• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الرابع) ، تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني » .
                    • الموضوع : سورة سبأ .

سورة سبأ

[ 210 ]

سورة سبأ

مكية عدد آيها خمس وخمسون آية شامي أربع في الباقين اختلافها آية عن يمين وشمال بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله الذى له ما في السموات وما في الارض كلمه نعمة من الله فله الحمد في الدنيا وله الحمد في الاخرة لأن نعمها أيضا من الله كلها وهو الحكيم الذي أحكم أمر الدارين الخبير ببواطن الأشياء (2) يعلم ما يلج يدخل في الارض من مطر أو كنز أو ميت وما يخرج منها من ماء أو فلز أو نبات أو حيوان وما ينزل من السماء من مطر وملك أو رزق وما يعرج فيها من عمل أو ملك وهو الرحيم الغفور للمقصرين في شكر نعمه (3) وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة إنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به قل بلى وربى رد لكلامهم وإثبات لما تفوه لتأتينكم عالم الغيب تكرير لأيجابه مؤكدا بالقسم مقررا له بوصف المقسم به بصفات تقرر إمكانه وتنفي استبعاده وقرئ علام وبالرفع لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الارض وقرئ لا يعزب بالكسر ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين رفعهما بالأبتداء والجملة مؤكدة لنفي العزوب وقرئ بالفتح على نفي الجنس القمي عن الصادق عليه السلام قال أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات علة لأتيانها وبيان لما يقتضيه أولئك لهم مغفرة ورزق كريم لا تعب فيه ولا من عليه (5) والذين سعوا في آياتنا بالأبطال وتزهيد الناس فيها معاجزين مسابقين كي يفوتونا وقرئ معجزين أي مثبطين عن الأيمان من أراده أولئك لهم عذاب من رجز من

[ 211 ]

سئ العذاب أليم مؤلم وقرئ بالرفع (6) ويرى الذين أوتوا (1) العلم الذى أنزل إليك من ربك هو الحق القمي قال هو أمير المؤمنين عليه السلام صدق رسول الله بما أنزل الله عليه وقرئ برفع الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى (7) وقال الذين كفروا قال بعضهم لبعض هل ندلكم على رجل يعنون النبي صلى الله عليه وآله ينبئكم يحدثكم بأعجب الأعاجيب إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفى خلق جديد إنكم تنشئون خلقا جديدا بعد أن تفرق أجسادكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير ترابا (8) أفترى على الله كذبا أم به جنة جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد رد من الله عليهم ترديدهم (9) افلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم ما أحاط بجوانبهم من السماء والارض مما يدل على كمال قدرة الله وأنهم في سلطانه تجري عليهم قدرته إن نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا من السماء لتكذيبهم الايات بعد ظهور البينات وقرئ بالياء في ثلاثتهن وكسفا بتحريك السين إن في ذلك النظر والفكر فيهما وما يدلان عليه لاية لدلالة لكل عبد منيب راجع إلى ربه فإنه يكون كثير التأمل في أمره (10) ولقد اتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى ارجعي معه التسبيح القمي أي سبحي لله والطير أي رجعي أيضا أو أنت والطير وقرئ بالرفع وألنا له الحديد جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق القمي قال كان داود إذا مر بالبراري يقرأ الزبور تسبح الجبال والطير معه

______________________________ـــ

(1) يعني القرآن هو الحق، اي يعلمونه الحق لأنهم يتدبرونه ويتفكرون فيه فيعلمون بالنظر والاستدلال انه ليس من قبل البشر. (*)

[ 212 ]

والوحوش وألان الله له الحديد مثل الشمع حتى كان يتخذ منه ما أحب وقال اعطي داود وسليمان ما لم يعط أحدا من أنبياء الله من الايات علمهما منطق الطير وألان لهما الحديد والصفر من غير نار وجعلت الجبال يسبحن مع داود (11) أن اعمل سابغات دروعا واسعات وقدر في السرد في نسجها بحيث تتناسب حلقها أو في مساميرها في الدقة والغلظة فلا تغلق ولا تحرق في قرب الأسناد عن الرضا عليه السلام قال الحلقة بعد الحلقة والقمي قال المسامير التي في الحلقة واعملوا صالحا إنى بما تعملون بصير (12) ولسليمان الريح وسخرنا له الريح وقرئ بالرفع غدوها شهر ورواحها شهر جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك القمي قال كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به بالغداة مسيرة شهر وبالعشي مسيرة شهر وأسلنا له عين القطر القمي الصفر وقيل أسال له النحاس المذاب من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا ومن يعدل منهم عما أمرناه به من طاعة سليمان نذقه من عذاب السعير قيل عذاب الاخرة وقيل عذاب الدنيا (13) يعملون له ما يشآء من محاريب قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها وتماثيل وصورا في الكافي والمجمع عن الصادق عليه السلام والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وشبهه وجفان صحاف كالجواب كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وقدور راسيات ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية ولذلك قيل الشكور من يرى عجزه عن الشكر

