أن يتعدى اليه والى ضميره كما أنك إذا قلت أزيدا ضربته لم ينصب زيدا بضربت لتعديه
___________________________________
(1) اللسان " سرق "
[197]
إلى الضمير، وقياسه إذا وقف عليه أن يقول اقتده فيكسر (هاء) الضمير، كماتقول اشتره في الوقف. وفي الوصل اشتريه لنا يا هذا. واستدل قوم بقوله (فبهداهم اقتده) على ان النبي صلى الله عليه وآله كان متعبدا بشريعة من قبله من الانبياء وهذا لادلالة فيه، لان قوله (فبهداهم اقتده) معناه فبأدلتهم اقتده.
والدلالة مااوجبت العلم ويجب الاقتاء بها، لكونها موجبة للعلم لاغير ولذلك قال تعالى (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده) فنسب الهدى إلى نفسه، فعلم بذلك أنه أراد ماقلناه.
وقوله (ولو اشركوا لحبط عنهم ماكانوا يعملون) يدل على أن الهدى في قوله (واجتبيناهم وهديناهم) هداية الثواب على الاعمال الصالحة، لان الثواب على الاعمال هوالذي ينحبط تارة ويثبت اخرى دون الهداية التي هي الادلة الحاصلة للمؤمن والكافر.
وقوله (وكلا فضلنا على العالمين) يعني على عالمي زمانهم الذين ليسوا أنبياء وإنما دخلت (من) في قوله " من آبائهم وذرياتهم " للتبعيض كأنه قال: وبعض آبائهم وبعض ذرياتهم وبعض اخوانهم هديناهم ولولم تدخل (من) لاقتضى انه هدى جميعهم الهداية التي هي الثواب، والامر بخلافه.
وقوله " اجتبيناهم " معناه اخترناهم.
وقوله (ولو اشركوا لحبط عنهم ماكانوا يعملون) لايدل على صحة ثواب طاعاتهم التي اشركوا في توجيهها إلى غير الله لانهم اوقعوها على خلاف الوجه الذي يستحق به الثواب، فأما ماتقدم فليس في الاية مايقتضي بطلانه غير أنا قد عملنا أنه إذا أشرك لاثواب معه أصلا، لاجماع الامة على أن المشرك لايستحق الثواب، فلو كان معه ثواب وقد ثبت أن الاحباط باطل، لكان يؤدي إلى أن معه ثوابا وعقابا، لانا قد بينا بطلان القول بالتحابط في غير موضع وذلك خلاف الاجماع.
[198]
قوله تعالى: وماقدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولاآباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون(91)
آية بلاخلاف.
قرأ ابن كثير وأبوعمرو " تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " بالتاء فيهن. الباقون بالياء فيهن.
ومن قرأ بالياء حمله على أنه للغيبة بدلالة قوله: " وماقدروا الله حق قدره إذقالوا ماانزل الله على بشر من شئ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى يجعلونه " فيحمله على الغيبة لان ماقبله غيبة.
ومن قرأ بالتاء حمله على الخطاب يعني قل لهم: " تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا " ويقوي القراءة بالتاء، قوله " وعلمتم مالم تعلموا فجاء على الخطاب، وكذلك ماقبله.
ومعنى " تجعلونه قراطيس " تجعلونه ذوي قراطيس اي تودعونه إياها " وتخفون " أي تكتمونه، وموضع قوله " تبدونها وتخفون كثيرا " يحتمل أمرين: احدهما - ان يكون صفة القراطيس، لان النكرة توصف بالجمل. والاخر - أن نجعله حالا من ضمير الكتاب من قوله " تجعلونه قراطيس " على أن تجعل القراطيس الكتاب في المعنى، لانه مكتوب فيها.
روي أن سبب نزول هذه الاية أن النبي صلى الله عليه وآله رأى حبرا من أحبار اليهود سمينا يقال له: مالك بن الضيف، وقيل: فنحاص، فقال له النبي صلى الله عليه وآله
[199]
أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ فغضب، وقال: ماأنزل الله على بشر من شئ، فلعنته اليهود وتبرأت منه، فنزلت هذه الاية، ذكر ذلك عكرمة وقتادة، وقال محمد بن كعب القرطي: نزلت في جماعة من اليهود. وروي مثل ذلك عن ابن عباس.
وقال مجاهد نزلت في مشركي قريش، وروي ذلك عن ابن عباس أيضا، وهو أشبه بسياق الاية، لانهم الذين أنكروا أن يكون الله أنزل كتابا على بشر، دون اليهود والنصارى.
ومعنى قوله " وماقدروا الله حق قدره " أي ماعرفوه حق معرفته وما وصفوه بماهو أهل أن يوصف به " إذ قالوا ماأنزل الله على بشر من شئ " أي ماأرسل الله رسولا، ولم ينزل على بشر من شئ، مع أن المصلحة والحكمة يقتضيان ذلك، ودلت المعجزات الباهرة على بعثة كثير منهم. ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم " من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس " فانهم يقرون بذلك، وان الله أنزله وبعث موسى (ع) نبيا وإن لم يقروا بذلك فقد خرجوا من اليهودية إلى قول من ينكر النبوات. والكلام على من انكر ذلك أصلا مذكور في النبوات مستوفى لانطول بذكره هاهنا.
وعلى ماقلناه: من أن الاية متوجهة إلى مشركي قريش من حيث أن الله تعالى من أول السورة إلى هاهنا في الاخبار عن أوصاف المشركين وعن أحوالهم وكذلك أول الاية في قوله " وماقدروا الله حق قدره " لانهم كانوا لايعتقدون التوحيد ويعبدون مع الله الاصنام، وأهل الكتاب كانوا بخلاف ذلك، لانهم كانوا يعتقدون التوحيد فلا يليق بهم ذلك، وإن كان اليهود عندنا أيضا غير عارفين بالله على وجه يستحقون به الثواب. والقول الاخر أيضا محتمل.
فعلى مااخترنا يكون قوله " قل من انزل الكتاب " متوجهاالى اليهود والنصارى، لانهم المقرون بذلك دون قريش ومشركى العرب، ويجوز أن يكون متناولا للمشركين أيضا، ويكون على وجه الاحتجاج عليهم، والتنبيه لهم على ماظهر من معجزات موسى وظهور نبوته، وهذا الذي اخترناه قول مجاهد واختاره الطبري والجبائي.
[200]
وقوله " تجعلونه قراطيس " أي تقطعونه فتجعلونه كتبا متفرقة وصحفا تبدون بعضها وتخفون بعضها، يعني مافي الكتب من صفات النبي صلى الله عليه وآله والبشارة به. ثم عطف على ما ابتدأ به من وصف الكتاب الذي جاء به موسى وانه نور وهدى، فقال " وعلمتم مالم تعلموا أنتم ولاآباؤكم " على لسان النبي صلى الله عليه وآله، ثم أجاب عن الكلام الاول، فقال " قل الله " وهذا معروف في كلام العرب، لان الانسان اذا أراد البيان والاحتجاج بمايعلم أن الخصم مقربه ولايستطيع دفعه ذكر ذلك. ثم تولى الجواب عنه بما قدعلم أن لاجواب له غيره.
وقوله " ثم ذرهم في خوضهم يلعبون " يقال مثل هذا لمن قامت عليه الحجة الواضحة التي لايمكنه دفعها، وليس على إباحة ترك الدعاء والانذار بل على ضرب من الوعيد والتهديد، كأنه قال دعهم فسيعلمون عاقبة أمرهم.
ويجوز أن يكون أراد: دعهم فلاتقاتلهم، ولاتعمل على قهرهم على قبول قولك إلى أن يؤذن لك في ذلك، فيكون إنما أباح ترك قتالهم لاترك الدعاء والتحذير وترك البيان والاحتجاج " ويلعبون " رفعه لانه لم يجعله جوابا لقوله " ذرهم " ولوجعله جوابا لجزمه، كما قال " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا "(1) وكان ذلك جوابا وموضع " يلعبون " نصب على الحال، وتقديره ذرهم لاعبين في خوضهم.
وقال قوم: إن هذه الاية مدنية مع الايتين اللتين ذكرناهما في أول السورة، ويجوز أن يكون ذلك بمكة أيضا.
قوله تعالى: وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون(92)
آية بلاخلاف.
___________________________________
(1) سورة 15 الحجر آية 3
[201]
قرأ أبوبكر وحده " ولينذر " بالياء. الباقون بالتاء.
من قرأ بالتاء، فلقوله " إنما أنت منذر من يخشاها "(1) وقوله " وانذر به الذين يخافون "(2) ومن قرأ بالياء جعل الكتاب هوالمنذر، لان فيه إنذارا لانه قد خوف به في قوله " هذا بلاغ للناس ولينذروابه "(3) وقوله " إنما انذركم بالوحي "(4) فلايمتنع أسناد الانذار اليه على وجه التوسع.