[ 213 ]

(14) فلما قضينا عليه الموت أي على سليمان ما دلهم على موته إلا دابة الارض أي الأرضة والأرض فعلها اضيفت إليه تأكل منسأته عصاه من نسأه إذاطرده فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين في المجمع وفي الشواذ تبينت الأنس ثم نسبها إلى السجاد والصادق عليهما السلام ويأتي ذكرها في الكافي عن الصادق عليه السلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان بن داود (عليه السلام) أن آية موتك أن شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس فقال لها ما اسمك قالت الخرنوبة قال فولى سليمان مدبرا إلى محرابه فقام فيه متكئا على عصاه فقبض روحه من ساعته قال فجعلت الجن والأنس يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا وهم يظنون أنه حي لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت الأرضة من عصاه فأكلت منسأته فانكسرت وخر سليمان إلى الأرض أفلا تسمع لقوله عز وجل فلما خر تبينت الجن الاية وفي العلل عن الباقر عليه السلام قال أمر سليمان بن داود (عليه السلام) الجن فصنعوا له قبة من قوارير فبينا هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه فقال له من أنت قال أنا الذي لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك أنا ملك الموت فقبضه وهو متكئ على عصاه في القبة والجن ينظرون إليه قال فمكثوا سنة يدأبون له حتى بعث الله عز وجل الأرضة فأكلت منسأته وهي العصا فلما خر تبينت الجن الاية قال عليه السلام فالجن يشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان فما تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء وطين والقمي قال لما أوحى الله إلى سليمان أنك ميت أمر الشياطين أن تتخذ له بيتا من قوارير ووضعوه في لجة البحر ودخله سليمان فاتكى على عصاه وكان يقرء الزبور والشياطين حوله ينظرون إليه ولا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذ حانت منه التفاتة ثم ذكر كالحديث السابق ثم قال فلما خر على وجهه تبينت الأنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين فهكذا نزلت هذه الاية وذلك أن

[ 214 ]

الأنس كانوا يقولون إن الجن يعلمون الغيب فلما سقط سليمان (عليه السلام) على وجهه علموا أن لو يعلم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان (عليه السلام) وهو ميت ويتوهمونه حيا وفي العيون والعلل عن الرضا عن أبيه عليهم السلام إن سليمان بن داود (عليه السلام) قال ذات يوم لأصحابه إن الله تعالى وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي سخر لي الريح والجن والانس والطير والوحوش وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شئ ومع جميع ما اوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل وقد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي ولا تأذنوا لأحد علي لئلا يرد علي ما ينقص على يومي قالوا نعم فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما اوتي فرحا بما اعطي إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره فلما بصر به سليمان (عليه السلام) قال له من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت قال الشاب أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه دخلت فقال ربه أحق به مني فمن أنت قال أنا ملك الموت قال وفيما جئت قال جئت لأقبض روحك قال امض لما امرت به فهذا يوم سروري وأبى الله عز وجل أن يكون لي سرور دون لقائه فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله والناس ينظرون إليه وهم يقدرون انه حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال قد بقي سليمان (عليه السلام) متكئا على عصاه هذه الايام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب إنه لربنا الذي يجب علينا أن نعبده وقال قوم إن سليمان ساحر وأنه يرينا أنه واقف متكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك فقال المؤمنون إن سليمان هو عبد الله ونبيه يدبر الله أمره بما يشاء فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الأرضة فدبت في عصاه فلما أكلت جوفه انكسرت العصا وخر سليمان من قصره على وجهه فشكرت الجن للأرضة صنيعها فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا وعندها ماء وطين وذلك قول الله عز وجل فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الارض تأكل منسأته يعني عصاه فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا الاية ثم قال الصادق عليه السلام والله ما نزلت هذه الاية هكذا وإنما نزلت فلما خر