وقوله " وهذا كتاب " إشارة إلى القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله فعطف هذه الاية على ذكره الكتاب الذي جاء به موسى (ع) فلما وصفه قال تعالى " وهذا كتاب أنزلناه مبارك ". وانه مصدق لما بين يديه يعني مامضى من كتب الانبياء كالتوراة والانجيل وغيرهما، وبين انه انما انزله لتنذر به اهل مكة وهي ام القرى، ومن حولها.
قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: ام القرى مكة، ومن حولها اهل الارض كلهم وانما خص اهل مكة بذلك لانها اعظم قدرا لان فيها الكعبة ولان الناس يقصدونها بالحج والعمرة من جميع الافاق. وإنذاره بالقرآن هو تخويفه إياهم بألوان عذاب الله وعقابه ان اقاموا على كفرهم بالله ولم يؤمنوا به وبرسوله.
وقوله: " والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به " يعني بالقرآن. ويحتمل ان يكون كناية عن محمد صلى الله عليه وآله لدلالة الكلام عليه، وهذا يقوي مذهبنا في انه لايجوز ان يكون مؤمنا ببعض ماأوجب الله عليه دون بعض. وبين انهم " على صلاتهم " يعني على أوقات صلاتهم " يحافظون " بمعنى يراعون أوقاتها ليؤدوها في الاوقات ويقوموا باتمام ركوعها وسجودها وجميع فرائضها. وقيل سميت مكة ام القرى لانها اول موضع سكن في الارض، وقيل ان الارض كلها دحيت من تحتها فكانت اما لها.
وقال الزجاج سميت بذلك لانها أعظم القرى شأنا.
___________________________________
(1) سورة النازعات آية 45.
(2) سورة 6 الانعام آية 51.
(3) سورة 14 ابراهيم آية 52.
(4) سورة 21 الانبياء آية 45
[202]
قوله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ ومن قال سانزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملئكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون(93)
آية بلاخلاف.
اختلفوا فيمن نزلت فيه هذه الاية فقال اكثر المفسرين ان قوله " ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا " نزلت في مسيلمة الكذاب حيث ادعى النبوة.
وقال انه يوحى اليه، وان قوله " من قال سأنزل مثل ماأنزل الله " نزلت في عبدالله بن سعد ابن ابي سرح، فانه كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وآله وكان إذا قال له: اكتب عليما حكيما، كتب غفورا رحيما.
وإذا قال: اكتب غفورا رحيما، كتب حكيما، وارتد ولحق بمكة.
وقال إني انزل مثل ماأنزل الله، ذهب اليه عكرمة وابن عباس ومجاهد والسدي والجبائي والفراء والزجاج وغيرهم.
وقال قوم: نزلت في مسيلمة خاصة.
وقال آخرون: نزلت في ابن ابي سرح خاصة والاول هو المروى عن أبي جعفر (ع).
وقال البلخي: قوله " ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا وقال اوحي الي " هم الذين ادعوا النبوة بغير برهان وكذبوا على الله " ومن قال سأنزل مثل ماانزل الله " هم الذين قالوا " لونشاء لقلنا مثل هذا ان هذا الا أساطير الاولين "(1) فادعوا بمالم يفعلوا واعرضوا وبذلوا الانفس والاموال واستعملوا في اطفاء نور من جاء بالكتاب سائرالحيل.
___________________________________
(1) سورة 8 الانفال آية 31
[203]
ثم اخبر تعالى عن حال من فعل ذلك، فقال: " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت " وحذف جواب (لو) وتقديره: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت لرأيت عذابا عظيما وكل من كان في شئ كثير يقال له: غمر فلانا ذلك. ويقال قد غمر فلانا الدين معناه كثر، فصار فيما يعلم بمنزلة مايبصر قدغمر وغطى من كثرته وقوله " والملائكة باسطوا أيديهم " معناه باسطوا ايديهم بالعذاب وقيل بقبض ارواح الكفار.
وقوله: " اخرجوا انفسكم اليوم " يحتمل امرين: احدهما - ان يكون تقديره يقولون: اخرجوا انفسكم، كما تقول للذي تعذبه لازهقن نفسك ولاخرجن نفسك، فهم يقولون لهم اخرجوا انفسكم على معنى الوعيد والتهديد، كما يدفع الرجل في ظهر صاحبه ويكرهه على المضي بأن يجره او بغير ذلك، وهو في ذلك يقول امض الان لترى مايحل بك. والغمرات جمع غمرة، وغمرة كل شئ كثرته ومعظمه، وأصله الشئ الذي يغمر الاشياء فيغطيها.
وقال ابن عباس غمرات الموت سكراته، وبسط الملائكة ايديها فهومدها، وقال ابن عباس ايضا: البسط الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم وملك الموت يتوفاهم، وقال الضحاك: بسطها ايديها بالعذاب.
والثاني - ان يكون معناه خلصوا انفسكم اي لستم تقدرون على الخلاص " اليوم تجزون عذاب الهون " اي العذاب الذي يقع به الهوان الشديد، والهون - بفتح الهاء وسكون الواو - من الرفق والدعة، كقوله " وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا "(1) وقال الشاعر:
هونا كمالايرد الدهر مافاتا لاتهلكن أسفا في أثر من ماتا(2)
___________________________________
(1) سورة 25 الفرقان آية 63.
(2) قائله ذوجدن الحميري. معجم البلدان (بينون) واللسان (هون) والاغاني 16 / 70 وسيرة ابن هشام 1 / 39 وتاريخ الطبري 2 / 180 وتفسير الطبري 11 / 541 وغيرها.
[204]
وقدروي فتح الهاء في معنى الهوان، قال عامر بن جوين:
يهين النفوس وهون النفو *** س عند الكريهة اغلى لها(3)
والمعروف ضم الهاء اذا كان بمعنى الهوان.
قال ذو الاصبع العدواني: اذهب اليك فما امي براعية ترعى المخاض ولا اغضي على الهون(4) يعني على الهوان، وعن ابي جعفر (ع) عذاب الهون يعني العطش.
وقوله: " ومن قال سانزل مثل ماأنزل الله " في موضع جر كأنه قال: ومن اظلم ممن قال ذلك.
قوله تعالى: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم ومانرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ماكنتم تزعمون(94)
آية بلاخلاف.
قرأ أهل المدينة والكسائي وحفص " بينكم " بنصب النون. الباقون برفعها.
والبين مصدر بان يبين إذا فارق قال الشاعر:
بان الخليط برامتين فودعوا *** اوكلما ظعنوا لبين تجرع(5)
وقال ابوزيد: بان الحي بينونة وبينا إذا ضعنوا، وتباينوا تباينا اذاكانوا جميعا فتفرقوا، قال والبين ماينتهي اليه بصرك من حائط او غيره واستعمل هذا ا
___________________________________
(3) وقيل أنه للخنساء. ديوان الخنساء: 215 والاغاني 13 / 136 واللسان " هون " وروايتهم " يوم الكريهة ابقى لها " والطبري 11 / 542.
(4) أمالي القالي 1 / 366 واللسان " هون " وشرح المفضليات: 323 وتفسير الطبري 11 / 542.
(5) لم أجده بهذه الرواية وفي اللسان (خلط) أبيات كثيرة تشبهه.
[205]
الاسم على ضربين: احدهما - ان يكون اسما منصرفا كالافتراق. والاخر - ان يكون ظرفا فمن رفعه رفع ماكان ظرفا استعمله اسما ويدل على جواز كونه اسما قوله: " هذا فراق بيني وبينك "(6) وقوله " من بيننا وبينك حجاب "(7) فلما استعمل اسما في هذه المواضع جاز ان يسند اليه الفعل الذي هو تقطع في قراءة من رفع.
ويدل على ان هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا انه لايخلو من ان يكون الذي هو ظرف اتسع فيه او يكون الذي هو مصدر ولايجوز ان يكون الذي هو مصدر، لان التقدير يصير لقد تقطع افتراقكم، وهذا خلاف المعنى المراد، لان المراد لقد تقطع وصلكم، وماكنتم تتألفون عليه.
فان قيل كيف جاز ان يكون بمعنى الوصل واصله الافتراق والتباين وعلى هذا قالوا: بان الخليط اذا فارق، وفي الحديث مابان من الحي فهو ميتة؟ !.
قيل: انه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين نحو بيني وبينك شركة، وبيني وبينه صداقة ورحم صار لذلك بمنزلة الوصلة وعلى خلاف الفرقة فلذلك صار " لقد تقطع بينكم " بمعنى لقد تقطع وصلكم ومثل بين في انه يجري في الكلام ظرفا اثم يستعمل إسما بمعنى (وسط) ساكن العين ألا ترى أنهم يقولون: جلست وسط القوم، فيجعلونه ظرفا لايكون الاكذلك، وقد استعملوه إسما كماقال الشاعر:
من وسط جمع بني قريظة بعدما *** هتفت ربيعة يابني خوات
وحكى سيبويه: هو احمربين العينين.
واما من نصب بينكم ففيه وجهان: احدهما - انه اضمر الفاعل في الفعل ودل عليه ماتقدم من قوله: وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء " لان هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر وذلك المضمر هو الاصل، كأنه قال لقد تقطع وصلكم بينكم والثاني - ان يكون على مذهب ابي الحسن ان يكون لفظه منصوبا ومعناه مرفوعا، فلما جرى في كلامهم منصوبا ظرفا تركوه على مايكون عليه
___________________________________
(6) سورة 18 الكهف آية 79.
(7) سورة 41 حم السجدة آية 5
[206]
في اكثر الكلام وكذلك تقول في قوله " يوم القيامة يفصل بينكم "(1) وكذلك قوله: " وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك "(2) فدون في موضع رفع عنده وان كان منصوب اللفظ، كماتقول منا الصالح ومنا الطالح فترفع.
وقال الزجاج: الرفع أجود وتقديره لقد تقطع وصلكم. والنصب جائز على تقدير لقد تقطع ماكنتم فيه من الشركة بينكم.
وقال الفراء في قراءة عبدالله " لقد تقطع مابينكم ": وهو وجه الكلام اذا جعل الفعل ل (بين) ترك نصبا في موضع رفع، لانه صفة، فاذا قالوا هذا دون من الرجال، فلم يضيفوه رفعوه في موضع الرفع. وكذلك تقول بين الرجلين بين بعيد وبون بعيد اذا افردته اجريته في العربية وأعطيته الاعراب.
قال مهلهل:
كأن رماحهم اشطانا بئر *** بعيد بين جاليها جرور(3)
فرفع بين حيث كانت اسما.
وقال مجاهد: معنى تقطع بينكم اي تواصلكم، وبه قال قتادة وابن عباس، فمعنى الاية الحكاية عن خطاب الله تعالى يوم القيامة لهؤلاء الكفار الذين اتخذوا مع الله اندادا وشركاء، وانه يقول لهم عند ورودهم: " لقد جئتمونا فرادى " وهوجمع فرد، وفريد، وفرد، وفردان قال الازهري لايجوز فرد على هذا المعنى.
والعرب تقول: فرادى وفراد فلا يصرفونها يشبهونها بثلاث ورباع قال الشاعر:
ترى النعرات الزرق تحت لبانه *** فرادى ومثنى أضعفتها صواهله(4)
وقال نابغة بني ذبيان:
___________________________________
(1) سورة 60 الممتحنة آية 3.
(2) سورة 72 الجن آية 11.
(3) اللسان " بين " وأمالي القالي 2 / 132 وتفسير الطبري 11 / 549.
" الاشطان " الحبال المحكمة الفتل وجالي البئر جوانبها.
و " جرور " صفة للبئر البعيد القعر.
(4) مرتخريجه في 3 / 106 تعليقة 2.
[207]
من وحش وجرة موشي أكارعه *** طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد(5)
وكان يونس يقول: فرادى جمع فرد كما قيل: توآم وتوءم. ومثل الفرادى الردافى والعرابى، ورجل افرد وامرأة فرداء: إذا لم يكن لها اخ. وقد فرد الرجل فهو يفرد فرودا يراد به تفرد فهو فارد.
فمعنى قوله " جئتمونا فرادى " اي وحدانا لامال لكم ولاأثاث ولا رقيق ولاشئ مما كان الله خولكم في الدنيا " كما خلقناكم اول مرة ".
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (يحشرون حفاة عراة عزلا) والعزل هم الغلف.
وروي ان عايشة قالت لرسول الله حين سمعت ذلك واسوأتاه ينظر بعضهم إلى سوءة بعض من الرجال والنساء، فقال رسول الله: " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه "(6) فيشغل بعضهم عن بعض.
قال الزجاج: يحتمل ان يكون المعنى كما بدأكم اول مرة، اي كان بعثكم كخلقكم من غير كلفة ولامشقة.
وقال الجبائي: معناه جئتم فرادى واحدا واحدا " كما خلقناكم اول مرة " اي بلاناصر ولامعين كما خلقكم في بطون امهاتكم، ولااحد معكم.
وقوله: " وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم " يعني ماملكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به في الدنيا وهذا تعيير من الله لهم لمباهاتهم التي كانوا يتباهون في الدنيا باموالهم، يقال: خولته اي اعطيته.
ويقال خال الرجل يخال أشد الخيال بكسر الخاء وهو خائل ومنه قول ابي النجم:
اعطى فلم يبخل ولم يبخل *** كوم الذرى من خول المخول(7)
" وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء " يقول تعالى
___________________________________
(5) ديوانه: 26 واللسان " فرد ". و (وجرة) اسم مكان بين مكة والبصرة قال الاصمعي: هي أربعون ميلا ليس فيها منزل فهي مرتع للوحوش وقد أكثر الشعراء ذكرها. و (موشى اكارعه) فيها سواد و (طاوي المصير) ضامر البطن. و (المصير) جمع مصران.
(6) سورة 80 عبس آية 37.
(7) تفسير الطبري 11 / 545
[208]
لهؤلاء الكفار: مانرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء الذين كنتم تزعمون في الدنيا انهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة.
وقال عكرمة: ان الاية نزلت في النظر بن الحارث بن كلدة حيث قال سوف يشفع في اللات والعزى، فنزلت الاية.
وقوله " لقد تقطع بينكم " اي وصلكم " وضل عنكم ماكنتم تزعمون " اي جار عن طريقكم ماكنتم تزعمون من آلهتكم انه شريك لله تعالى وانه يشفع لكم عند ربكم فلا شفيع لكم اليوم.
قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فانى تؤفكون(95)
آية بلاخلاف.
في هذه الاية تنبيه لهؤلاء الكفار الذين اتخذوا مع الله آلهة عبدوها، وحجة عليهم، وتعريف منه لهم خطأ ماهم عليه من عبادة الاصنام، بأن قال: إن الذي له العبادة ومستحقها هو الله الذي فلق الحب، يعني شقه من كل ما ينبت عن النبات، فأخرج منه الزروع على اختلافها، " والنوى " من كل ما يغرس مما له نواة فأخرج منه الشجر، والحب هو جمع حبة، والنوى جمع نواة وذلك لايقدر عليه إلا الله تعالى القادر بنفسه، لان القادر بقدرة لايقدر على شق ذلك الا بآلة، ولايقدر على انبات شئ واخراج شئ منهما، فعلم انه من فعل ذلك هو الله الذي لايشبه شيئا من الاجسام، ولايشبهه شئ، القادر على اختراع الاعيان بلا معاناة ولامزاولة.
ثم أخبر أنه " يخرج الحي من الميت " لان الله تعالى يخلق الحي من النطفة، وهي موات، ويخلق النطفة، وهي موات من الحي، وهو قول الحسن وقتادة وابن زيد وغيرهم.
[209]
وقال الضحاك وابن عباس: معنى " فالق الحب والنوى " خالقهما.
وقال مجاهد وابومالك: هو الشق الذي في الحبة والنوى.
والاول أقوى الاقوال.
وقال قوم: أراد باخراج الحي من الميت إخراج السنبل وهي حي من الحب وهو ميت، ومخرج الحب الميت من السنبل الحي، والشجر الحي من النوى الميت، والنوى الميت من الشجر الحي. والعرب تسمي الشجر مادام غضاقائما بانه حي، فاذا يبس أو قطع من أصله او قلع سموه ميتا، ذهب اليه السدي والطبري والجبائي. وماذكرناه أولا قول ابن عباس، وهو الاقوى، لانه الحقيقة. وماذكروه مجاز، وان كان جائزا محتملا.
وقوله " ذلكم الله فأنى تؤفكون " معناه أن فاعل ذلك كله الله تعالى فأنى وجوه الصد عن الحق أيها الجاهلون تصدون، وعن العذاب تصدفون، أفلا تتدبرون، فتعلمون أنه لاينبغي أن يجعل لمن أنعم عليكم - فخلق الحب والنوى واخرج من الحي الميت، ومن الميت الحي، ومن الحب الزرع ومن النوى الشجر - شريك في عبادته مالا يضر ولاينفع ولايسمع ولايبصر وفي الاية دلالة على بطلان قول من قال: إن الله تعالى يحول بين العبد وبين مادعاه اليه إذ يخلق فيه مانهاه عنه، لانه قال: فانى تؤفكون، ولو كان شيئا من ذلك لكان هو المؤفك لهم والصارف. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومعنى قوله " فاني تؤفكون " اي تصرفون عقولكم، وهوقول الحسن وغيره والافك هو الكذب.