[ 215 ]

تبينت الأنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين وفي الأحتجاج عن الصادق عليه السلام أنه سئل كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (عليه السلام) من البناء ما يعجز عنه ولد آدم قال غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق غذاهم التنسم والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لأستراق السمع ولا يقدر الجسم الكثيف على الأرتقاء إليها إلا بسلم أو بسبب في الأكمال عن النبي صلى الله عليه وآله عاش سليمان بن داود سبعمأة سنة واثنتي عشرة سنة (15) لقد كان لسبا لأولاد سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان (1) في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن سبأ أرجل هو أم إمرأة فقال هو رجل من العرب ولد له عشرة تيامن منهم ستة وتشام منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعرون والأنمار وحمير قيل ما أنمار قال الذين منهم خثعم وبجيلة وأما الذين تشأموا فعاملة وجذام ولحم وغسان في مساكنهم موضع سكناهم قيل وهي باليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث وقرئ بالأفراد ثم بفتح الكاف وكسره آية علامة دالة على وجود الصانع المختار وأنه قادر على ما يشاء من الامور العجيبة جنتان جماعتان من البساتين عن يمين وشمال جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة منهما في تقاربها وتضايقها كأنه جنة واحدة كذا قيل كلوا من رزق ربكم واشكروا له على إرادة القول بلدة طيبة ورب غفور وقرئ الكل بالنصب (16) فأعرضوا عن الشكر فأرسلنا عليهم سيل العرم أي العظيم الشديد القمي قال إن بحرا كان في اليمن وكان سليمان (عليه السلام) أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من

______________________________ـــ

(1) المراد من سبأ هنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشخب. (*)

[ 216 ]

الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيهايمر المار لا يقع عليه الشمس من التفافها فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله عز وجل على ذلك السد الجرذ وهي الفارة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا تستقلها الرجال وترمي بها فلما رآى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم وقلع أشجارهم وهو قوله تعالى لقد كان لسبإ الاية إلى قوله سيل العرم أي العظيم الشديد وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط مر بشع القمي وهو ام غيلان وأثل وشئ من سدر قليل قيل معطوفان على أكل لا خمط فإن الأثل هو الطرفاء ولا ثمر له ووصف السدر بالقلة لأن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك تغرس في البساتين وتسميته البدل جنتين للمشاكلة والتهكم (17) ذلك جزيناهم بما كفروا بكفرانهم النعمة وهل نجازى إلا الكفور إلا البليغ في الكفران وقرئ بالنون ونصب الكفور (18) وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها بالتوسعة على أهلها قيل هي قرى الشام والقمي قال مكة قرى ظاهرة متواصلة يظهر بعضها لبعض وقدرنا فيها السير بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت في اخرى سيروا فيها على إرادة القول ليالى وأياما متى شئتم من ليل أو نهار آمنين (19) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا أشروا النعمة وملوا العافية فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الأزواد فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة وقرئ بعد وفي المجمع عن الباقر عليه السلام ربنا باعد بلفظ الخبر على أنه شكوى منهم لبعد سفرهم إفراطا منهم في الترفيه وعدم الأعتداد بما أنعم الله عليهم فيه وظلموا أنفسهم حيث بطروا النعمة فجعلناهم أحاديث يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل

[ 217 ]

فيقولون تفرقوا أيدي سبأ ومزقناهم كل ممزق وفرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان إن في ذلك فيما ذكر لايات لكل صبار عن المعاصي شكور على النعم في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية وأموال ظاهرة فكفروا نعم الله عز وجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله فغير الله ما بهم من نعمة وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فأرسل الله عليهم سيل العرم فغرق قراهم وخرب ديارهم وذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جنتيهم جنتين ذواتي اكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل وفي الأحتجاج عن الباقر عليه السلام في حديث الحسن البصري في هذه الاية قال عليه السلام بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن فنحن القرى التي بارك الله فيها وذلك قول الله عز وجل فيمن أقر بفضلنا حيث أمرهم أن يأتونا فقال وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها أي جعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة والقرى الظاهرة الرسل والنقلة عنا إلى شيعتنا وفقهاء شيعتنا وقوله سبحانه وقدرنا فيهاالسير والسير مثل للعلم سير به فيها ليالي وأياما مثل لما يسير من العلم في الليالي والأيام عنا إليهم في الحلال والحرام والفرائض والأحكام آمنين فيها إذا أخذوا عن معدنها الذي امروا أن يأخذوا منه آمنين من الشك والضلال والنقلة من الحرام إلى الحلال وعن السجاد عليه السلام إنما عنى بالقرى الرجال ثم تلا آيات في هذا المعنى من القرآن قيل فمن هم قال نحن هم قال أولم تسمع إلى قوله سيروا فيها ليالى وأياما آمنين قال آمنين من الزيغ وفي الأكمال عن القائم عليه السلام في هذه الاية قال نحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة وفي العلل عن الصادق عليه السلام في حديث أبي حنيفة الذي سبق صدره في