قوله تعالى: فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم(96)
آية بلاخلاف.
قرأ أهل الكوفة " جعل الليل " على الفعل. الباقون " جاعل " على الفاعل.
من قرأ " جاعل " على وزن فاعل فلان قبله اسم فاعل، وهو قوله:
[210]
" فالق الحب والنوى.. " و " فالق الاصباح " فقرأ " وجاعل الليل " ليكون (فاعل) المعطوف على (فاعل) المعطوف عليه، فيكون متشاكلا، لان من حكم الاسم ان يعطف على اسم مثله، لانه به أشبه من الفعل بالاسم، وهذه المشاكلة مراعاة في كلام العرب، ومثله " فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة "(1) وقوله " يدخل من يشاء في رحمته والظالمين "(2) وقوله " وكلا ضربنا له الامثال وكلا تبرنا تتبيرا "(3) نصبواهذا كاله ليكون القارئ بنصبها كالعاطف جملة من فعل وفاعل على جملة من فعل وفاعل، فكما أن الفعل أشبه من المبتدأ بالفعل، كذلك الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم، ويقوي ذلك قول الشاعر:
للبس عباءة وتقر عيني *** أحب الي من لبس الشفوف(4)
ومن قرأ " وجعل " فلان اسم الفاعل الذي قبله بمعنى الماضي، فلما كان (فاعل) بمعنى (فعل) في المعنى عطف عليه بالفعل لموافقته له في المعنى ويدلك على أنه بمنزلة (فعل) أنه نزل منزلته فيما عطف عليه، وهو قوله " والشمس والقمر حسبانا " ألا ترى أنه لماكان المعنى (فعل) حمل المعطوف على ذلك فنصب الشمس والقمر على (فعل) لماكان فاعل كفعل.
ويقوي ذلك قولهم: هذا معطي زيد درهما أمس، فالدرهم محمولا على (اعطى)، لان اسم الفاعل اذا كان لما مضى لم يعمل عمل الفعل، فاذا جعل (معطي) بمنزلة (أعطى) كذلك جعل (فالق) بمنزلة (فلق) لان اسم الفاعل لما مضى، فعطف على (فعل) لماكان بمنزلته، ولايجوز حمل (جاعل) على الليل، لان اسم الفاعل اذا كان لما مضى لايعمل عمل الفعل، وقد أجازه بعض الكوفيين.
___________________________________
(1) سورة 7 الاعراف آية 29.
(2) سورة 76 الدهر آية 31.
(3) سورة الفرقان آية 39.
(4) حاشية الصبان على الاشموني 3 / 313 الشاهد 827 ويروى " ولبس " بدل " للبس ".
[211]
معنى قوله " فالق الاصباح " أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل، وذلك دال على القدرة العجيبة التي لايقدر عليها غير الله، ويحتمل أن يكون معناه خالقه على ماحكيناه عن الضحاك وذكره الزجاج، ورفع " فالق " لانه خبر عن الله تعالى بعد خبر كأنه قال " ان الله فالق الحب والنوى " فالق الاصباح. ويحتمل أن يكون خبر أبتداء محذوف، فكأنه قال: هو فالق الاصباح.
والاصباح مصدر أصبحنا إصباحا، والمراد أصبح كل يوم، فهو في معنى الاصباح.
وروي عن الحسن أنه قرأ " فالق الاصباح " بفتح الالف وماقرأ به غيره.
ومعنى " وجاعل الليل سكنا " أي تسكنون فيه وتتودعون فيه، وهو قول مجاهد والضحاك وقتادة وابن عباس وأكثر المفسرين.
وروي عن ابن عباس أن معناه، خالق الليل والنهار.
وقوله " والشمس والقمر حسبانا " نصبهما عطفا على موضع الليل، لان موضعه النصب بأنه مفعول جاعل. واختلفوا في معناه، فقال ابن عباس والسدي والربيع وقتادة، ومجاهد والجبائي: إنهما يجريان في أفلاكهما بحساب، تقطع الشمس الفلك في سنة ويقطعه القمر في شهر قدره الله تعالى به، فهو قوله " والشمس والقمر بحسبان "(1) وقوله: " وكل في فلك يسبحون "(2) وقال قتادة معناه انه جعل الشمس والقمر ضياء.
والاول أجود لان الله تعالى ذكر بمثل هذا من اياديه عند خلقه وعظيم سلطانه بفلقه الاصباح لهم واخراج النبات والغراس من الحب والنوى، وعقب ذلك بذكر خلق النجوم للاهتداء بها في البر والبحر، وكان وصفه اجراء الشمس والقمر بمنافعهم أشبه، وأنها تجري بحسبان مايحتاج الخلق اليه في معائشهم ومعاملاتهم: أما الشمس فللزرع والحرث، واما القمر فللموا عيد وآجال الديون في المعاملات، وفيها منافع لايعرف تفصيلها الا الله تعالى، لانه قال " فالق الاصباح " ذكر
___________________________________
(1) سورة 55 الرحمان آية 5.
(2) سورة 36 يس آية 40 وسورة 21 الانبياء آية 33
[212]
الضياء ولامعنى لتكريره دفعة ثانية. والحسبان جمع حساب على وزن شهبان وشهاب. وقيل في هذا الموضع انه مصدر حسبت الحساب أحسبه حسابا. وحكي عن بعض العرب على ذلك حسبان فلان وحسبته أي حسابه.
والحسبان - بكسر الحاء - جمع حسبانة، وهي وسادة صغيرة.
ونصب حسبانا على تقدير بحسبان، فلما حذف الباء نصبه.
وقال قوم: هو نصب لقوله " وجعل ".
وقوله: " ذلك تقدير العزيز العليم " أي هذا الذي وصفه بأنه فعله من فلقه الاصباح، وجعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، تقدير الذي عز سلطانه فلا يقدر أحد أراده بسوء او عقاب او انتقام على الامتناع منه العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم، لاتقدير الاصنام والاوثاق التي لاتسمع ولاتبصر ولاتفقه شيئا ولاتعقل.
قوله تعالى: وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الايات لقوم يعلمون(97)
آية
هذه الاية موصولة بالتي قبلها، ومعناهما متقارب، وهو أن الله تعالى عددنعمه على خلقه وأن من جملتها أنه جعل لهم النجوم بمعنى خلقها ليهتدوا بها في اسفارهم في ظلمات البر والبحر، وأنه قد فصل آياته لقوم يعلمون. وانما أضاف الايات إلى الذين يعلمون وان كانت آيات لغيرهم، لانهم المنتفعون بها، كما قال " هدى للمتقين " وليس في قوله انه خلقها ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر مايدل على أنه لم يخلقها لغير ذلك.
قال البلخي: بل يشهد أنه خلقها لامور جليلة عظيمة. ومن فكر في صغر الصغير منها وكبر الكبير، واختلاف مواقعها ومجاريها وسيرها، وظهور منافع الشمس والقمر في نشؤ الحيوان والنبات علم أن الامر كذلك. ولولم يخلقها إلا للاهتداء لماكان لخلقها صغارا وكبارا، ولاختلاف سيرها معنى.
[213]
قال الحسين بن علي المغربي: هذا من البلخي اشارة منه إلى دلالتها على الاحكام.
قوله تعالى: وهو الذي أنشاكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون(98)
آية بلاخلاف قرأ ابن كثير وأبوعمرو، وروح " فمستقر " بكسر القاف. الباقون بفتحها.
قال ابوعلي النحوي: قال سيبويه: قالوا: قر في مكانه واستقر، كما قالوا: جلب وأجلب، يراد بهما شئ واحد، فكما بني هذا على (أفعلت) بني هذا على (استفعلت) فمن كسر القاف كان المستقر بمعنى القار، والخبر مضمر، وتقديره منكم مستقر كقولك: بعضكم مسقر أي مستقر في الارحام.
وقال " يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق "(1) كما قال " وقد خلقكم أطوارا " ا(2) ومن فتح فليس على أنه مفعول، لان استقر لايتعدى، واذالم يتعد لم يبن منه اسم مفعول، فاذا له يكن مفعولا كان اسم الفاعل مكانه، فالمستقر بمنزلة المقر كما أن المستقر بمعنى القار، وعلى هذا، لايجوز أن يكون خبره المضمر (منكم) كماجاز في قول من كسر القاف، واذا لم يجز ذلك جعلت الخبر المضمر (لكم) وتقديره: لكم مقر، ومستودع، فان استودع فعل يتعدى إلى مفعولين تقول: استودعت زيدا ألفا وأودعت زيدا الفا، فاستودع مثل أودع، ومثل استجاب واجاب، فالمستودع يجوز ان يكون الانسان الذي استودع ذلك المكان، ويجوز أن يكون المكان نفسه.
فمن فتح القاف في (مستقر) جعل المستودع مكانا ليكون مثل المعطوف عليه أي فلكم مكان استقرار ومكان استيداع. ومن كسر القاف، فالمعنى منكم
___________________________________
(1) سورة 39 الزمر آية 6.
(2) سورة 71 نوح آية 14
[214]
مستقر في الارحام ومنكم مستقر في الاصلاب، فالمستودع اسم المفعول به ليكون مثل المستقر في أنه اسم لغير المكان.
قال الزجاج: ويحتمل ان يكون مستقرا في الدنيا موجودا ومستودعا في الاصلاب لم يخلق بعد.
ويحتمل مستقر - بكسر القاف - في الاحياء، ومنكم مستودع في الثرى.
ورفع (مستقر ومستودع) على معنى فلكم مستقر ومستودع.
ومن كسر فمعناه فمنكم مستقر ومنكم مستودع.
وقال الفراء: تقديره ثم مستقر ومستودع.
واختلف المفسرون في قوله " فمستقر ومستودع " فقال عبدالله بن مسعود: المستقر مافي الرحم، والمستودع حيث يموت، وبه قال ابراهيم ومجاهد.
وقال سعيد ابن جبير: مستودع ماكان في أصلاب الرجال، فاذا قروا في أرحام النساء وعلى ظهر الارض وفى بطونها، فقد استقروا به.
وقال ابن عباس، وروي عن مجاهد - في رواية أخرى - المستقر الارض، والمستودع عندربك.
وروي عن ابن مسعود - في رواية - ان مستقرها في الاخرة ومستودعها في الصلب.
وقال عكرمة: مستقر في الاخرة ومستودع في صلب لم يخلق سيخلق. وبه قال قتادة والضحاك والسدي وابن زيد.
وقال الحسن: المستقر في القبر والمستودع في الدنيا.
ومعنى الاية أن الله تعالى هوالذي أنشأ الخلق ابتداء من نفس واحدة يعني آدم، منهم مستقر ومستودع، واذا حمل على العموم، فانه يتناول كل أحد على تأويل من قال المستقر في القبر والمستودع في الحشر، وعلى تأويل من قال المستودع من كان في الاصلاب والمستقر من كان في الارحام، لان كل الخلائق داخلون فيه، فالاولى حمل الاية على عمومها وهواختيار الطبري.
وقوله " قد فصلنا الايات لقوم يفقهون " معناه قد بينا الحجج وميزنا الايات والادلة والاعلام، واحكمناها لقوم يفقهون مواقع الحجج ومواضع العبر، ويعرفون الايات والذكر، وهو قول قتادة والمفسرين.
[215]
قوله تعالى: وهوالذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فاخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لايات لقوم يؤمنون(99)
آية.
روى الاعشى والبرجمي " وجنات " بالرفع. الباقون " جنات " على النصب.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف " ثمره " و " كلوا من ثمره " وفي (يس) " لتأكلوا من ثمره " بضم الثاء والميم فيهن. الباقون بفتحها.
من كسر التاء فلانها تاء جمع المؤنث في موضع النصب عطفا على قوله " فأخرجنا به نبات كل شئ " فأخرجنابه " جنات " ومن رفع عطفها على القنوان في الاعراب وإن لم يكن من جنسها، كما قال الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى *** متقلدا سيفا ورمحا(1)
أي وحاملا رمحا.
ومن قرأ " ثمره " بالفتح فيهما فوجهه ان سيبويه يرى ان الثمر جمع ثمرة مثل بقرة وبقر وشجر وشجر وخرزة وخرز: ويقويه قوله ايضا " ومن ثمرات النخيل والاعناب "(2) وقد كسر على (فعال) فقالوا: ثما ركما قالوا أكمة واكام، وجذبة وجذاب ورقبة ورقاب.
ومن جمعها احتمل امرين: أحدهما - أن يكون جمع ثمرة على ثمر، مثل خشبة وخشب في قوله " كأنهم خشب مسندة "(3) واكمة واكم في قول الشاعر: ترى الاكم منه سجدا للحوافر(4)
___________________________________
(1) مر هذا البيت في 1: 6، 242، 3: 465.
(2) سورة 16 النحل آية 67.
(3) سورة 63 المنافقون آية 4.
(4) انظر 1 / 11 تعليقة 5
[216]
ومن المعتل ساحة وسوح، وقارة وقور، ولابة ولوب وناقة ونوق.
والثاني - أن يكون جمع ثمار على ثمر، فيكون ثمر جمع الجمع، وجمعوه على (فعل) كما جمعوه على (فعايل) في قولهم جمال وجمايل.
ومعنى الاية أن الذي يستحق العبادة خالصة لاشريك له فيها سواه هو الذي أنزل من السماء ماء. وأصل الماء ماه إلا أن الهمزة ابدلت من الهاء بدلالة قولهم أمواه في الجمع ومويه في التصغير.
وقوله " فاخرجنا به نبات كل شئ " معناه أخرج بالماء الذي أنزله من السماء من غذاء الانعام والبهائم والطير والوحش وارزاق بني آدم واقواتهم مايتغذون به ويأكلونه فينبتون عليه وينمون، ويكون معنى قوله " فأخرجنابه نبات كل شئ " أخرجنا به ماينبت كل شئ وينمو عليه ويصلح. ويحتمل أن يكون المراد أخرجنا به جميع أنواع النبات فيكون كل شئ هو اصناف النبات. والاول أحسن.
وقوله " فأخرجنابه " يعني من الماء " خضرا " يعني أخضر رطبا من الزرع. والخضر والاخضر واحد يقال: خضرت الارض خضرا وخضارة. والخضرة رطب البقول يقال: نخلة خضرة اذا كانت ترمي ببسرها أخضرا قبل ان ينضج، وقد اختضر الرجل واغتضر اذامات شابا مصححا، ويقال: هو لك خضرا مضرا أي هنيئا مريئا.
وقوله " يخرج منه حبا متراكبا " يعني يخرج من الخضر حبا يعنى مافي السنبل من الحنطة والشعير والارز وغيرها من السنابل، لان حبها يركب بعضه بعضا.
وقوله " ومن النخل من طلعها " إنما خص الطلع بالذكر لما فيه من المنافع العجيبة والاغذية الشريفة التي ليست في شئ من كمام الثمار.
قوله " قنوان دانية " تقدبره ومن النخل من طلعها ماقنوانه دانية، ولذلك رفع القنوان. والقنوان جمع قنو، كصنوان وصنو، وهوالعذب، يقال لواحده قنو وقنو، وقني ويثنى قنوان على لفظ الجمع وقنيان وانما يميز بينهما
[217]
بأعراب النون، ويجمع قنوان وقنوان وفي الجمع القليل ثلاثة أقناء، فالقنوان لغة أهل الحجاز، والقنوان لغة قيس قال امرؤ القيس:
فأتت اعياله وآدت اصوله *** ومال بقنوان من البسر أحمر(1)
وقنيان وقنوان لغة تميم
وقوله " دانية " معناه قريبة متهدلة، وهوقول ابن عباس وقتادة والسدي والضحاك.
وقال الجبائي دانية أي متدانية في حلوق النخل متكوربها.
وقوله " وجنات " يعني وأخرجنا به أيضا جنات من أعناب يعني بساتين من اعناب.
وقوله " والزيتون والرمان " عطف الزيتون على الجنات على تقدير وأخرجنا الزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه، قال قتادة متشابه ورقه مختلف ثمره. ويحتمل أن يكون المراد مشتبها في الخلق مختلفا في الطعم.
وقال الجبائي مشتبها ماكان من جنس واحد، وغير متشابه اذا اختلف جنسه. والمعنى وشجر الرمان والزيتون، فاكتفى بذكر ثمره عن ذكر شجره، كما قال " واسأل القرية " فاكتفى بذكر القرية عن ذكر أهلها لدلالة الحال عليه.
وقوله " انظروا إلى ثمره اذا أثمر وينعه " الثمر جمع ثمرة، وهو ما انعقد على الشجر يقال: ثمر الثمر اذا نضج والمراد اذا أطلع ثمره.
وقوله " وينعه " قال بعضهم: اذا فتحت ياؤه فهو جمع يانع مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر.