[ 218 ]

آخر المقدمة الثانية سيروا فيها ليالى وأياما آمنين قال مع قائمنا أهل البيت عليهم السلام (20) ولقد (1) صدق عليهم إبليس ظنه صدق في ظنه وهو قوله لاضلنهم ولأغوينهم وقرئ بالتشديد أي حققه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين (21) وما كان له عليهم من سلطان تسلط وإستيلاء بوسوسة وإستغواء إلا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك ليتميز المؤمن من الشاك أراد بحصول العلم حصول متعلقه وربك على كل شئ حفيظ في الكافي عن الباقر عليه السلام قال كان تأويل هذه الاية لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله أنه ينطق عن الهوى فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه والقمي عن الصادق عليه السلام لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للناس في قوله يا ايها الرسول بلغ مآ أنز ل إليك من ربك في علي بغدير خم فقال من كنت مولاه فعلي مولاه فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على رؤوسهم فقال لهم إبليس مالكم قالوا إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شئ إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني فأنزل الله عز وجل على رسوله ولقد صدق عليهم إبليس ظنه الاية (22) قل للمشركين ادعوا الذين زعمتم آلهة من دون الله فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لا يملكون مثقال ذرة من خير أو شر في السموات ولا في الارض في أمرهما وما لهم فيهما من شرك من شركة لا خلقا ولا ملكا وما له منهم من ظهير يعينه على تدبير أمرهما (23) ولا تنفع الشفاعة عنده ولا تنفعهم شفاعة أيضا كما يزعمون إلا لمن أذن

______________________________ـــ

(1) الضمير في عليهم يعود الى اهل سبا وقيل الى الناس كلهم الا من أطاع الله. (*)

[ 219 ]

له أن يشفع وقرئ بضم الهمزة القمي قال لا يشفع أحد من أنبياء الله واولياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن يوم القيامة والشفاعة له وللأئمة عليهم السلام ثم بعد ذلك للأنبياء وعن الباقر عليه السلام ما من أحد من الأولين والاخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة ثم إن لرسول الله صلى الله عليه وآله الشفاعة في امته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم ثم قال وأن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر وأن المؤمن ليشفع حتى لخادمه يقول يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد حتى إذا فزع عن قلوبهم يعني يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم وقرئ على البناء للفاعل قالوا قال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير ذو العلو والكبرياء القمي عن الباقر عليه السلام وذلك أن أهل السموات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى بن مريم (عليه السلام) إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وآله فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله سمع أهل السموات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعق أهل السموات فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل كلما مر بأهل سماء فزع عن قلوبهم يقول كشف عن قلوبهم فقال بعضهم لبعض ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير (24) قل من يرزقكم من السموات والارض تقرير لقوله لا يملكون قل الله إذ لا جواب سواه وفيه إشعار بأنهم إن سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الألزام فهم مقرون به بقلوبهم وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين أي وإن أحد الفريقين من الموحدين والمشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبين وهو أبلغ من التصريح لأنه في صورة الأنصاف المسكت للخصم المشاغب قيل اختلاف الحرفين لأن الهادي كمن صعد منارا ينظر الأشياء ويطلع عليها أو ركب جوادا يركضه حيث يشاء والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى أو محبوس في مطمورة لا

[ 220 ]