وقال آخرون: هو مصدر قولهم ينع الثمر فهو ينع ينعا. ويحكى في مصدره ثلاث لغات ينع وينع وينع، وكذلك نضج ونضج ونضج قال الشاعر:
في قباب حول دسكرة *** حولها الزيتون قد ينعا(2)
___________________________________
(1) ديوانه 84 واللسان (قنا) والطبري 11 / 575 ورواية الديوان:
سواحق جبار أثيث فروعه *** وعالين قنوانا من البسر أحمرا
(2) الحيوان للجاحظ 4 / 6 (طبع بيروت) والكامل للمبرد 1 / 226 ومجاز القرآن 1 / 202 واللسان والتاج (ينع)، (دسكر) وتفسير القرطبي 7 / 67 وقد روى (قدوقعا) بدل (قدينعا).
[218]
وسمع أيضا أينعت الثمرة تونع إيناعا فمعنى " وينعه " نضجه وبلوغه حين يبلغ وفي ينعه لغتان: فتح الياء وضمها، فالفتح لغة اهل الحجاز والضم لغة نجد.
وقال ابن عباس وقتادة والسدي والضحاك والطبري والزجاج وغيرهم: معنى وينعه ونضجه.
وقوله " إن في ذلكم لايات لقوم يؤمنون " يعني في انزال الله الماء من السماء الذي أخرج به نبات كل شئ، والخضر الذي أخرج منه الحب المتراكب وسائر ماعدد في الاية " لايات " أي دلالات أيها الناس اذا نظرتم فيها أداكم إلى التصديق بتوحيده وخلع الانداد دونه، وأنه لايستحق العبادة سواه، لان في ذلك بيانا وحججا وبرهانا لقوم يؤمنون، فتصدقون بوحدانية الله وقدرته على مايشاء. وانما خص المؤمنين بالذكر، لانهم المنتفعون بذلك والمعتبرون به، كما قال " هدى للمتقين " وفي الاية دلالة على بطلان قول من يقول بالطبع، لان من الماء الواحد والتربة الواحدة يخرج الله ثمارا مختلفة وأشجارا متباينة ولا يقدر على ذلك غير الله تعالى.
الآية: 100 - 119
قوله تعالى: وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون(100)
آية بلاخلاف قرأ أهل المدينة " خرقوا " بتشديد الراء. الباقون بتخفيفها.
قال أبو عبيدة " وخرقوا له بنين وبنات " أي جعلوا له وأشركوه.
يقال: خرق واخترق واختلق بمعنى، اذا افتعل وافترا وكذب، قال أحمدبن يحيى: خرق واخترق، وقال ابوالحسن الخفيفة أحب الي، لانها أكثر.
[219]
وقيل ان المعنى المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله، والنصارى المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله ومن شدد كأنه ذهب إلى التكثير.
أخبر الله تعالى أن هؤلاء الكفار العادلين عن الحق المتخذين معه آلهة جعلوا له أندادا وشركاء الجن، كما قال " وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا "(1) وقال " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن أناثا "(2) وقال " ويجعلون لله البنات "(3) ووصفهم بالجن لخفائهم عن الابصار وقوله " وجعلوا لله شركاء الجن " أراد به الكفار الذين جعلوا الملائكة بنات الله والنصارى الذين جعلوا المسيح ابن الله، واليهود الذين جعلوا عزيرا ابن الله، ولذلك قال " وخرقوا له بنين وبنات " ففصل أقوالهم.
وقيل ان معنى " شركاء الجن " في استعاذتهم بهم.
وقيل ان المعنى ان المجوس تنسب الشر إلى إبليس وتجعله بذلك شريكا.
والهاء والميم في قوله " وخلقهم " يحتمل أن تكون عائدة إلى الكفار الذين جعلوا لله الجن شركاء. ويحتمل أن تكون عائدة على الجن، ويكون المعنى " وجعلوا لله شركاء الجن " والله خلق الجن فكيف يكونون شركاء له. وفي نصب الجن وجهان أحدهما - ان يكون تفسيرا للشركاء وبدلا منه. والاخر - ان يكون مفعولا به ومعناه وجعلوا لله الجن شركاء وهو خالقهم.
وروي عن يحيى بن يعمر انه قرأ " وخلقهم " بسكون اللام بمعنى أن الجن شركاء لله في خلقه إيانا، وهذه القراءة ضعيفة. والقراءة المعروفة أجود، لان المعنى وخلقهم بمعنى أن الله خلقهم متفردا بخلقه اياهم.
وقوله " وخرقوا له بنين وبنات " معناه تخرصوا، وهوقول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم، فيتلخص الكلام أن هؤلاء الكفار جعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم اياه مع انه المتفرد بخلقهم بغير شريك ولامعين
___________________________________
(1) سورة 37 الصافات آية 158.
(2) سورة 43 الزخرف آية 17.
(3) سورة 16 النحل آية 57.
[220]
ولاظهير " وخرقوا له بنين وبنات " معناه تخرصوا له كذبا بنين وبنات " بغير علم " أي بغير حجة. ويحتمل أن يكون معناه بغير علم منهم بما عليهم عاجلا وآجلا ويحتمل ان يكون معناه بغير علم منهم بماقالوه على حقيقة ما يقولون، لكن جهلا منهم بالله وبعظمته، لانه لاينبغي لمن كان الها أن يكون له بنون وبنات ولاصاحبة ولاأن يشركه في خلقه شريك، ثم نزه نفسه تعالى وأمرنا بتنزيهه عما أضافوه اليه، وأنه يجل عن ذلك ويتعالى عنه، فقال " سبحانه وتعالى عما يصفون " من ادعائهم له شركاء واختراقهم له بنين وبنات لان ذلك لا يليق بصفته ولا بواحدانيته.
قوله تعالى: بديع السموات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبه وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم(101)
آية بلاخلاف.
البديع هوالمبدع وهي صفة معدولة عن (مفعل) إلى (فعيل) ولذلك تعدى (فعيل) لانه يعمل عمل ماعدل عنه، فاذالم يكن معدولا للمبالغة لم يتعد نحوطويل وقصير، وارتفع بديع، لانه خبر ابتداء محذوف، وتقديره هو بديع السموات والارض. ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء وخبره (انى) يكون له ولد).
والفرق بين الابتداع والاختراع فعل مالم يسبق إلى مثله، والاختراع فعل مالم يوجد سبب له، ولذلك يقال: البدعة والسنة، فالبدعة احداث مالم يسبق اليه مما خالف السنة، ولايوصف بالاختراع غير الله، لان حد ما ابتدئ في غير محل القدرة عليه، ولايقدر على ذلك الا القادر للنفس، لان القادر بقدرة اما ان يفعل مباشرا وحده ماابتدئ في محل القدرة عليه او متولد وحده ماوقع بحسب غيره، وهو على ضربين: احدهما تولده في محل القدرة عليه. والاخر انه يتعداه بسبب هو الاعتماد لاغير، ولايقدر غير الله على الاختراع أصلا.
[221]
فاما الابتداع فقد يقع منه، لانه قد يفعل فعلا لم يسبق اليه.
واما " بديع السماوات والارض " فلا يوصف به غير الله لانه خالقهما على غير مثال سبق.
وقوله " اني يكون له ولد " معناه وكيف يكون له ولد.
وقيل: معناه من اين يكون له ولد؟ ولم تكن له صاحبة، فالولد هو الحيوان المتكون من حيوان، فعلى هذا آدم ليس بولد، لانه لم يتكون عن والد، والمسيح (ع) ولد، لان مريم ولدته فهو متكون عنها، وان لم يكن عن ذكر، والصاحب هوالقرين اللازم، ولذلك يقال: اصحاب الصحراء وفي القرآن اصحاب النار وأصحاب الجنة. ومعناه المقارنون لها. وقد يكون المقارن لماهو من جنسه وماليس من جنسه، فيوصف بانه صاحب الا انه لابد من مشاكلته ويقال: صاحب القرآن أي حافظه، وصاحب الدار مالكها.
وقوله: " وخلق كل شئ " يحتمل امرين: احدهما - ان يكون اراد ب (خلق) قد ر، فعلى هذاتكون الاية عامة، لانه تعالى مقدر كل شئ. ويحتمل ان يكون احدث كل شئ، فعلى هذا يكون مخصوصا، لانه لم يحدث اشياء كثيرة من مقدورات غيره، ما هو معدوم لم يوجد على مذهب من يسميها أشياء. وكقديم آخر، لانه يستحيل.
وقوله: " وهو بكل شئ عليم " عام، لان الله تعالى يعلم الاشياء كلها قديمها ومحدثها، موجودها ومعدومها، لاتخفى عليه خافية.