يستطيع أن يتفصى منها (25) قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون هذا أدخل في الأنصاف وأبلغ في الأخبات حيث أسند الأجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين (26) قل يجمع بيننا ربنا يوم القيامة ثم يفتح بيننا بالحق يحكم ويفصل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار وهو الفتاح الحاكم الفاصل العليم بما ينبغي أن يقضي به (27) قل أرونى الذين ألحقتم به شركاء لأرى بأي صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم كلا ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة بل هو الله العزيز الحكيم الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة وهؤلاء الملحقون متسمة بالذلة متأبية عن قبول العلم والقدرة رأسا (28) وما أرسلناك إلا كآفة للناس إلا لرسالة عامة لهم من الكف فإنها إذا عمتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون فيحملهم جهلهم على مخالفتك في الكافي عن الصادق عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا صلى الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى على نبينا وآله وعليهم السلام إلى أن قال وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والأنس وفي روضة الواعظين عن السجاد عليه السلام إن أبا طالب سأل النبي صلى الله عليه وآله يا ابن أخ إلى الناس كافة ارسلت أم إلى قومك خاصة قال لا بل إلى الناس ارسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي (1) والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود من على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار ولأدعون

______________________________ـــ

(1) ويؤيده الحديث المروي عن ابن عباس (ره) عن النبي (ص) قال أعطيت خمسا ولا اقول فخرا: بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت في الارض طهورا ومسجدا واحل لي المغنم ولم يحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر واعطيت الشفاعة فادخرتها لأمتي يوم القيامة. (*)

[ 221 ]

السنة فارس والروم والقمي عن الصادق عليه السلام إنه قال لرجل سأله أخبرني عن الرسول كان عاما للناس أليس قد قال الله عز وجل في محكم كتابه وما أرسلناك إلا كافة للناس لأهل الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والأنس هل بلغ رسالته إليهم كلهم قال لا أدري قال إن رسول الله لم يخرج من المدينة فكيف أبلغ أهل الشرق والغرب ثم قال إن الله تعالى أمر جبرئيل (عليه السلام) فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لرسول الله صلى الله عليه وآله فكانت بين يديه مثل راحته في كفيه ينظر إلى أهل الشرق والغرب ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم إلى الله عز وجل وإلى نبوته بنفسه فما بقيت قرية ولا مدينة إلا ودعاهم النبي صلى الله عليه وآله بنفسه (29) ويقولون متى هذا الوعد الموعود بقوله يجمع بيننا ربنا إن كنتم صادقين يخاطبون به رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين (30) قل لكم ميعاد يوم لا تستاخرون عنه ساعة ولا تستقدمون إذا فاجأكم وهو جواب تهديد في مقابل تعنتهم وإنكارهم (31) وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذى بين يديه ولا بما تقدمه من الكتب الدالة على البعث ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم في موضع المحاسبة يرجع بعضهم إلى بعض القول يتحاورون ويتراجعون القول يقول الذين استضعفوا لأتباع للذين استكبروا للرؤساء لولا أنتم لولا إضلالكم وصدكم إيانا عن الأيمان لكنا مؤمنين باتباع الرسول (32) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جائكم بل كنتم مجرمين أنكروا أنهم كانوا صادين لهم عن الأيمان وأثبتوا أنهم هم الذين صدوا أنفسهم حيث أعرضوا عن الهدى وآثروا التقليد عليه (33) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إضراب عن إضرابهم أي لم يكن إجرامنا الصاد بل مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا حتى أغرتم

[ 222 ]

علينا رأينا إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وأضمر الفريقان الندامة عن الضلالة والأضلال وأخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير القمي قال يسرون الندامة في النار إذا رأوا ولي الله فقيل يا ابن رسول الله وما يغنيهم إسرارهم الندامة وهم في العذاب قال يكرهون شماتة الأعداء وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا أي في أعناقهم فجاء بالظاهر تنويها بذمهم وإشعارا بموجب إغلالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون أي لا يفعل بهم ما يفعل إلا جزاء على أعمالهم (34) وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون تسلية لرسول الله مما مني به من قومه وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي المعظم إلى التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والأنهماك في الشهوات والأستهانة بمن لم يحظ منها ولذلك ضم المفاخرة والتهكم إلى التكذيب (35) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا فنحن أولى بما تدعونه إن أمكن وما نحن بمعذبين إما لأن العذاب لا يكون أو لأنه اكرمنا بذلك فلا يهيننا بالعذاب (36) قل ردا لحسبانهم إن ربى يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر يوسع لمن يشاء ويضيق على من يشاء وليس ذلك لكرامة وهو ان ولكن أكثر الناس لا يعلمون إن ذلك كذلك في نهج البلاغة وأما الأغنياء من مترفة الامم فتعصبوا لاثار مواقع النعم فقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين فإن كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الامور التي تفاضلت فيها المجد والنجد من بيوتات العرب ويعاسيب القبايل بالأخلاق الرغيبة والأحلام العظيمة والأخطار الجليلة والاثار المحمودة (37) وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى قربة إلا من آمن وعمل صالحا بانفاق ماله في سبيل الله وتعليم ولده الخير والصلاح فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون من المكاره وقرئ بالتوحيد

[ 223 ]

القمي عن الصادق عليه السلام وقد ذكر رجل الأغنياء ووقع فيهم فقال عليه السلام اسكت فإن الغني إذا كان وصولا برحمه بارا بإخوانه أضعف الله له الأجر ضعفين لأن الله يقول وما أموالكم الاية وفي العلل ما يقرب منه (38) والذين يسعون في آياتنا بالرد والطعن معاجزين أولئك في العذاب محضرون (39) قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشآء من عباده ويقدر له هذا في شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق في شخصين فلا تكرير وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه عوضا إما عاجلا أو آجلا وهو خير الرازقين فإن غيره وسط في إيصال رزقه لا حقيقة لرازقيته القمي عن الصادق عليه السلام قال إن الرب تبارك لثلث الأخير وأمامه ملك ينادي هل من تائب يتاب عليه هل من مستغفر يغفر له هل من سائل فيعطى سؤله اللهم اعط كل منفق خلفا وكل ممسك تلفا إلى أن يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد أمر الرب إلى عرشه فيقسم الأرزاق بين العباد ثم قال وهو قول الله وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام من بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف الله له ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته وعن النبي صلى الله عليه وآله من صدق بالخلف جاد بالعطية وفي رواية من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة وقيل للصادق عليه السلام إني أنفق ولا أرى خلفا قال أفترى الله عز وجل أخلف وعده قيل لا قال فمم ذلك قيل لا أدري قال لو أن أحدكم اكتسب المال من حله لم ينفق درهما إلا أخلف عليه وعن الرضا عليه السلام قال لمولى له هل أنفقت اليوم شيئا فقال لا والله فقال

[ 224 ]

عليه السلام فمن أين يخلف الله علينا (40) ويوم نحشرهم جميعا المستكبرين والمستضعفين ثم نقول للملئكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون تقريعا للمشركين وتبكيتا وإقناطا لهم عما يتوقعون من شفاعتهم وتخصيص الملائكة لأنهم أشرف شركائهم والصالحون للخطاب منهم وقرئ بالياء فيها (41) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم أنت الذي نواليه من دونهم لا موالاة بيننا وبينهم كأنهم بينوا بذلك برأتهم عن الرضا بعبادتهم ثم أضربوا عن ذلك ونفوا أنهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم بل كانوا يعبدون الجن أي الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله أكثرهم بهم مؤمنون (42) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا إذ الأمر فيه كله له لأن الدار دار جزاء وهو المجازي وحده ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التى كنتم بها تكذبون (43) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا يعنون به النبي صلى الله عليه وآله إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد ابآؤكم فيستتبعكم بما يستبدعه وقالوا ما هذا يعنون القرآن إلا إفك كذب مفترى على الله وقال الذين كفروا للحق لما جائهم إن هذا إلا سحر مبين (44) وما آتيناهم من كتب يدرسونها تدعوهم إلى ما هم عليه وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ينذرهم على تركه فمن أين وقع لهم هذه الشبهة (45) وكذب الذين من قبلهم كما كذبوا وما بلغوا معشار ما آتيناهم قيل وما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا اولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال أو ما بلغ اولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى أقول: كأنه اريد على التقديرين أن اولئك كانوا أحرى بتكذيب رسلهم من هؤلاء وعليه يحمل ما رواه القمي مرفوعا قال كذب الذين من قبلهم رسلهم وما بلغ ما

[ 225 ]