قوله تعالى: ذلكم الله ربكم لاإله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو على كل شئ وكيل(102)
آية بلاخلاف.
[222]
" ذلك " اشارة إلى ماتقدم ذكره من وصف الله بانه " بديع السماوات والارض " وغير ذلك من صفاته تعالى. وانما ادخل فيه الميم، لانه خطاب لجميع الخلق. " الله ربكم " صفة بعد صفة.
وقوله: " لاإله إلا هو " اخبار بانه لامعبود سواه تحق له العبادة. وبين انه " خالق كل شئ " من اصناف الخلق. وحذف اختصارا - في المبالغة - لقيام الدلالة على انه لايدخل فيه مالم يخلقه من اصناف الاشياء من المعدوم، وافعال العباد والقبائح، ومثله في المبالغة قوله: " تدمر كل شئ بأمر ربها "(1). وقوله: " واوتيت من كل شئ "(2). ثم امر الخلق بعبادة من كان خالق الاشياء كلها، والمنعم على خلقه بما يستحق به العبادة: من خلق الحياة والقدرة والشهوة والبقاء، وغير ذلك. واخبر انه تعالى " على كل شئ وكيل " أي حافظ.
والوكيل على الشئ هوالحافظ الذي يحوطه ويدفع الضرر عنه. وانما وصف بانه وكيل مع انه مالك الاشياء، لانه لما كانت منافعه لغيره لاستحالة المنافع عليه والمضار، صحة الصفة له من هذه الجهة بانه وكيل، وكان فيها تذكير بالنعمة مع كونه مالكا من جهة انه قادر عليه له ان يصرف اتم التصريف مما يريده بمنزلة مايريده الوكيل في ان منافعه تعود على غيره، ولايلزم على هذا ان يقال: هو وكيل على القبائح والفواحش، لانه يوهم انها عرض وانما تدخل في الجملة على طريق التبع، لانه يجازي عليها بالعذاب المستحق بها.
ورفع " خالق كل شئ " بانه خبر ابتداء محذوف كأنه قيل هو خالق كل شئ، لانه تقدم ذكره فاستغني عن ذكره. ولايجوز رفعه على ان خبره " فاعبدوه " لدخول الفاء. وكان يجوز نصبه على الحال لانه نكرة اتصل بمعرفة بعد التمام.
___________________________________
(1) سورة 46 الاحقاف آية 25.
(2) سورة 27 النمل آية 23
[223]
قوله تعالى: لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير(103)
آية بلاخلاف.
في هذه الاية دلالة واضحة على انه تعالى لايرى بالابصار، لانه تمدح بنفي الادراك عن نفسه. وكلما كان نفيه مدحا غير متفضل به فاثباته لايكون الانقصا، والنقص لايليق به تعالى. فاذا ثبت انه لايجوز ادراكه، ولا رؤيته، وهذه الجملة تحتاج إلى بيان اشياء: احدها - انه تعالى تمدح بالاية.
والثاني - ان الادراك هو الرؤية.
والثالث - ان كلما كان نفيه مدحا لايكون اثباته الانقصا.
والذي يدل على تمدحه شيآن: احدهما - اجماع الامة، فانه لاخلاف بينهم في انه تعالى تمدح بهذه الاية، فقولنا: تمدح بنفي الادراك عن نفسه لاستحالته عليه.
وقال المخالف: تمدح لانه قادر على منع الابصار من رؤيته، فالاجماع حاصل على ان فيها مدحة.
والثاني - ان جميع الاوصاف التي وصف بها نفسه قبل هذه الاية وبعدها مدحة، فلايجوز ان يتخلل ذلك ماليس بمدحة.
والذي يدل على ان الادراك يفيد الرؤية ان اهل اللغة لايفرقون بين قولهم: ادركت ببصري شخصا، وآنست، واحسست ببصري. وانه يراد بذلك اجمع الرؤية. فلو جاز الخلاف في الادراك، لجاز الخلاف فيما عداها من الاقسام.
فاما الادراك في اللغة، فقد يكون بمعنى اللحوق، كقولهم: ادراك قتادة الحسن. ويكون بمعنى النضج، كقولهم ادركت الثمرة، وادركت القدر، وادرك الغلام اذا بلغ حال الرجال. وأيضا فان الادراك اذا اضيف إلى واحد من الحواس أفاد ماتلك الحاسة آلة.
[224]
فيه ألا ترى انهم يقولون: ادركته بأذني يريدون سمعته، وادركته بانفي يريدون شممته وادركته بفمي يريدون ذقته. وكذلك اذا قالوا: ادركته ببصري يريدون رأيته. واما قولهم ادركت حرارة الميل ببصري فغير معروف ولامسموع، ومع هذا ليس بمطلق بل هو مقيد، لان قولهم حرارة الميل تقييد لان الحرارة تدرك بكل محل فيه حياة، ولو قال ادركت الميل ببصري لما استفيد به الا الرؤية.
وقولهم ان الادراك هو الاحاطة باطل، لانه لوكان كذلك لقالوا: أدرك الجراب بالدقيق وأدرك الحب بالماء وأدرك السور بالمدينة لاحاطة جميع ذلك بما فيه، والامر بخلاف ذلك.
وقوله " حتى اذا أدركه الغرق "(1) فليس المراد به الاحاطة بل المعنى حتى اذا لحقه الغرق، كما يقولون أدركت فلانا اذا لحقته، ومثله " فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون "(2) أي لملحقون، والذي يدل على أن المدح اذاكان متعلقا بنفي فاثباته لايكون الا نقصا، قوله " لاتأخذه سنة ولانوم(3) وقوله " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله "(4) لماكان مدحا متعلقا بنفي فلو ثبت في حال لكان نقصا.
فان قيل كيف يتمدح بنفي الرؤية ومع هذا يشاركه فيها ماليس بممدوح من المعدومات والضمائر.؟ قلنا: انما كان ذلك مدحا بشرط كونه مدركا للابصار وبذلك يميز من جميع الموجودات لانه ليس في الموجودات مايدرك ولايدرك.
فان قيل: ولم اذا كان يدرك ولايدرك يجب ان يكون ممدوحا؟ قلنا: قد ثبت ان الاية مدحة بمادللنا عليه، ولابد فيها من وجه مدحة فلايخلو من أحد وجهين: اما أن يكون وجه المدحة أنه يستحيل رؤيته مع كونه رائيا أو ما قالوه من أنه يقدر على منع الابصار من رؤيته بأن لايفعل
___________________________________
(1) سورة 10 يونس آية 90.
(2) سورة 26 الشعراء آية 62.
(3) سورة 2 البقرة آية 256.
(4) سورة 23 المؤمنون آية 92
[225]
فيها الادراك، وماقالوه باطل لقيام الدلالة على أن الادراك ليس بمعنى الاحاطة، فاذا بطل ذلك لم يبق الاماقلناه، والاخرجت الاية من كونهامدحة.
وقد قيل: ان وجه المدحة في ذلك أن من حق المرئي أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل وذلك يدل على مدحته، وهذا دليل من أصل المسألة لايمكن ان يكون جوابا في الاية.
فان قيل: انه تعالى نفى أن تكون الابصار تدركه فمن أين ان المبصرين لا يدركونه؟ قلنا: الابصار لاتدرك شيئا البتة فلااختصاص لها به دون غيره، وأيضا فان العادة ان يضاف الادراك إلى الابصار ويراد به ذووا الابصار، كما يقولون: بطشت يدي وسمعت أذني وتكلم لساني ويراد به أجمع ذووا الجارحة فان قيل: انه تعالى نفى أن جميع المبصرين لايدركونه، فمن أين أن البعض لايدركونه وهم المؤمنون؟ قلنا: اذاكان تمدحه في استحالة الرؤية عليه لماقدمناه فلا اختصاص لذلك براء دون رائي، ولك ان تستدل بأن تقول: هو تعالى نفى الادراك عن نفسه نفيا عاما كما أنه أثبت لنفسه ذلك عاما فلو جاز ان يخص ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركا. واذا ثبت نفي ادراكه على كل حال فكل من قال بذلك قال الرؤية مستحيلة عليه. ومن أجاز الرؤية لم ينفها نفيا عاما فالقول بنفيها عموما مع جواز الروية عليه قول خارج عن الاجماع. فان عورضت هذه الاية بقوله " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة "(1) فانا نبين انه لاتعارض بينهما وانه ليس في هذه الاية مايدل على جواز الرؤية اذا انتهينا اليها ان شاء الله.