اتينا رسلهم معشار ما اتينا محمدا وآل محمد عليهم السلام أو يحمل على أن المراد أن فضائل محمد وآله أحرى بالحسد والتكذيب وإيتاء محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله إيتاء لهم فلا ينافي الحديث ظاهر القرآن فكذبوا رسلي لا تكرير فيه لأن الأول مطلق والثاني مقيد فكيف كان نكير أي إنكاري لهم بالتدمير فليحذر هؤلاء من مثله (46) قل إنما أعظكم بواحدة أرشدكم وأنصح لكم بخصلة واحدة (1) أن تقوموا لله معرضين عن المراء والتقليد مثنى وفرادى متفرقين اثنين اثنين أو واحد واحد فإن الأزدحام يشوش الخاطر ويخلط القول ثم تتفكروا في أمري وما جئت به لتعلموا حقيته ما بصاحبكم من جنة فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد أي قدامه في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام قال إنما أعظكم بولاية علي عليه السلام هي الواحدة التي قال الله وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث إن الله جل ذكره أنزل عزائم الشرايع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السموات والأرض في ستة أيام ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق ولكنه جعل الأناة والمداراة مثالا لامنائه وإيجابا للحجة على خلقه فكان أول ما قيدهم به الأقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا الله فلما أقروا بذلك تلاه بالأقرار لنبيه بالنبوة والشهادة له بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات وما يجري مجراها من مال الفئ فقال المنافقون هل بقي لربك علينا بعد الذي فرض علينا شئ آخر يفرضه فتذكره لتسكن أنفسناإلى أنه لم يبق غيره فأنزل الله في ذلك قل إنما أعظكم بواحدة يعني الولاية فأنزل الله إنما وليكم الله ورسوله الاية (47) قل ما سئلتكم من أجر على الرسالة فهو لكم

______________________________ـــ

(1) وقيل بكلمة واحدة وهي كلمة التوحيد وقيل بطاعة الله. (*)

[ 226 ]

القمي عن الباقر عليه السلام في هذه الاية قال وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله سأل قومه أن يودوا أقاربه ولا يؤذوهم وأما قوله فهو لكم يقول ثوابه لكم وفي المجمع عنه عليه السلام معناه إن أجر ما دعوتكم إليه من إجابتي وذخره هو لكم دوني وفي الكافي عنه عليه السلام يقول أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم تهتدون به وتنجون من عذاب يوم القيامة إن أجرى إلا على الله وهو على كل شئ شهيد مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي (48) قل إن ربى يقذف بالحق يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده علام الغيوب (49) قل جاء الحق الاسلام وما يبدئ الباطل وما يعيد وزهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له أثر في الأمالي عن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام دخل رسول الله صلى الله عليه وآله مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد وفي المجمع مثله عن ابن مسعود (50) قل إن ضللت عن الحق فإنما أضل على نفسي فإن وبال ضلالي عليها وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب يسمع كل قول ويرى كل فعل وإن كان خفيا (51) ولو ترى إذ فزعوا لرأيت فظيعا فلا فوت فلا يفوتون الله بهرب أو حصن القمي عن الباقر عليه السلام قال إذ فزعوا من الصوت وذلك الصوت من السماء وأخذوا من مكان قريب قال من تحت أقدامهم خسف بهم

[ 227 ]

وعنه عليه السلام لكأني أنظر إلى القائم عليه السلام وقد أسند ظهره إلى الحجر وساق الحديث إلى أن قال فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله عز وجل الأرض فتأخذ بأقدامهم وهو قوله عز وجل ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب (52) وقالوا آمنا به قال يعني بالقائم من آل محمد وقيل بمحمد صلى الله عليه وآله وأنى لهم التناوش التناول يعني تناول الأيمان من مكان بعيد يعني بعد انقضاء زمان التكليف قال إنهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال وقد كان لهم مبذولا من حيث ينال (53) وقد كفروا به من قبل يعني أوان التكليف ويقذفون بالغيب ويرجمون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم من مكان بعيد من جانب بعيد من أمره (54) وحيل بينهم وبين ما يشتهون قال يعني أن لا يعذبوا كما فعل بأشياعهم من قبل قال يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا إنهم كانوا في شك مريب في المجمع عن السجاد والحسن بن الحسن بن علي عليهما السلام في هذه الاية هو جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب قال فبينا هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فور ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين جيشا إلى المشرق وآخر إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة يعني بغداد فيقتلون فيها أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من ماة إمرأة ويقتلون بها ثلاثمأة كبش من بني العباس ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ويحل الجيش الثاني بالمدينة فينهبونها ثلاثة أيام بلياليها ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبرئيل فيقول يا جبرئيل اذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم عندها ولا يفلت

[ 228 ]

منهم إلا رجلان من جهينة فلذلك جاء القول (وعند جهينة الخبر اليقين) فذلك قوله تعالى ولو ترى إذ فزعوا الاية قال وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام مثله وفي ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ الحمدين جميعا حمد سبأ وحمد فاطر في ليلة لم يزل في ليله في حفظ الله وكلاءته فإن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه واعطي من خير الدنيا وخير الاخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1122
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19