وقوله " وهو اللطيف الخبير " قيل في معنى " اللطيف " قولان: أحدهما - أنه اللاطف لعباده بسبوغ الانعام، غير انه عدل من وزن (فاعل) إلى (فعيل) للمبالغة. الثاني - أنه لطيف التدبير، وحذف لدلالة الكلام عليه.
___________________________________
(1) سورة 75 القيامة آية 23
[226]
والخبير هو العالم بالاشياء المتبين لها، وماذكرناه من أن معنى الاية نفي الرؤية عن نفسه على كل حال قول جماعة منهم عائشة، روى مسروق عن عائشة انها قالت: من حدثك أن رسول الله رأى ربه فقد كذب " لاتدركه الابصار وهويدرك الابصار " و " ماكان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب(1) ولكن رأى جبرائيل في صورته مرتين.
وفي رواية أخرى أن مسروقا لما قال لها: هل رأى محمد ربه؟ قالت: سبحان الله، لقد وقف شعري مما قلت، ثم قرأت الاية.
وقال الشعبي قالت عائشة من قال: ان أحدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، وقرأت الاية، وهوقول السدي وجماعة أهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم.
وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية على الله تعالي في الاخرة وتأولوا الاية على الاحاطة وقد بينا فساد ذلك.
قوله تعالى: قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ(104)
آية بلاخلاف.
البصائر جمع بصيرة وهي الدلالة التي توجب العلم الذي يبصر به نفس الشئ على ماهوبه والمراد ههنا قد جاءكم القرآن الذي فيه الحجج والبراهين، قال الشاعر:
جاؤا بصائرهم على أكتافهم *** وبصيرتي يعدو بها عتد وأي(2)
___________________________________
(1) سورة 42 الشورى آية 51.
(2) اللسان (بصر)، (عتد)، (وأي) وتفسير الطبري 12 / 24 والبصيرة الدم، والشاعر يعير أخوته لابيه لعدم أخذهم بثأر أبيهم وقد أخذ هو بدم ابيه ويروى (حملوا بصائرهم) و (راحوا بصائرهم). والعتد الحاضر المعد للكروب
[227]
ونعني بالبصيرة الحجة البينة الظاهرة.
وأما الابصار فهو الادراك ولذلك يوصف تعالى بأنه مبصر كما يوصف بأنه مدرك ويسمى بأنه بصير، لانه يجب أن يدرك المبصرات اذا وجدت وانما وصفت الدلالة بأنها جائية وان كان لايجوز أن يقال جاءت الحركة، ولاجاء السكون ولاالاعتماد، وغير ذلك من الاعراض لتفخيم شأن الدلالة حيث كانت بمنزلة الغائب المتوقع حضوره للنفس كما يقال جاءت العافية وانصرف المرض وأقبل السعد وأدبر النحس.
وقوله " فمن أبصر فلنفسه " يعني من تبين بهذه الحجج بأن نظر فيها حتى اوجبت له " العلم وتبين بها، فمنفعة ذلك تعود عليه ولنفسه بمانظر. ومن عمي فلم ينظر فيها وصدف عنها حتى جهل فعلى نفسه لان عقاب تفريطه لازم له وحال به، فسمي العلم والتبيين إبصارا مجازا، وسمي الجهل عمى توسعا. وفي ذلك دلالة على ان الخلق غير مجبرين بل هم مخيرون في أفعالهم. ثم خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وأمره بأن يقول لهم " وماأنا عليكم بحفيظ " يعني برقيب على أعمال العباد حتى يجازيهم بها، - في قول الحسن - بل هوشهيد عليهم، لانه يرجع إلى الحال الظاهرة التي تقع عليها المشاهدة.
قال الزجاج: هذا قبل أن يؤمر بالقتال. ثم أمر أن يمنعهم بالسيف عن عبادة الاوثان.
وهذه الاية فيها أمر من الله لنبيه أن يقول لهؤلاء الكفار: قد جاءكم حجج من الله وهوماذكره في قوله " فالق الحب والنوى "(1) إلى هاهنا. وما يبصرون به الهدى من الضلال، فمن نظر وعلم فلنفسه نفع، ومن جهل وعمي فلنفسه ضر. ولست أمنعكم منه ولا أحول بينكم وما تحتاجون، وهو قول قتادة وابن زيد.
قوله تعالى: وكذلك نصرف الايات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون(105)
آية بلاخلاف.
___________________________________
(1) آية 95 من هذه السورة.
[228]
قرأابن كثير وابوعمرو (دارست) بألف وفتح التاء. الباقون بلا الف " درست " بفتح التاء، الا ابن عامر فانه قرأ " درست " بسكون " التاء وفتح السين بمعنى (انمحت) وذكر الاخفش (درست) وهوأشد مبالغة في الامحاء وقيل (درست) على مالم يسم فاعله. والمعاني متقاربة غير ان هذين لم يقرأ بهما أحد من المعروفين.
وفي قراءة عبدالله (درس) أي ليقولوا درس محمد.
قال أبوزيد: درست أدرس دراسة وهي القراءة. وانما يقال ذلك اذا قرأت على غيرك.
قال الاصمعي أنشدني ابن ميادة:
يكفيك من بعض إزديار الافاق *** سمراء ممادرس ابن مخراق(1)
يقال درس يدرس مثل داس يدوس.
قال: وقال بعضهم: سمراء ناقته، ودرسها رياضها قال ودرس السورة من هذا أي يدرسها لتخف على لسانه، والدريس الثوب الخلق، وأصل الدرس استمرار التلاوة.
وقال ابوعلي النحوي: من قرأ " دارست " معناه أهل الكتاب وذاكرتهم، قال وقد يحذف الالف في مثل هذا في المصحف.
قال ويقوي ذلك قوله " وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا "(2) وقالوا " ان هذا الا افك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون(3) ومن قرأ (درست) قال لان أبيا وابن مسعود قرءا به فاسندا الفعل فيه إلى الغيبة كما اسند إلى الخطاب ومعناه درست فتعلمت من أهل الكتاب.
وقال المغربي: درست معناه علمت كما قال " ودرسوا ما فيه "(4) أي علموه فعلى هذا يكون اللام لام الغرض، كأنه قال فعلنا ذلك ليقولوا علمت. ووجه قراءة ابن عامر انه ذهب إلى الدرس الذي هو تعفية الاثر وإمحاء الرسم.
واللام من قوله " وليقولوا درست " على ضربين: من قال (درست) بلاالف، فالمعنى لكراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا: درست، كما قال " يبين الله لكم أن تضلوا "(5) ومعناه لئلا تضلوا وكراهة
___________________________________
(1) اللسان " سمر ".
(2) سورة 25 الفرقان آية 5.
(3) سورة 25 الفرقان آية 4.
(4) سورة 7 الاعراف آية 168.
(5) سورة 4 النساء آية 175
[229]
ان تضلوا، والمعنى اني فصلت الايات وأحكمتها لئلا يقولوا: انها أخبار قد تقدمت وطال العهد بها وباد من كان يعرفها، كما قالوا " أساطير الاولين "(6) لان تلك الاخبار لاتخلو من خلل فاذا سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن موضع طعن.
والثاني - ليقولوا (درست) ذلك بحضرتنا أي ليقروا بورود الاية عليهم فتقوم الحجة عليهم.
وقال الزجاج: اللام لام العاقبة ومن قرأ (دارست) فاللام على قوله كالتي في قوله " ليكون " لهم عدوا وحزنا "(7) ولم يلتقطوه لذلك لكن كان عاقبته كذلك كما أنه تعالى لم يفصل الايات ليقولوا دارست ودرست. لكن لما قالوا ذلك أطلق ذلك عليه اتساعا. وموضع الكاف في وكذلك نصب، لان المعنى نصرف الايات في غير هذه السورة مثل التصريف في هذه السورة، فهو في موضع صفة المصدر كأنه قال تصريفا مثل هذا التصريف.
قال الرماني: التصريف اجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة ليجتمع فيه وجوه الفائدة.
وقال الحسن ومجاهد والسدي وابن عباس وسعيدبن جبير (دارست) أي ذاكرت أهل الكتابين وقارأتهم، وقوله " ولنبينه لقوم يعلمون " معناه لنبين الذي هذه الايات دالة عليه لقوم يعلمون مانورده عليهم من هذه الايات، ويعقلون ذلك وهم الذين يلزمهم الاستدلال بذلك على الله وعلى صحة دينه.
وقال قوم " ليقولوا درست " معناه التهديد كما يقول القائل: قل لفلان: يوفينا حقنا وليصنع ماشاء، وقل للناس الحق وليقولوا ماشاؤا أي ذلك لايضرك، ولان ضرره يعود عليهم من العقاب والذم.
___________________________________
(6) سورة 16 النحل آية 24.
(7) سورة 28 القصص آية 8. |